دستور الأسرة المسلمة -4- ( مقدمة كتاب المرأة بين الفقه والقانون للسباعي)

 

وإن قيام المجتمع على أساس العفة والإحصان وسلامة الأسرة والحياة الزوجية يستلزم اتخاذ تدابير عملية من جهة، والقيام بتهذيب خلقي من جهة أخرى، ولابد من اجتماع الأمرين معا ، وهذه التدابير العملية مبناها على حصر انطلاق الغريزة وإثارتها في نطاق الحياة الزوجية، والحيلولة دون هذه الإثارة في خارجها، ومن هنا تنشأ العادات المتعلقة باللباس المحتشم غير المثير، وبتحديد الصلة بين الرجال والنساء على أساس عدم الاختلاط في المجالس والبيوت، اللهم إلا في حدود ضيقة بعيدة عن الإثارة كالبيع والشراء، والاشتراك في العبادة كالحج والصلاة، أو في درس عام مشترك لكل من الجنسين جانب خاص منه أو ما شابه ذلك، وهذا ما أخذ به الإسلام من منع التزين والتبرج في اللباس والزينة، ومن منع خلوة الرجل والمرأة ولو من غير زينة ولا تبرج، ومنع الاختلاط المطلق، وفي غير مناسبات الحاجة والضرورة كالزيارات والسهرات المشتركة.

ولذلك فإن من الخروج عن جادة الإسلام وعن جادة الاستقامة والفضيلة في نظر الإسلام ما يفعله الناس اليوم من كشف الرأس والصدر والساق والذراع، ومن تزيين الوجه والتعطر واتخاذ الألبسة الضيقة وذات الألوان اللافتة للنظر والمثيرة والألبسة القصيرة، وما يفعلونه من القيام بزيارات مختلطة وسهرات مشتركة ولا سيما مع هذا التزين وبهذه الألبسة هو في نظر لإسلام من كبائر الذنوب ومن المحرمات التي لا يمكن أن تغطيها أو تقبل معها عبادة أو صلاة أو دعاء أو حج لأن في ذلك اعلان حرب على الله ورسوله وعلى الإسلام والقران. فليتق الله هذا الفريق من الناس بوجه خاص ممَّن اتخذوا الإسلام دينا وآمنوا بالله وكتابه ورسوله، وتقربوا إلى الله بإقامة الصلاة وصيام رمضان، وليعيدوا النظر في حياتهم ليسجلوا أنفسهم في سجل الإيمان والطاعة، أو في سجل الكفر والمعصية. وليصحِّحوا حياتهم هذه ولو أدى الأمر لهدم الأسرة القائمة على محاربة الله ورسوله، وبناء أسرة غيرها، أي ولو أدى الأمر إلى مفارقة الزوجة المصرة على البقاء في نظام الكفر والإباحية من جهة اللباس الزينة والاختلاط. وأنه من أشد الناس مؤاخذة في هذا المجال الشبان الذين نشؤوا على التدين، ثم هم حين يريدون أن يتزوجوا يعرضون على الفتيات المنتهجات نهج الإسلام في حياتهن، وينتقون زوجاتهم من المُعرضات عن خطة الإسلام ونهجه، من المتحديات لنظام العفة والحشمة، المتزينات المتبرجات. فهؤلاء الشباب يرتكبون جريمة كبيرة بإحداثهم روح النقمة على التدرين في نفوس المتدينات بإعراضهم عنهن، ويشجعون الفاسد المتنكر للإسلام.

يتبين مما تقدم من أفكار : أن موضوع الرجل والمرأة ليس في اختيار إحدى فكرتين التفضيل أو المساواة، وإنما هو موضوع اختلاف في الخصائص يقتضي اختلافا في التخصيص والعمل، ويقتضي توزيع الأعمال بحسب الاستعدادات والخصائص، وذلك ما أخذ به الإسلام، فهناك من جهةِِ مساواة كاملة في الإنسانية وما يتفرع عنها من كرامة وقيمة أخلاقية وتكليف ومسؤولية: فـ "النساء شقائق الرجال "كما في الحديث. والله (خلق لكم من أنفسكم أزواجا) و(خلقكم من نفس واحدة) كما ورد في القران الكريم.

وهناك من جهة أخرى تفاوت واختلاف، اختلاف في التركيب العضوي، واختلاف في التكوين النفسي، ينشأ عنهما اختلاف في الصفات والخصائص والمزايا، وهذا التفاوت في الخصائص يقتضي توزيع الأعمال في الحياة بين الرجل والمرأة توزيعا يتناسب مع هذه الخصائص المتنوعة المختلفة.

وكذلك الناحية الحقوقية: فالحق هو ممارسة لوظيفة اجتماعية ،وينشأ بنشوئها، ولذلك كانت الحقوق المتعلقة بالصفة الإنسانية للرجل والمرأة متساوية، وأما الحقوق المتعلقة بالأعمال الموزعة بينهما توزيعا متناسبا مع الخصائص فهي كذلك مختلفة ومتناسبة مع توزيع الأعمال، وهذه قاعدة مطبقة في المجتمع اليوم فحقوق الناس تختلف باختلاف مؤهلاتهم المكتسبة، ومؤهلاتهم المكتسبة نتيجة لاستعداداتهم الفطرية فحملة الشهادات العليا من أطباء ومهندسين وحقوقيين، وحملة الشهادات الثانوية العامة والمهنية، وحملة الشهادة الإبتدائية كل هؤلاء يشتركون في الحقوق الإنسانية ولكنهم يتفاوتون في الحقوق الناشئة من شهاداتهم ومؤهلاتهم وكفاياتهم العلمية والعملية فليس للطبيب أن يدافع أمام المحاكم، ولا للمحامي أن يمارس الطب، وقد يعطي للأطباء أو المهندسين أو المحامين حقوق انتخابية في تكوين بعض المجالس لا تعطى لغيرهم. كذلك موضوع الرجال والنساء مساواة إنسانية خلقية معنوية، وتفاوت وتنوع في الأعمال وأنواع النشاط تنشأ عنه إنسانية كاملة راقية متخصصة. هي نوع واحد يتكون من جنسين كلاهما يعمل لخير النوع كله بتحقيق امكانية جنسه، ونموه في اطار جنسه واستعداده ووظيفته.

 

 

وأخيرا اترك للقارئ بعد هذه المقدمة الطويلة أن يستمتع بقراءة هذا الكتاب القيم النافع، ويستفيد مما فيه من علم غزير، ويدعو لمؤلفه أن يجزيه الله عن الإسلام الذي أحسن عرضه وخدمته والدعوة إليه خير الجزاء، ويبتهل إليه سبحانه أن يسد قيادة البشرية إلى حملة الرسالة السامية، إلى المؤمنين بالإسلام العاملين به ليعيدوا إليها الطمأنينة والسلام.

 

للاطلاع على الجزء الثالث من المقدمة الرجاء اضغط هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين