حقيقة العيد شكر لله تعالى - حقيقة العيد

حقيقة العيد شكر لله تعالى

الشيخ : أحمد النعسان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: فيا عباد الله:
مقدِّمة الخطبة:
إن يوم العيد في الحقيقة هو يوم شكر لله عز وجل على ما أولانا من النعم, قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
أيها الإخوة: لو تدبَّرنا متى يكون العيد في شرع الله عز وجل؟ فإننا نجد أن أعظم الأعياد هما عيد الفطر والأضحى, وهذان العيدان ما جاءا إلا بعد أداء ركنين من أعظم أركان الدين, عيد الفطر جاء بعد ركن الصيام, وعيد الأضحى جاء بعد ركن الحج, وهما ركنان عظيمان بني عليهما الإسلام مع بقية الأركان, كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, وَإِقَامِ الصَّلاةِ, وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ, وَحَجِّ الْبَيْتِ, وَصَوْمِ رَمَضَانَ) رواه البخاري ومسلم.
العيد لمن؟
أيها الإخوة العيد لمن أطاع الله تعالى, العيد لمن قال لأوامر الله عز وجل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. العيد لمن قال: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}. العيد لمن شرح الله صدره للإسلام, وحبَّب إلى قلبه الإيمان, العيد لمن صلى وصام وزكَّى وحجَّ واعتمر, العيد لمن قال لأوامر الله تعالى: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ, إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ, لا شَرِيكَ لَكَ).
العيد لهذه الشريحة من الناس التي عرفت نعمة الله عليها, حيث وفَّقها لأداء أركان الإسلام, لأنه لو تساءلنا مع أنفسنا من الذي شرح صدورنا للإسلام؟ لقلنا: الله. من الذي وفَّقنا لشهود صلاة الفجر في جماعة, ووفقنا لصلاة العيد؟ لقلنا: الله.
فإذا قلنا هذا, فالله تعالى يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. هذا هو العيد, وهؤلاء هم أهل العيد بحق, حيث يشعرون بتوفيق الله لهم لأداء الطاعات.
ليس العيد لمن ترك الصلاة والصيام والزكاة والحج, ولو عاش في ظاهر الأمر أيام العيد وشارك الناس في أعيادهم, لأنه والله لو كشفت على قلبه لرأيته محتقراً نفسه, أيُّ عيد عنده وهو تارك دين الله عز وجل؟ إن قلبه يتحسَّر ويحترق لأنه ما يشعر بلذة العيد التي يشعر بها المؤمن الطائع لربه عز وجل, فلله الحمد والفضل والمنة على نعمة توفيقه لنا, ونسأل الله تعالى أن يثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
العيد له مضمون لا يجوز تفريغه منه:
أيها الإخوة: مضمون العيد شكر لله تعالى على توفيقه لأهل الطاعة لطاعتهم, لذلك ترى أهل الطاعة حريصين كل الحرص على المحافظة على هذا العيد من أن يفرغ من مضمونه ألا وهو طاعة الله عز وجل.
أهل الطاعة من صيام وحجٍّ لا يفرِّغون العيد من مضمونه, فهم يواصلون الطاعات بعد الصيام والحج, فالصائم في شهر رمضان يتابع الصيام, والحاج وغيره في أيام عيد النحر يتابع طاعته في يوم النحر وأيام التشريق.
أولاً: ترى أهل العيد الحقيقي يتابعون الطاعات في أيام العيد, وأهمُّ طاعة لله عز وجل في يوم النحر هي نحر الأضاحي, كما جاء في الحديث الشريف عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ, إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلافِهَا, وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الأَرْضِ, فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا) رواه الترمذي. فالنحر طاعة لله عز وجل يتابعها الطائع في يوم النحر.
ثانياً: ترى أهل العيد الحقيقي يتابعون الطاعات في أيام العيد, ومن أهم الطاعات ذكر الله تعالى, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}. ومن ذكر الله تعالى التكبير, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بِالتَّكْبِيرِ) رواه الطبراني.
ثالثاً: ترى أهل العيد الحقيقي يتابعون الطاعات في أيام العيد, ومن أهم الطاعات صلة الأرحام, قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ أَضْحَى: (مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَفْضَلَ مِنْ دَمٍ يُهَرَاقُ، إِلا أَنْ يَكُونَ رَحِمًا مَقْطُوعَةً تُوصَلُ) رواه الطبراني.
رابعاً:  ترى أهل العيد الحقيقي يتابعون الطاعات في أيام العيد, ومن أهم الطاعات صلة من قطعهم, فهم يتسابقون في ذلك لينالوا بركة قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ صَاحِبَهُ بِالسَّلامِ) رواه مسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه.
خامساً: ترى أهل العيد الحقيقي يتابعون الطاعات في أيام العيد, ومن أهم هذه الطاعات المحافظة على جوارحهم من معصية الله تعالى, فهم يحفظون الرأس وما وعى والبطن وما حوى, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ). قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, قَالَ: (لَيْسَ ذَاكَ, وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى, وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى, وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى, وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) رواه الترمذي.
حقيقة العيد بحفظ الجوارح من المعاصي:
أيها الإخوة الكرام: هناك من يجعل أيام العيد أيام معاصٍ ومنكرات, فهم يغرقون فيها وذلك من خلال تلاقيهم مع إخوانهم في أيام العيد.
لذلك أقول أيها الإخوة: احذروا المعاصي أيام العيد, فاحذروا:
أولاً: من الغيبة التي هي كبيرة من الكبائر, يقول صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الإِيمَانُ قَلْبَهُ, لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ, وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ, فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) رواه أحمد عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ, وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري. وفي رواية: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يُرِيدُ بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
حافظ على لسانك في أيام العيد من أيِّ معصية من معاصي اللسان, واسمع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ كُفَّ علَيْكَ هذا) قُلْتُ: يا رسُولَ اللَّهِ وإنَّا لمُؤَاخَذون بمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فقَال: (ثَكِلتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وَجُوهِهِم إلاَّ حصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ) رواه الترمذي عن معاذ رضي الله عنه.
فلا نجعل من أيام العيد محطة لزيادة المعاصي والمنكرات, بل لنجعلها أيام زيادة في الطاعات والقربات, وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى.
ثانياً: من الاختلاط بالنساء, وما أكثر الاختلاط بين الجنسين في أيام العيد, مع أن النبي صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من ذلك بقوله: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) رواه مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. احذروا الاختلاط مع نساء الإخوة, مع زوجات الأعمام, مع زوجات الأخوال, مع بنات العم والعمة والخال والخالة, فضلاً عن الأجنبيات الأباعد.
ثالثاً: من إطلاق البصر إلى ما لا يحلُّ لك النظر إليه من النساء, قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}. وقال أيضاً: { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}. وتذكَّر قول الله تعالى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا}.
رابعاً: من سماع ما لا يحلُّ لك سماعه من ذكر الآخرين بما يكرهون, ومن سماع الغناء, ومن سماع الاستهزاء والسخرية بالآخرين, لأن نعمة السمع التي أكرمنا الله عز وجل بها يجب علينا أن نوظِّفها في سماع ما يرضي الله عز وجل, من سماع تلاوة القرآن وذكر الله, وسماع الكلام الحسن والموعظة الحسنة.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة الكرام: عود إلى بدء, فيوم العيد هو يوم شكر لله تعالى على أن وفَّقنا لطاعته, فلنحافظ على هذه الطاعات من الضياع بسبب بعض المخالفات الشرعية.
العيد ليس لأهل المعاصي ولأهل الغفلة عن الله عز وجل, لأن العبد الغافل سوف يندم يوم القيامة ـ لا قدَّر الله تعالى ـ إذا أصرَّ على غفلته عن الله, وسوف يقول عند الفزع الأكبر: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}. سوف يقول هذا الكلام عندما يقف الناس للعرض والحساب على الله تعالى وقد جيء بجهنم, كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}.
لنكن حريصين أيها الإخوة على أن نكون ممن يخاطبهم المولى عز وجل بقوله يوم القيامة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}. وهذا لا يكون إلا لعبد جعل من أيام العيد أيام استمرار على طاعة الله عز وجل, حيث هذه الأيام تكون في الغالب الأعمِّ عند بعض الناس أيام غفلة من الله عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل ذكره وشكره, وممن أقبلوا عليه فأقبل عليهم. اللهم آمين.
أقول هذا القول وكل منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين