خيارات السوريين تحت رعاية الولايات المتحدة : خضوع ..أو هجرة .. أو قتل

 

 

يستعد المدعوون تحت مسمى ( المعارضة ) السورية للمثول حتى نهاية هذا الشهر نيويورك . للتفاوض أو للتوقيع على ما تم التوافق عليه بين الأمريكيين والروس والإيرانيين .

الخلطة غير المتجانسة من الرجال والنساء ، والأفكار والأهواء التي يراد لها أن تمثل الثورة السورية لن تستطيع لتنافرها وتشاكسها وتنافسها أن تأتي السوريين بأي خير . إن التناقضات بين بعض مكونات هذا المزيج تساوي بل تزيد أحيانا على التناقضات مع رأس الشر وأصله وموضع النزاع الأساسي مع السوريين . يجب ألا ننسى حيال أن نذكر أمام فريق ( سمك – لبن – تمر هندي ) هناك فريق آخر يتميز بالإدارة المركزية والموقف المنضبط المنسجم . وهذا أحد العوامل التي يراهن عليها المراهنون ، لتفريق أمر السوريين ، وكسر إرادتهم ، ووأد تطلعاتهم.

المعارضون الملهفون للمثول على موائد مفاوضات نيويورك ، لم يحاولوا هذه المرة أن يشترطوا لا لشعبهم ولا على عدوه ؛ لا للشعب السوري ولا لمعتقليه ومشرديه ولا لمشروعه ، ولا على أعداء الشعب الثورة السورية المباشرين روسية وإيران وبشار ، ولا على أي ممن يسمون وسطاء أو ضامنين دوليين . وقنعوا للاشتراك في هذه المفاوضات بكلام مرسل عام يمكن أن يفسر في أي لحظة على وجوه من التفسير.

 وحتى أولئك الذين كانوا موضع ثقة الشعب السوري أصبحوا في السياق الذي نتحدث فيه ثغرة هذا الشعب المخوفة الأشد إثارة للريبة والشك. فهؤلاء عز عليهم خوفا أو طمعا أن يتميزوا بموقف ، وأن يتقمصوا قميص الرائد لا يكذب أهله . بل انخرطوا في الزحام ، وخاضوا مع الخائضين ، واستعجلوا مع المستعجلين فكان الناس بحيث لا يرون في قلب الظلام نجما ولا وسط العاصفة ربانا . وكان هؤلاء في موقع : إذا اومؤوا إلى الناس وقفوا ..

في صفوف ما يسمى اليوم ( وفد المعارضة ) إلى نيويورك رجال ونساء ليسوا أقل سوء وشرا في طروحاتهم ممن في الصف الآخر ؛ حيث فريق الشر والخبث قد ثقف أساليب الباطنية والتقيّة والالتواء على مدى عقود .

قبول ما يسمى وفد المعارضة ، أو وفد الائتلاف ، أو وفد القوى السياسية التي عليها المعول في قول نعم أو في قول لا ، الجلوسَ مع الروسي والإيراني المحتلين للأرض السورية في فريق الوسطاء وليس الغرماء أمر يومي بوضوح بالكثير من الريبة عن حالة العجز أو التراخي التي ضربها هؤلاء الناس على أنفسهم ، ولم يضربها عليهم أحد ، ويظنون ويحسبون أنهم قادرون على فرضها على شعبهم وعلى من وراءهم .

ثم قبول هؤلاء ( المعارضون – المتعارضون ) بكل الأطر والعناوين التي فرضت سلفا على لقاء نيويورك القادم ، بما فيها العناوين الكبيرة الغارقة في ضبابية العموم حول ملامح الحل السياسي ، ومصير بشار الأسد ، وكذا مصير شركائه في الجريمة من رجال المؤسستين الأمنية والعسكرية ، مع كل التصريحات المتأرجحة الأشد إثارة للريبة ؛ هو الآخر يجعل الشعب السوري ينظر إلى هؤلاء المفاوضين كرجال مجردين من الإرادة ، غير قادرين على تحمل عبء مسئولية التمثيل لمصلحة شعب قدم كل هذه التضحيات .

ثم صمت هؤلاء المعارضين ثالثا ، عن فرض العلمانية استباقيا على الدولة السورية المنشودة ، بعيدا عن خيار الشعب الديمقراطي الحقيقي فيه ؛ ما فيه من مصادرة للمطلوب الديمقراطي المنشود الذي ضحى الشعب السوري من أجله بالكثير . دون أن نغفل عن حقيقة العلمانية التي يختبئ وراء عنوانها ( الولي الفقيه ) أو بوتين الأرثوذكسي أو بشار الأسد الطائفي !!

 كيف أمكن لمن يقدمون أنفسهم كممثلين للمعارضة السورية والثورة السورية أن يقبلوا الانخراط في مفاوضات عبثية ماراثونية دون أن يطالبوا بمقدمات إنسانية أولية للإفراج عن إخوانهم المعتقلين وأخواتهم المعتقلات ؟! إن صمتهم عن قضايا المعتقلين والمفقودين ، وهم يُهرعون حيث يريد لهم الآخرون ، يعني القبول بتحويل الحقوق الإنسانية التي تعني حياة ( بشر حقيقيين من لحم ودم وآمال وآلام ) لا تخضع لنقاش ولا تقبل مساومة ،إلى تفاصيل صغيرة في ملف سياسي قد يدور في دهاليز السياسة حالا بعد حال ..!! فما الذي لجم ألسنة المعارضين المبارزين أن يشترطوا إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات ثمنا للجلوس مع الروس والإيرانيين ؟!

 ماذا تخبي الولايات المتحدة تحت قبعتها ...؟!

على مدى خمس سنوات من الثورة السورية أثبتت الإدارة الأمريكية أنها غير مهتمة بأمن الشعب السوري ، ولا بمشروع حريته وحقوقه ، وأن كل اهتمام الولايات المتحدة أن تعيد ما كانت تسميه ( الاستقرار ) في سورية ، بشروط شراكة مريبة مع زمرة الاستبداد والفساد . خمس سنوات والولايات المتحدة تطلق يد هذه الزمرة في قتل السوريين ، وتشريدهم وتدمير بلادهم ، مع تشكيك دائم في عدالة واعتدال الشعب والثورة السوريين ، ثم العمل دائما لفرض المزيد من الاشتراطات عليهم وعلى مؤيديهم وداعميهم الإقليميين .

فماذا ينتظر الذاهبون إلى الولايات المتحدة غير محاولة الإقناع بأمنية كيري توافقوا مع بشار الأسد على قتال داعش ثم خيرا رأيتم وخيرا يكون ...

أوباما وكيري وكاميرون وأولاند يعلمون أن ( داعش ) لعبة من ألاعيب الولي الفقيه وبشار الأسد ، وهم يريدون أن يلعبوها معهما على الشعب السوري وثورته ومشروعه ، فهل سيكون في صفوف الثورة السورية بعض من هؤلاء اللاعبين. 

الخيارات التي يقدمها الأمريكيون للشعب السوري في مؤتمرهم القادم إما الاندماج في لعبة بشار الأسد مع بعض التجميل للخضوع والتحديث للانكسار . أو الاستمرار في العيش في ظل برنامج القتل الأسدي حتى تنضج عند من سيتبقى من الشعب قناعة الخضوع وإعلان الانكسار. أو في اختيار الخروج من الديار إلى المجهول حيث أبسط ما يعانيه المهاجرون لواعج الاغتراب ...

الذاهبون إلى نيويورك إذا لم يعودوا بما يفي ببهاء الثورة ويرضي تطلعات الثوار فربما لن يجدوا المكان الذين يعودون عليه .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين