حين نودع عاما ونستقبل عاما

إنّها مناسبة تتكرّر كل عام، فهل نقف عندها دقائق لنراجع أنفسنا، ونُعيد حساباتنا، فإن دخول عام جديد يعني انقضاء عام من حياتنا، ويعني اقترابنا من آجالنا عاماً!.

 

وإذا كان أحدنا لا يدري أيعيش هذا العام كله أو بعضه أم لا؟ فليتخذ دروساً تفيده في دنياه وأخراه.

 

فعلى مستوى حياة الفرد، ألا يجدر به أن يسأل نفسه: هل كان رابحاً في عامه المنصرم فيحمد الله تعالى ويستزيد من البرّ والتقوى، أم أنه لم يكن كذلك، فليعتذر إلى الله، وليعزم على استدراك ما فات، وليتجنّب السلبيات ما استطاع، وليغتنم من الإيجابيات ما استطاع.

فهل هو راضٍ عمّا أدّى من واجبات تجاه ربّه، وتجاه نفسه، وتجاه والديه وأولاده وجيرانه وزملائه...؟.

وهل هو نادم على ما فرّط في ذلك؟.

* * *

وعلى مستوى المجتمع المحلي والمجتمع العالمي: كيف جرت الأحداث؟ ما الذي انتشر أو انحسر من الأمراض والأوبئة؟ وما الذي انتشر أو انحسر من القيم العليا والسلوكات القويمة؟ وكيف استمر واستفحل عدوان الأقوياء على الضعفاء؟ وكيف انكشف للصغير والكبير أن المؤسسات الدولية تقف عاجزة أمام قوى الشرّ، أو تقف منحازة إليها، وكيف تحمي الطغاة والمتجبّرين ضد شعوبهم التي ثارت تطالب بحقوقها، أو تلك الشعوب التي تتهيّأ للثورة؟. وكيف تُحاك المؤامرات وتُشنّ الحروب الثقافية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية... على الدول والفئات الضعيفة، وبشكل خاص على الإسلام والمسلمين؟.

 

وفي كل ما يجري تتفاوت المسؤولية بين إنسان وآخر. فمن كان على رأس دولة أو حزب أو مؤسسة... يتحمّل مسؤولية أعظم من فرد يقول بلسان حاله: (ربِّ إنّي لا أملكُ إلا نفسي).

 

ومع تفاوت درجات المسؤولية فإن هناك ناظماً يجمع البشر جميعاً، فالعام الذي نستقبل هو كسفينة نركب فيها جميعاً، ومسؤولية الربّان ليست كمسؤولية أي راكب، ولكن لا يجوز لراكب أن يخرق في السفينة بحجّة أنه يفعل ذلك في الحيّز المخصّص له!.

نعم، إنه في الأمور الصغيرة، أو التي تبدو صغيرة، وفي الأمور الأكبر كذلك، على الفرد، حيثما كان مستوى مسؤوليته، أن يقوم بواجبه بقدر استطاعته، وأن يحترس من التقصير في هذا الواجب، فضلاً عن احتراسه من الظلم والعدوان والطغيان.

 

وإذا قام بما عليه – والله رقيب عليه وشاهد وحسيب- فلينتقل إلى الطور الثاني من المسؤولية وهو أن يأخذ على أيدي الذين يريدون خرق السفينة، وأن يعمل على نشر ثقافة الحق والصواب والخير، بلسانه، وبقلمه، وبوسائل التواصل الاجتماعي كذلك، وليسخّر موقعه الاجتماعي والسياسي في تعميق هذه الثقافة.

 

كثيراً ما يجد الفرد أن الباطل والفساد والظلم والعدوان... قد عمّت وطغت، وأن الحق والخير والصلاح... قد انحسرت. فهل يقف مكتوف اليدين؟ وهل يكفي أن يتحسّر ويعلن عجزه ويدعو على الظالمين والمفسدين؟. فإذا كان لعنُ الظلام جائزاً فإن إضاءة شمعة واجب!.

 

إن ما يمرّ به مجتمعنا الصغير، أو الإقليمي، أو العالمي، يحتاج إلى تكاتف الخيّرين أصحاب رسالة السلام، فقد أصبح العالم وكأنه قرية صغيرة، ما يحدث في حي منها، يؤثّر، بلا ريب، على الأحياء الأخرى.

 

وإن رسالة الإسلام، الدين الذي ارتضاه الله للبشرية، هي التي تمثل قارب النجاة، وهي التي تحمل السعادة لمن ارتضاها وتمسّك بها: (فَمَن اتّبعَ هُداي فلا يضلّ ولا يشقى. ومَن أعرضَ عن ذِكري فإنّ له معيشةً ضنكاً ونحشُرُه يومَ القيامةِ أعمى). {سورة طه: 123، 124}.

فلعلّ البشرية تفيء إلى منهج الله فتسعَدَ وتهنأ.

 

ونظرة سريعة إلى العام الذي نودّعه تُرينا كيف شقيت البشرية بتسلّط الأشقياء، واشتعلت الحروب، ونضبت موارد الطاقة وموارد الغذاء، وانتشر الحديث عن الخوف من أيام قادمات، الخوف من الجوع، والخوف من أسلحة الدمار الشامل يعبث بها أحمق من هنا أو من هناك!.

فهل تعود البشرية إلى رُشدها، ويكون العام القادم عاماً تتقدّم فيه نحو الحق والخير والسلام؟!. نرجو ذلك ونسأل الله أن ينصر أولياءه، ويحقق الأمن والطمأنينة لهذا العالم، ونتواصى بالعمل لما يهيّئ ذلك.

(واللهُ غالبٌ على أمرِهِ ولكنّ أكثرَ النّاسِ لا يعلمون). {سورة يوسف: 21}.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين