حسين بن رضا خطاب - شيخ قراء دمشق
حسين خطاب

شيخ قراء دمشق

1337ـ1408هـ=1918ـ1988م.

 

ولادته ونشأته:

ولد الشيخ حسين بن رضا بن حسين خطاب بدمشق في حي الميدان الفوقاني سنة 1337هـ ، لوالد ديِّن تقيٍّ عابد ورع يلازم مجالس العلم، ويكثر من قراءة القرآن الكريم، وعلى سيرته نشأ أولاده. وكان المترجم له أكثرهم تأثراً به.

ولما صار في سنِّ التمييز دفع به والده إلى مكتب ( الكتاب) فقرأ فيه على الشيخ رشيد الدرخباني والشيخ ياسين الزرزور وغيرهما. وتعلم الكتابة والقراءة ومبادئ الحساب وتلقى القرآن الكريم . وكان حسن الخط.

عمله في صناعة النحاسيات:

وفي سن مبكرة عمل في صناعة النحاسيات قرب محلة باب المصلِّى ، وأتقن صناعة أباريق القهوة المرة( الدولات) وهو دون البلوغ، وكان يعطي أباه كل ما يكسبه من عمله.

صلته بالشيخ حسن حبنكة الميداني:

وكان في طريقه إلى عمله أو عودته منه يمرُّ بجامع منجك بالجزماتية فيلاحظ توافد طلاب العلم هناك فتلهَّف للاستطلاع... وكان ربما أطل من الشبابيك الخارجية للجامع فيرى الشيخ حسن حبنكة بهيئته الجليلة المهيبة وحوله طلابه فيحب أن يكون بينهم...وما لبث أن سعى إلى الشيخ. وحينما أتاه تفرّس الشيخ فيه الخير فأدناه واهتم به.

حفظه للقرآن الكريم :

انضمَّ المترجم له أولاً إلى الشيخ صادق حبنكة وإلى بقية الطلاب الذين سبقوه في الطلب على الشيخ حسن مقتصراً في حلقات الصباح والمساء، دون باقي يومه الذي خصَّصه للكسب. وقد حفظ القرآن الكريم آنئذٍ ولم يجاوز الرابعة عشرة وهو فتى يعمل في صنعته، فيطرق النحاس، وينفخ في الكير.

انصرافه إلى العلم وانقطاعه للشيخ حسن حبنكة:

وكان في بادئ أمره قد انتظم في الدروس الليلية والصباحيَّة، ثم عشق التفرغ للعلم ، فانقطع له في الجامع ، مع أوائل المنقطعين عن أعمال الكسب للتعلُّم، وثبت وصبر ودأب، حتى صار من المبرزين، وصار في دروس الشيخ حسن هو القارئ للكتاب المقرَّر غالباً، لما يتمتع به من أناة وضبط، ولا يكاد يعثر لسانه بلحنٍ، في نحو أو صرف، أو لغة، أو عَلَم من أعلام الناس، أو اسم من أسماء الأماكن ، لكثرة ممارسته القراءة ، مع مراجعته ما يحتاج إلى ضبط في المصادر ، وتسعفه الذاكرة الحاضرة الضابطة. وكان الشيخ حسن يصطفيه ليقرأ عليه كتباً في جلسات خاصَّة يسردها عليه من أولها إلى آخرها. وبذلك اكتسب ضبطاً في القراءة لا يُبارى.

رابطة العلماء في دمشق:

وصار العضد الثاني للشيخ حسن حبنكة في مشروعاته وأعماله، ونشاطاته الاجتماعية، والدينية، ولما قامت رابطة العلماء في دمشق، وكان الشيخ حسن من أوائل مؤسسيها ، كان الشيخ حسن خطاب هو المصاحب الدائم له في اجتماعاتها، ثم صار الكاتب المدوّن لمحاضر الاجتماعات ، ومحل ثقة كل أعضاء الرابطة عليهم جميعاً رحمة الله .

تلقيه القراءات على الشيخ محمد سليم الحلواني وابنه أحمد:

تلقَّى الشيخ حسين سائر العلوم الشرعية والعربية على شيخ العلامة حسن حبنكة، و أرسله الشيخ حسن هو والشيخ كريِّم راجح حفظه الله إلى شيخ القراء في وقته الشيخ محمد سليم الحلواني(ت1363) ليجمع عليه القراءات العشر من طريق الشاطبيَّة والدرة، فحفظا عليه الشاطبية، وحينما توفي وخلفه على المشيخة أكبر أولاده العبقري الضابط المتقن الشيخ أحمد الحلواني (ت1384) جَمَعا عليه الشاطبية والدرة.

تلقيه القراءات على الشيخ عبد القادر قويدر:

ثم أرسلهما الشيخ حسن إلى الشيخ عبد القادر قويدر الشهير بالصمادية (ت1379)شيخ قرية عربيل ليجمعا عليه القراءات العشر أيضاً عن طريق طِّيبة النشر، فجمعاها عنده على غاية الإتقان، وكانا في مسيرتهما إلى الشيخين يتدارسان العلم والقراءات، وحَصَلا من كلا الشيخين الحلواني وقويدر على الإجازة في القراءات.

تدريسه في جامع منجك:

ومنذ تعلَّم المترجم له أخذ يعلِّم الطلاب، وكان من أوائل المدرسين بالمدرسة التي بناها الشيخ حسن في جامع منجك ،وما ترك التعليم في المساجد والبيوت والمدارس حتى آخر حياته.

تدريسه في جامع بني أميه:

وبتوجيه من شيخه العالم المجاهد الشيخ حسن ـ رحمهما الله تعالى ـ التزم التدريس في مسجد بني أمية الكبير، بعد العصر من كل يوم جمعة مفسِّراً للقرآن الكريم، وكان يعتمد على تفسير القرطبي والفخر الرازي، واستمر ملازماً هذا الدرس نحواً من (18)سنة محتسباً حتى أوقفته الحوادث في بداية الثمانينات، عند قول الله عزّ وجل: { ومنهم الذين يؤذون النبي}[التوبة:61].

إمامته وخطابته في جامع القاعة بحي الميداني الفوقاني:

ولما برز شأن الشيخ حسن خطاب، وعرف بالعلم وتفوق بالخطابة، طمع به كثير من الناس أن يكون خطيب مسجدهم، فسبق أهل محلة القاعة في جنوب الميدان إلى الشيخ حسن يطلبونه منه، فارسله إليهم خطيباً وإماماً ومدرساً في جامع القاعة ،وبقي فيه حتى آخر حياته.

مشيخة قراء الشام:

ولإتقانه القراءات سعى إليه طلاب هذا العلم والراغبون فيه، وتوجَّهت إليه الأنظار، وأقام حلقات القراءات وانتفع به كثيرون ، ثم آلت إليه مشيخة قراء الشام بعد وفاة شيخ القراء الدكتور:محمد سعيد الحلواني(ت1389) ، الذي كان شيخ القراء بعد أخيه أحمد(ت1384)، وآلت اليوم مشيخة القراء إلى الشيخ كريم راجح حفظه الله .

خوضه غمار السياسة:

وخاض الشيخ حسين إلى جانب المجالات العلمية غمار السياسة بإذن شيخه اهتماماً منه بأمر العامة ، وبدأ ذلك بترشيح نفسه إلى المجلس النيابي في أيام الوحدة بين سورية ومصر من (1959ـ1961)، وحصل في دائرته الانتخابية في حي الميدان على أصوات كثيرة.

وبعد الوحدة رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب ففاز أيضاً ، وبقي يخدم مواطنيه آنذاك ويقف معهم من أجل الصالح العام، ثم اعتزل العمل السياسي وفضل الاهتمام بالنفع عن طريق المسجد والاجتماعات الشعبية.

مؤلفاته:

ـ إتحاف حرز الأماني برواية الأصبهاني(ط).

ـ رسالة البيان في رسم القرآن(ط) ، ( أكَّد فيها على وجوب رسم القرآن الكريم كما ورد عن السلف).

ـ رسالة الطهارة والصلاة والصوم.

ـ رسالة في الفرائض.

ـ وأشرف على إخراج المنظومات الثلاث التي ألفها الشيخ أحمد الحلواني في مقدمة أصول القراءات وزيادات طيبة النشر على حرز الأماني والدرة وما جاء في رسم القرآن الكريم على رواية حفص( ط) .

صفاته الخِلْقيَّة والخُلُقيَّة:

كان الشيخ جميل الطلعة ، واضح الجبهة، يُرى الصلاح على وجهه ، مربوع القامة هادئاً مع نشاطه ، عالي الهمة، لا يُجارى في جَلَده ودأبه ومتابعته للأمور، محبوباًَ طيب الخُلق والمعاملة، صبوراً صادقاً متواضعاً ، لطيفاً كريماً ودوداً، يقول الحق ولو على نفسه ، ولا يواجه أحداً بما يكره، ويعمل بصمت، بسيط المعيشة يرضى بالقليل.

عبادته وكثرة حجَّاته:

وكان كثير العبادة والذكر، شغوفاً بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم< SPAN> . ومنذ حجَّ سنة 1380 هـ لم يترك الحج إلا سنة واحدة قبيل وفاته حين أقعده المرض. كما كان يواظب على السفر إلى الحجاز لأداء العمرة كل سنة.

إصلاحه بين الناس:

وكان إلى جانب اهتمامه بشؤون العامة مصلحاً اجتماعاً، موفقاً في إصلاحه بين الناس، وكان بيته مقصد المختصمين وَمْؤئل المستفهمين والمستفتين، وظل يستقبل الأسئلة ويجيب عليها حتى على الهاتف إلى أن دخل المستشفى في مرضه الأخير.

صلاته الاجتماعية:

أحبه الذين يعرفونه، فكانوا يرغبون أن يزورهم. وكثيراً ما كان يدعى إلى حفلات متعددة في وقت واحد، فيحاول أن يلبيها كلها، فيجلس في كل حفل ـ وخاصة عقود الزواج ـ وقتاً يسيراً ينطلق منه إلى غيره ليدخل السرور على الذين دعوه كلهم.

مساهمته في بناء المساجد:

ساهم في بناء المساجد، فكان أول الأمر رئيساً للجنة بناء مسجد القاعة الذي أنشأه إنشاءً جديداً، كما عمَّر مساجد أخرى كثيرة. وما كان يملّ العمل أبداً.

الخطيب المفوَّه:

خطيب بارز مفوه، وواعظ مؤثر، ولذا غدا مسجده في محلة القاعة قبلة الكثيرين. وكان في خطبه جهوري الصوت، حسن الإلقاء، مترسِّلا في جمله، يخطب وكأنه يرتل، يختار الجمل بألفاظ سهلة ومعنى واضح وأسلوب شيِّق، وكان كثير الاستشهاد في الخطب، يرتجل ويجيد ويخطب على البداهة في أي موضوع طلب منه.

حلقاته العلمية:

له حلقات مستمرة للذكور والإناث، يعلم فيها العلوم الإسلامية ، ويعلم فيها التجويد ،والقراءات العشر.

وقد تخرج في حلقاته عدد وفير من طلاب العلم ، وعدد مبارك من القراء بالقراءات العشر، ومن المقرئات المجودات للقراءات العشر، وعدد كثير من المجوِّدين والمجوِّدات لكتاب الله عزّ وجل ، والحافظين له والحافظات له.

وممَّن جمع عليه القراءات العشر: الفقيه الحنفي العلامة الشيخ عبد الرزاق الحلبي، ذي الفضل العظيم ، والنفع الجسيم،وامرأتان فاضلتان من حاملات الشهادة الجامعية وهما: الأستاذة سمر أبو غَيدة، ومروة أبو غيدة، وممن جمع عليه القراءات السبع من طريق الشاطبية السيد حسن الحجيري، والسيد محمد الخجا، واستمر في تحفيظ القرآن ، وتعليم القراءات العشر ، والمشاركة في القضايا الاجتماعية العامة والخاصة حتى وافته منيته، أجزل الله له المثوبة، ورفع درجته في جنة عدن.

مرضه وإجراء عمليه جراحية له:

تعرض من أجل نضاله وجرأته في الحق لأذى غير قليل ، على أيدي السلطات التي ساءتها خطبُه وجراءته ، حتى أصابه مرض شديد في القلب، وقبل وفاته بنحو أربع سنوات أُصيب بنوبة قلبية ألزمته دخول المستشفى، ثم نقل إلى القطر الأردني ، فأجريت له عمليه جراحية، شفي بعدها، وعاد إلى دروسه وخطبه، وزاول أعماله الاعتيادية وتحمَّل الجهد والتعب.

وفاته والصلاة عليه:

أصيب ثانية في قلبه، ورأى الأطباء ضرورة أن تُجْرى له عمليَّة أخرى في مستشفى الحسين بالأردن أيضاً، إلا أنه توفي قبل الدخول إلى العملية في المستشفى المذكور ظهر يوم الجمعة 11شوال1408هـ الموافق27أيار 19888م، فنقل إلى دمشق يوم السبت.

صلاة الجنازة عليه:

وصلَّى عليه الشيخ كريّم راجح عند صلاة العصر في الجامع الأموي ، وخرجت جنازته حافلة، مشت فيها دمشق وراء نعشه على الأقدام حتى مقبرة بوابة الله في الميدان.

وقد امتلأ الجامع من أجل الصَّلاة عليه حرمه وصحنه، حتى اضطرت الشرطة إلى إغلاق أبوابه قبل إقامة الصَّلاة، وتكلَّم الخطباء في تأبينه منهم الشيخ كريّم راجح، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ عبد الرزاق الحلبي، وأثنوا عليه بما هو أهله.

جنازته المشهودة:

قال العارفون : لم تشهد دمشق جنازة مثلها إلا جنازة الشيخ بدر الدين الحسني مُحدِّث الشام.

وقال الشيخ كريّم راجح عن جنازته: " غَصَّت شوارع دمشق على رحبها بالناس، وامتلأت السطوح والشرفات وأشجار المدينة والجسور بالآلاف، وما كنت تستطيع أن ترى الجدران والأرض حتى وكأنَّ الشوارع تمشي والأرض كأنها تزحف".

التعزية به في الجامع الأموي:

ثم كانت التعزية به في الجامع الأموي أيضاً، فكان المعزون بالآلاف يقصدون الجامع ويقعدون على الأرض، ويملؤون صحن المسجد ليستمعوا إلى الخطباء الذين يعظون الناس ويذكرون مناقب الشيخ، وأقام بعض وجهاء محلة القاعة موائد الطعام على روحه، كانت تنصب في الطرقات ويأكل منها الآلاف محبة بالشيخ وأسفاً وترحُّماً عليه.

وكتب على لوحة قبره أبيات رثاه بها الشيخ صادق حبنكة:

هذا ضريحُ الذي أفنى مواهبه في العلم والنُّصح والإصلاح والرشد

قد كان سَمْحاً ودوداً ناسكاً فطنا أرضى الإله ولم يحقد على أحد

كم دام يتلو كتاب الله مذَّكراًَ فعاش وهو يناجي الله في رغد

له مواقف لا تحصى محامدها أفاد من وعظه خلقاً بلا عدد

أنهى الحياة ( غني القلب صافيه) وراح يطلب عفو الواحد الصمد

1408هـ.

أولاده: رضوان، ومحمد رياض، وضياء، وصفوح.

المراجع:تاريخ علماء دمشق531،526:3.

الوالد الداعية المربي الشيخ حسن حبنكة الميداني

قصة عالم مجاهد حكيم شجاع

للأستاذ عبد الرحمن حبنكة الميداني

دار القلم، دمشق، الطبعةالأولى 1423ص113ـ117
تم نشر هذه الترجمة بتاريخ 24/جمادى الآخرة 1434 وتم إعادة نشرها وتنسيقها اليوم بتاريخ 6/صفر/1440