أسئلة بيانية (23) خصوصية مقيمي الصلاة

قال تعالى في سورة النساء: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 162].

سؤال:

لماذا قال: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ، بنصب ﴿الْمُقِيمِينَ مع أنه معطوف على ﴿الرَّاسِخُونَ وهو مرفوع؟

الجواب:

إن هذا مما يسمى في علم النحو بالقطع وهو يكثر في المدح والذم والترحم، ويكون ذلك لأهمية المعطوف [انظر (معاني النحو 3/187) وما بعدها].

والقطع هنا للمدح وهو مفعول به لفعل محذوف تقديره (أمدح) أو (أخص).

وحسّن القطع أنه ذكر عبادتين ظاهرتين وهما: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصلاة أهم من إيتاء الزكاة لأنها فرض عين على كل مكلف سواء كان غنياً أم فقيراً، صحيحاً أم سقيماً، وهي أهم ركن في الإسلام، ولا تسقط في حال من الأحوال، ولذا قطعها للدلالة على فضلها على الزكاة، أما الصفات الأخرى فهي أمور باطنة وقلبية.

ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].

فقطع الصابرين لفضلهم، وذلك أنهم صابرون في الفقر وفي المرض وفي القتال، والبأساء هي البؤس والفقر، والضراء السقم والوجع، وحين البأس أي وقت القتال وجهاد العدو [انظر روح المعاني 2/48، البحر المحيط (2/7)].

جاء في «البحر المحيط»: «انتصب (والصابرين)على المدح.

ولما كان الصبر مبدأ الفضائل ومن وجه جامعاً للفضائل إذ لا فضيلة إلا وللصبر فيها أثر بليغ غيّر إعرابه تنبيهاً على هذا المقصد» [البحر المحيط 2/7].

وجاء في «روح المعاني»: « ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة: 177] نصب على المدح بتقدير أخص أو أمدح.

وغيَّر سبكه عمَّا قبله تنبيهاً على فضيلة الصبر ومزيته على سار الأعمال حتى كأنه ليس من جنس الأول» [روح المعاني 2/47].

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين