دير الزور المدينة المنكوبة المنسية

 

كانت مدينة دير الزور من أولى المدن السورية التي دخلت الثورة بزخم كبير، ولم يتأخّر الريف عن الالتحاق بالمدينة، لتشكل بذلك قوة طاغطة على النظام، وشهدت مظاهراتها السلمية وغيرها من النشاطات اللاعنفية زخماً كبيراً حتى تصدّرت المشهد، وخاصة خلال الحصار الأول لمدينة حمص وريفها الشمالي فقد شكّلت المدينة بديلاً مرهقاً للنظام وأظهرت تضامنا كبيرا مع حمص وريفها، وأصبحت تحت أنظار آلة النظام القمعية، وبعد دخول الثورة مرحلة الكفاح المسلح، سطّر رجالها بطولات عظيمة قصمت ظهر قوات النظام ، وفي ريفها وتحديداً في قرية "موحسن " تم إسقاط أول طائرة حربية بسلاح خفيف .
 
تعاني مدينة دير الزور من إهمال وتجاهل إعلامي وإغاثي كبيرين، هذا بالرغم من أنّها المدينة الوحيدة بين المدن السورية الثائرة التي أطلقت محطة فضائية باسمها ، تنقل أخبار الثورة أول بأول، ويعمل الناشطون والمشرفون على تنسيقيات المناطق التابعة لها بتوثيق ونشر كل ما يجري في المدينة وريفها على صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت، ومع ذلك يكاد يكون الحضور الإعلامي لأحداث المدينة يقتصر على أخبار عاجلة لا تتجاوز دقائق على أية فضائية، وفقط عند حدوث مجزرة كبيرة، علماً أنه قد تم تجاهل العديد من المجار البشعة التي ارتكبتها قوات النظام فيها .
 
لمدينة دير الزور خصوصية كبيرة بين المدن السورية ، بسبب اتساع رقعتها الجغرافية التي تكاد تمتد على ثلث مساحة الأراضي السورية، كما أنها تبعد حوالي 180 كم عن أقرب حدود دولية لها وهي حدود العراق، هذه الخصوصية وممارسات النظام القمعية جعلت من المدينة منطقة منكوبة بكل معنى الكلمة ، فالاتصالات مقطوعة بشكل كامل عنها منذ أكثر من شهرين، كما تم تدمير سوقها التجاري بالكامل، ونتيجة للقصف المتواصل وتدهور الوضع الأمني توقفت الحياة فيها بشكل كلي وبكافة المجالات ، فلا مؤسسات تعمل فيها ، لا التعليم ولا الصحة ، ولا الأسواق التجارية ، كما توقفت كافة مناحي الاقتصاد الأخرى المعروفة في المدينة من زراعة ، وصناعة وقطاعات خدمية، وصحية، مما جعل الوضع المعيشي فيها مأساوياً، خاصة إذا ما علمنا أن النازحين يشكّلون90% من سكانها، ويعاني هؤلاء كما باقي السكان من نقص حاد في كل متطلبات الحياة، إذا تحدث الناشطون مؤخراً أن اللاجئين إلى منطقة الريف الغربي لدير الزور يعانون من نقص حاد في المواد التمونية، ووضع إنساني لا يحتمل، حيث تتواجد في ثلاث قرى فقط أكثر من 1250 عائلة في مكان لاتتوافر فيه أبسط مقومات الحياة، كما تحدث هؤلاء عن حدوث حالات سرقة للتبرعات التي جاءت لمساعدة العائلات المذكورة من ضعاف النفوس وأصحاب النفوذ، إذا لم يصل منها شيء، مما دفع أهالي منطقة " الخريطة " لجمع التبرعات من المساجد كي يسدّوا حاجات اللاجئين، علماً أنّ عدد أفراد أبناء المدينة الموجودين في الخليج العربي يقارب عدد سكانها في المدينة قبل الثورة، ورغم ذلك ومع الدور الكبير الذي يلعبه المغتربون في إغاثة مناطقهم، بقيت مدينة دير الزور المدينة الأقل دعماً إنسانياً وعسكرياً وطبياً .هذا الوضع جعل من كل غالبية أحياء المدينة ومناطقها الريفية أماكن منكوبة فعلا، ومنها الأحياء التالية: حي العرضي, الرشدية, الحميدية, العمال, الموظفين, الجورة, القصور, الحويقة, علي بيك, غسان عبود، وبعض مناطق الريف ( موحسن, البوعمر, الميادين, البوكمال, الخريطة).
 
من أبرز ما تحدّث عنه الناشطون هو الغياب الإعلامي التام أو شبه التام عن المدينة ريفها ، حتى أن بعض المجازر ترتكب دون أن يوليها أحد الاهتمام، من مثل ما حدث في حي الجورة 26-9-2012، إذا تعرض الحي لمجزرة حقيقية، ومروعة،و لم يذكرالإعلام عنها أي شيئ رغم فظاعتها وارتفاع عددضحاياها ، فقد راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد، ومئات الجرحى ، وقد وجدت عشرات الجثث مجهولة الهوية التي تمت تصفيتها ميدانياً بشتى صنوف القتل (إعدام ميداني بالرصاص،حرق، نحر)، حيث كان الأهالي يجمعون الجثث من شتى الأماكن ، ولم يبقَ مكان في الحي لم توجد فيه جثث حالتها مرعبة، فقد وجد العديد منها داخل المباني السكنية وفي مداخلها ، وأمام المعهد النسوي ، السجن المركزي ،جامع المهاجرين ، مدرسة الثورة ، جامع قباء ، مخبز النعمة .. الخ، كما تم الحصول على جثث مجهولة الهوية داخل مقبرة الجورة وقرب معمل البلاط، وقرب فرن خالد ابن الوليد ، إضافة إلى مجزرة لم يعرف عدد ضحاياها فيها قرب معسكر الطلائع، كما وجدت امرأة مجهولة الهوية مع جنينها قرب مدرسة عدنان عكّاب، كما ارتكبت أول أمس مجزرة أخرى في مدينة الميادين نتيجة القصف الذي استهدف تدمير بناءً سكنياً،تمّ تدميره على رؤوس من فيه ليسقط عشرات الشهداء والجرحى بينهم أكثر من 14 طفلا شهيد .
 
ومازالت المدينة تتعرض للقصف، والتــحـليـق المــكثـف للـطيران الــحربـي و الـمروحـي في سمائها ، و لاتــزال أصـوات الـرصـاص تـسمـع بـمختـلف الأحـيـاء، وكانت الأحـيـاء الأكـثـر سـتهـدافـاً خلال الأيام الأخيرة منذ الخامس عشر من تشرين الأول الجاري الأخـيـرة هـي الــجبـيـلـة، والحميدية والشيخ ياسين، والعرضي ،مع استمرار انقطاع كــافـة ســبـل الاتــصـال مــع الأحـياء الـسابـقـة نــتيـجـة خـطـورة الـحركة ، وقد سجل ضـغـط كـبـيـر عـلـى الـمشـافــي وكـل الـكوادر الإسعـافـيـة الـطبيـة الـمسانــدة لـهـم يقومـون بـأعـمـال جـبـارة ، إذ أنهم خـلال 24 ساعـة يقومون بــأكـثـر مـن 50 عــملاً جــراحــياً و إسـعـافــياً، هذا إضافة إلى عدد كبير من الجرحى بإصـابـات مــتـنـوعـة بين الــخفـيفـة و الـمتوسـطـة وحـتـى الـخطيرة.
 
و وسط هذه الظروف المأساوية ، والغياب الإعلامي ، والتقصير الكبير في الدعم الإغاثي والطبي، بات الناشطون في دير الزور وريفها يتندرون على سوء الحال بقولهم : " عادة يعلن المجلس الوطني أو تنسيقيات الثورة أي مدينة تتعرض للحصار والقصف مدينة منكوبة، ولكن حتى هذه قد بخلوا علينا بها، فهل من أحد يمكنه أن يعلن أن دير الزور وريفها مناطق منكوبة ؟؟ .لا نريد أكثر من هذا الإعلان لنشعر فقط أنّ هناك من يتذكرنا، و لنشعر أننا ما زلنا موجودون " ... نعم يا سادة دير الزور مدينة منكوبة ...مدينة منكوبة .. .. فهل من مغيث ؟؟ .......


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين