حسن الخراط

 
من أعلام الأمة : حسن الخراط 1875-1925 م
 
 

أحد قادة الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي عام 1925
عند قيام الثورة السورية الكبرى، قاد حسن الخراط ثوار ومجاهدي دمشق في معارك أغرب من الخيال، فهو لم يكتفِ بإنزال الهزيمة بالفرنسيين في عدة معارك في الغوطة الشرقية، كما فعل في معركة زور المليحة، ومعركة جسر تورا حين قطع جسر تورا ومنع الجيش الفرنسي الضخم من عبوره، بل قام حسن الخراط بهجوم عام لتحرير مدينة دمشق، فشن هجوماً من ثلاثة محاور على المدينة حيث اقتحم مقر الحكم الفرنسي في دمشق (في قصر العظم) في السادسة مساء من يوم الأحد 18 تشرين أول عام 1925وسيطر عليه، بعد أن تأكد من وجود الجنرال الفرنسي ساراي فيه، فالجنرال ساراي كان المفوض السامي في سورية ولبنان ومقره في بيروت لكنه كان يأتي في هذا الوقت كل أسبوع، فوضع حسن الخراط في مقدمة قواته فرقة استشهادية لا مثيل لها في الشجاعة وإتقان الرماية وعلى رأسها الشيخ عبد الحكيم المنير الحسيني من أبناء حي الشاغور، فتمكنت من اقتحام القصر، وبعد قتال ضارٍ جداً احتل القصر ودمرت بواباته وغرفه، على كل حال، تحررت دمشق لبرهة وجيزة من قبضة الفرنسيين الذين قاموا عند ذلك بقصفها بالمدفعية والطيران بشدة، وتدمير معظم أحيائها ومبانيها بالكامل، وتهجير سكانها منها، حيث رحل سكانها عنها وبقي كثير منهم بلا مأوى.

ثم دخلت المصفحات الفرنسية المدينة لتقتل كل من تراه أمامها، واضطر الثوار أمام الحريق المستمر في أحياء دمشق، للانسحاب منها والتمركز في بساتين الغوطة الشرقية. ونهب الجنود الفرنسيون أسواق دمشق ومتاجرها كسوق الطويل الذي دمرت مدافع المصفحات متاجره بالكامل، وحي المسكية والدرويشية، وقصفوا بشدة الشاغور والميدان والعمارة، واحترقت البزورية، والسنانية، وجزء من باب سريجة وجزء من القنوات، وحي سيدي عمود الذي احترق بالكامل وصار اسمه الحريقة من ذلك اليوم.
وفرضت فرنسا غرامة باهظة على أهل مدينة دمشق (مئة ألف ليرة ذهبية وتسليم ألوف البنادق) تحت طائلة العودة لقصفها ومحوها بالكامل..
ثم شنت فرنسا في ما بعد هجوماً مضاداً كاسحاً على أمكنة تواجد الثوار أحرقت فيه القرى والبلدات وقتلت سكانها وغورت آبار المياه. 

ففرنسا التي حشدت أقوى جيوشها بعد معركة دمشق، استعملت سياسة الأرض المحروقة مع سكان غوطة دمشق فكانت تحرق القرى وتقتل كل كائن يتنفس. وهي طاردت الثوار وحاصرتهم واضطرتهم أكثر من مرة لتغيير أمكنة تجمعهم واختبائهم. فتعرضت دوما والقرى المحيطة بها للدمار، وتم محو كفر بطنا، ثم يلدا، ثم المليحة وجرمانا ثم جسرين من الخارطة وحرقها، ونهب الفرنسيون البيوت، وأتلفوا المحاصيل وداسوا بأرجلهم عصير المشمش(القمر الدين)، وباع الجنود السجاجيد والتحف التي سرقوها منها في السوق بعشر ثمنها. وكان البلاء الشديد ينزل بالقرى التي تؤوي الثوار فيتم إعدام سكانها بشكل جماعي وعرض جثثهم في ساحة المرجة بدمشق. ولا حقاً دمّر الفرنسيون قسماً من جوبر، وقرية المزرعة، وعربين.

حسن الخراط : لم يكن ذلك الشخص الذي يهرب ويختبئ، فقد كان في خضم أشد لحظات القتال ينزل إلى دمشق علناً ويسير في شوارعها حيث يحييه الكبار والصغار وتهتف الناس باسمه وتعلو أصوات التكبير، ويزور زوجته وأصدقاءه.. وقد تعرض بسبب ذلك لأكثر من كمين فرنسي عند مداخل حي الشاغور، وكانت أوامر الفرنسيين هي : حسن الخراط شخص مسلح بالغ الخطورة يجب أن يتم قتله فور رؤيته .

وحسن الخراط : كان له أسلوبه المميز في القتال، فكان لا ينبطح أبداً على الأرض أثناء المعارك الحربية بل يعتبر ذلك نوعاً من الجبن، وكان يستعيض عن عدم اختبائه وانبطاحه، بسرعة ودقة شديدة في استعمال أسلحته الشخصية، فكان رامياً ماهراً سريعاً لا تخطئ طلقته هدفها، وكان أيام اشتداد القتال في الثورة السورية الكبرى يحمل بندقية وأكثر من مسدس ويرمي بكلتا يديه بدقة متناهية، وكان أيضاً يجيد ركوب الخيل ويقتني أفضل الخيل العربية الأصيلة وأذكاها. 

عندما حاصرت الفرق المدرعة الفرنسية قرى الغوطة الشرقية وقصفتها بعنف وطوقتها انقطعت أخبار الثوار، وكان أهل دمشق لا يرون إلا أفواج المشردين العراة القادمين من تلك الجهة، يحملون جرحاهم، وكان أهل دمشق يشاهدون الدخان المتصاعد من تلك القرى المحترقة، وكانت الرياح أحياناً تحمل الرماد المتصاعد وتذروه فوق دمشق.. 

وفاته : قيل إنه استشهد في كمين محكم أثناء محاولة الذهاب لحي الشاغور من البساتين الموجودة شمال شرقه.. ففي منطقة باب شرقي تعرض حسن الخراط لكمين محكم يوم 19 تشرين ثاني 1925 وتناقل الفرنسيون بينهم خبر مقتله كما تروي ( أليس بوللو : وهي صحفية فرنسية عايشت أحداث الثورة السورية في دمشق وغوطتها ) في كتابها : دمشق تحت القنابل .

وقيل إنه نجا من هذا الكمين ، حيث وجهت رسالة باسم حسن الخراط في 14 كانون أول 1925 إلى الكونت ( ده جوفنيل )(وهو المندوب السامي الجديد بعد عزل الجنرال ساراي ) ونشرت في الصحف، وهي تبشر الكونت بأن حسن الخراط أعد له كتيبة من 40 مقاتلاً من أشجع الشجعان مخصصة لقتل الكونت وإحضار رأسه إلى حسن الخراط .. هذه الأخبار طمأنت السوريين إلى أن حسن الخراط بخير وعلى قيد الحياة، وشحذت هممهم.. وبالمقابل دب الخوف في الفرنسيين حتى امتنع الكونت ( ده جوفنيل ) عن لقاء أي وفد سوري، وأطلق حرسه النار على أحد الوفود خوفاً من أن يكون الوفد ثواراً متنكرين!

لكن، يقال إنّ حسن الخراط حوصر لاحقاً في إحدى قرى الغوطة الشرقية ( في ببيلا ) واستشهد في جحيم القصف الذي نزل عليه وعلى مجموعته .. وقد ذكر الباحث والمؤرخ الكبير إحسان هندي أن حسن الخراط استشهد أواخر عام 1925 في عملية تطويق بستان الذهبي .

والمؤكد أن الفرنسيين علموا بمقتله قبل معرفة الشعب السوري بذلك بفترة طويلة، وتناقلوا أخبار قتلهم له بينهم.. وتم توزيع أوسمة على كافة ضباط الجيش الفرنسي الذين شاركوا في القصف والمعارك في يوم 21 كانون ثاني 1926.

المصدر: مؤسسة زيد بن ثابت