خلاصة كتابي العلامة يوسف القرضاوي (إمام أحيا الله به العالم)

التقديم للبحث:

إن تاريخنا الإسلامي - في مختلف عصوره- قد حفظ لنا نماذج كبيرة وعظيمة ورائعة لعلماء أعلام -"جبال"- أجلاء كبار وأفذاذ كانوا يعادلون - في وزنهم وهيبتهم وتصرفاتهم وسلوكهم وحالهم وقالهم- دُ ولا كبرى، وحكوماتٍ عظمى بجيوشها وعروشها وممتلكاتها؟!

 

وإذا كان سلاطين الناس وحكامهم ورؤساؤهم الدنيويون يحكمون أجساد الناس وأشباحهم؛ فإن العلماء الربانيين خريجي المدرسة المحمدية يحكمون قلوب الناس ونفوسهم وأرواحهم؟!

 

وسأذكر - من ذلك الطراز الرفيع والنمط الفريد- خمسة علماء أعلام :

 

*أولهم: إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي ت 179 ه؛ الذي كان سلطانا بعلمه ونبوغه وهيبته وصدعه بالحق وعدم بيعه دينه بدنياه.

 

*ثانيهم: عز الدين عبد العزيز بن عبد السلَم السلمي الدمشقي؛ سلطان العلماء ت 660 ه: العلامة الفقيه الشافعي الأصولي الذي بلغ رتبة الاجتهاد، والذي وصفه السبكي بقوله فيه: "القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه". وقال ابن شاكر الكتبي واصفا إياه: "وكان أمَّارا بالمعروف نَهَّاءً عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم". والذي كانت تهابه الملوك ولا يهابهم، وقد وقف في وجوههم مرات صادعا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم؛ بل هم كانوا يهابونه، ويحسبون له كل حساب.

 

*ثالثهم: العلامة الفقيه المحدث نجم الدين محمد بن سالم الحفني الشافعي ت1181 هـ؛ شيخ الجامع الأزهر، ورئيس مصر، وعمدتها وقطبها؛ كما وصفه تلميذه العلامة أبو الفيض محمد مرتضى الزبيدي. المعجم المختص ص800 .

 

ووصفه المؤرخ المصري الكبير عبد الرحمن الجبرتي بقوله: "... وشاع ذكره في أقطار الأرض، وأقبل عليه الوافدون بالطول والعرض، وهابته الملوك، وقصده الأمير والصعلوك...". عجائب الآثار 1 / 462 .

 

*رابعهم: العلامة الموسوعي اللغوي الكبير الفقيه المحدث أبو الفيض محمد بن محمد؛ مرتضى الحسيني الزبيدي ت 1205 ه : الذي وصفه تلميذه المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي ت 1241 ه بقوله: "... فعظم أمره وانتشر صيته، وطُلب إلى الدولة فأجاب، ... وكاتبه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق وملوك المغرب والسودان وفزان والجزائر والبلاد البعيدة، وكثرت عليه الوفود من كل ناحية ...". عجائب الآثار في التراجم والأخبار 2 / 309 .

 

*خامسهم: العلامة المحدث الكبير الرباني الشيخ محمد بدر الدين بن يوسف الحسني البيباني الدمشقي ت 1354 ه- 1935 م: الذي وصفه تلميذه الشيخ علي الطنطاوي ووصف غرفته تلك - بدار الحديث بدمشق – المتواضعة بمظاهرها العظيمة بشيخها فقال: "... ويمضي إلى دار الحديث إلى غرفة له فيها صغيرة مبسوطة بال بُسط، ما فيها إلا جلد و)طُرَّاحة( ومخدات من قَش، ولطالما دخل هذه الغرفة من ناس: من رجال الدين ورجال الأديان،

 

وشيخنا القرضاوي - فيما أرى- من هؤلاء العلماء السادة، وهو سادسهم؛ فقد ملأ الدنيا وشغل الناس بكتبه ومصنفاته المختلفة والمتنوعة، والتي نيفت على السبعين، وقد شملت جل العلوم الإسلامية من فقه وأصول وتفسير وعقيدة وسير وسلوك وتصوف واقتصاد إسلامي، والتاريخ والتراجم، والتربية والحركات الإسلامية، والشعر والأدب، ... إلخ .

 

كما ملأ الدنيا وشغل الناس بفتاواه التي شرقت وغربت، ولبت احتياجات شرائح واسعة من المسلمين في جل أقطار الدنيا .

 

وملأ الدنيا وشغل الناس بدروسه ولقاءاته ومحاضراته التي ألقاها في وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة والمسموعة، في الصحف والمجلات المختلفة، وفي الإذاعة والتلفاز التقليديين، ثم عبر القنوات الفضائية العديدة، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

 

كما ملأ دنيا الناس وشغلهم بمذكراته المطولة الشائقة والماتعة والواسعة التي استغرقت نحو 2390 ص، وجمعت في كتاب بعدما كتبت في بعض الصحف، وأذيعت خلاصتها في 30 حلقة تلفازية على قناة الحوار" الفضائية اللنْدُرِيَّة سنة 2016 م، وقد شاهدت وتابعت أكثرها.

 

وقد ضمَّت أخبار ونشاطات نحو سبعين سنة من العمل المتواصل الدؤوب، والأسفار والرحلات في خدمة الدعوة الإسلامية تدريسا وتأليفا وتعليما وإفتاء وإنشاء وتأسيس مؤسسات وهيئات أو المشاركة والإسهام فيها.

 

وملأ وشغل الناس بقصائده وأشعاره الرائقة الفائقة التي تَهُ ز الوجدان و تُحرك القلوب والنفس والمشاعر و تُطربها و تُرقصها بمعانيها ومبانيها، وبكونها تعبر عن هموم الناس وقضاياهم الحقيقية؛ من فضح الظلم والحكام الظلمة والمستبدين وتعريتهم، والدعوة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية للشعوب، ولا سيما لشعوبنا العربية والمسلمة، وتسخر من كل أشكال الظلم والقهر والتعذيب والعسف والسجن والقمع لهذه الشعوب المسكينة والمغلوب على أمرها، والمبتلاة -أكثرها وجُل ها- بحكام طغاة فاسدين يسومونها سوء العذاب، وهم أذلاء خانعون لأعدائهم وسادتهم الغربيين، ومُستأسدون مُستنسرون على شعوبهم الضعيفة التي يحكمونها بالحديد والنار، ولا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة؟!

 

كما أنه ملأ وشغل الناس بمواقفه الثورية ومناصرته ل ثورات "الربيع العربي" السلمية للشعوب العربية المظلومة المكلومة على حكامها الطغاة الفَسَدَة الفجرة الجَوَرَة، في تونس وليبيا واليمن ومصر وسورية.

 

تحميل الملف