حدث في العاشر من رمضان

في العاشر من رمضان من سنة 485 قُتِلَ، عن 77 سنة، الوزير نظام الملك أبو علي الطوسي، الحسن بن علي، وزير السلطانين ألب أرسلان وولده مَلِكشاه، قُتِلَ بغُندجان بين إصبهان وهمذان، أتاه شابٌ ديلميٌّ في زيّ صوفيّ، فدعا له وناوله ورقةً، فمد يده ليأخذها فضربه بسكين في فؤاده، فحُمِلَ إلى مِضرَبه فمات، وكان آخر كلامه أن قال: لا تقتلوا قاتلي، فقد عفوت عنه: وتشهد ومات. وقُتل القاتل في الحال بعد أن هرب فعثر بطُنب - حبل- خيمة فوقع.

ولد نظام الملك بطوس سنة 408، وكان من أولاد الدهاقين وأرباب الضياع بناحية بيهق، وكان عالي الهمة إلا أنه كان فقيراً مشغولاً بالفقه والحديث، وعمل مع عامل مدينة بلخ فأساء معاملته فهرب منه وقصد السلطان داود بن ميكائيل بن سلجوق، وعرّفه رغبته في خدمته، فلما دخل عليه أخذ بيده فسلمه إلى ولده الأمير ألب أرسلان، وقال: هذا حسن الطوسي، فتَسَلَّمْه واتخِذْه والداً لا تخالفه.

وكان ملك السلاجقة في يد السلطان طُغرلبك، وتوفي في سنة 455 عن 70 سنة، ولم يكن له أولاد فأوصى بالأمر لسليمان ابن أخيه داود وأخي ألب أرسلان، فثار عليه أخوه ألب أرسلان لكونه كان الأكبر، وجرت بينهم معارك كانت الغلبة فيها لألب أرسلان، واستوزر ألب أرسلان في أول أمره وزير أبيه عميد الملك أبا نصر الكندري، محمد بن منصور، ثم قتله في سنة 456، واستوزر من بعده نظام الملك الذي دبر له الأمور أحسن تدبير، ولقبه السلطان بالأتابك، فهو أول من لقب بذلك، وهي لفظة تركية مركبة من أتا: وهو الأب، وبك: وهو الأمير.

وبقي نظام الملك في خدمة ألب أرسلان عشر سنين حتى سنة 465 حين توفي ألب أرسلان مقتولاً بيد أحد الأمراء الذي أسرهم، وفي تلك الفترة زوج الوزير نظام الملك إحدى بناته للوزير مؤيد الدين أبي نصر محمد بن محمد بن جَهِير الموصلي الثعلبي، وزير الخليفة العباسي القائم بالله ومن بعده ابنه المقتدي بأمر الله، وكان ابن جهير ذا رأي وعقل وحزم وتدبير. وزوج فيما بعد ابنة أخرى لأمير من أمراء البادية هو شبل الدولة أبو الهيجاء مقاتل بن عطية بن مقاتل البكري الحجازي.

وولي بعد ألب أرسلان ابنه مَلِكشاه بوصية منه، وكان في الثامن عشرة من عمره، ووصى ألب أرسلان الوزير نظام الملك أن تقسم البلاد بين أولاده ويكون رئيسهم ملكشاه، ولم يقبل بذلك قاروت بك عمُّ ملكشاه، وخرج عليه في كرمان، فسار إليه ملكشاه والتقيا قرب همذان، وكانت الغلبة لملكشاه وأسر عمه، فأعطاه خريطة - أي وعاءً – مملوءة من مراسلات الأمراء له وأنهم حسنوا له على الخروج عن طاعته ووعدوه بالوقوف إلى جانبه، فدعا السلطان بالوزير نظام الملك فأعطاه الخريطة ليفتحها ويقرأ ما فيها، فلم يفتحها، وكان هناك كانون نار فرمى الخريطة فيه فاحترقت الكتب، فسكنت قلوب العساكر وأمنوا، ووطنوا أنفسهم على الخدمة، بعد أن كانوا قد خافوا لأن أكثرهم كان قد كاتب العم، وكان ذلك سبب ثبات قدم ملكشاه في السلطنة، وكانت هذه المبادرة معدودة في جميل آراء نظام الملك.

وتوطد المُلك لملكشاه فبقي عشرين سنة ونظام الملك يدبر أمره، فجرى على يده من الرسوم المستحسنة ونفي الظّلم، وإسقاط المؤن، وحسن النظر في أمور الرعية، ورتب أمور الدّواوين أحسن ترتيب.

كان السلاجقة يدينون بالولاء للسلطان العباسي في بغداد ويخلصون له ويحترمونه بالغ الاحترام، وفي سنة 479 جاء السلطان ألب أرسلان إلى بغداد للسلام على الخليفة العباسي المقتدي، وقدم له الهدايا السنية، وخلع عليه الخليفة، وقد جلس له في مجلس حافل، ونظامُ الملك قائمٌ يقدّم أمراء السلطان أميراً أميراً إلى الخليفة، وكلما قدَّم أميراً قال: هذا العبد فلان، وإقطاعه كذا وكذا، وعدّة رجاله وأجناده كذا وكذا؛ إلى أن أتى على آخرهم، وزار الوزير نظام الملك الخليفة المقتدي، فأذن له في الجلوس بين يديه، وكان الخلفاء لا يسمحون لمن يزورهم بالجلوس في حضرتهم، بل يبقى واقفاً، وقال له الخليفة: يا حسن رضيَّ الله عنك برضا أمير المؤمنين وأهل الدين عنك. وأعطاه الخليفة يده فقبلها ووضعها على عينيه، وخلع عليه خلعاً سنية.

ولما خرج نظام الملك من عند الخليفة زار المدرسة النظامية التي أمر هو ببنائها، ولم يكن رآها قبل ذلك، فاستحسنها إلا أنه استصغرها، واستحسن أهلَها ومن بها، وحمِد الله وسأله أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، ونزل بخزانة كتبها وأملى جزءاً من مسموعاته، فسمعه المحدثون منه، وكان يقول: إني لأعلم أني لست أهلاً للرواية، ولكني أريد أن أربط نفسي على قطار النَقَلَة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سمع نظام الملك الحديث، وحضر مجلسَه الحفاظ، وأملى في مرو، ونيسابور، والري، وأصبهان، وبغداد، وكان له من المكرمات ما لا يحصى: كان إذا سمع الأذان أمسك عمّا هو فيه حتّى يفرغ المؤذن، وكان يراعي أوقات الصلوات، ويصوم الاثنين والخميس، ويكثر الصدقة، وكان له حلم ووقار.

وكان مجلس الوزير نظام الملك عامراً بالفقهاء وأئمة المسلمين من العلماء، فقيل له: قد بسطتهم في مجلسك حتى شغلوك عن مصالح الرعية ليلاً ونهاراً، فإن أمرت أن لا يوصل أحد منهم إلا بأذن، وإذا وصل جلس بحيث لا يضيق عليك مجلسك. فقال: هذه الطائفة أركان الإسلام، وهم جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلستُ كُلّاً منهم على رأسي لاستقللت لهم ذلك.

وكان يدخل عليه أبو القاسم القشيريّ، عبد الكريم بن هوازن المتوفى سنة 465 عن 89 عاماً، وأبو المعالي الجوينيّ، عبد الملك بن عبد الله المتوفى سنة 478 عن 59 عاماً، فيقوم لهما، ويجلس في مسنده كما هو، ويدخل عليه الشيخ أبو عليّ الفارَمَذيّ، الفضل بن محمد بن علي المتوفى سنة 477، فيقوم ويجلس بين يديه، ويجلسه مكانه، فامتعض من هذا الجويني فقال لحاجبه في ذلك فأخبره، فقال: أبو القاسم وأبو المعالي وغيرهما، إذا دخلوا عليّ يثنون عليّ ويطروني بما ليس فيّ، فيزيدني كلامهم عجباً وتيهاً، وهذا الشيخ يذكرني عيوب نفسي، وما أنا فيه من الظلم، فتنكسر نفسي، وأرجع عن كثير مما أنا فيه.

والوزير نظام الملك هو أول من بنى المدارس في الإسلام: بنى نظامية بغداد، ونظامية نيسابور، ونظامية طوس، ونظامية إصبهان، وأحسنُ خِلالِه مراعاةُ العلماء، وتربيةُ العلم، وبناءُ المدارس والمساجد والرباطات، والوقوفُ عليها، وأثرُه العجيب ببغداد هذه المدرسة وسوقها الموقوف عليها، وفي كتاب شرطها أنها وقف على أصحاب الشافعي أصلاً وفرعاً، وكذلك الأملاك الموقوفة عليها شَرَطَ فيها أن يكون على أصحاب الشافعي أصلاً وفرعاً، وكذلك شَرَط في المُدَرِّس الذي يكون بها والواعظ الذي يعظ بها ومتولي الكتب، وشرط أن يكون فيها مقرئٌ للقرآن، ونَحْويٌ يدرس العربية، وفرض لكلٍ قسطاً من الوقف.

وقصد أبو حامد الغزالي الوزير نظام الملك فأكرمه وعظمه وبالغ في الإقبال عليه، وكان بحضرة الوزير جماعة من الأفاضل، فجرى بينهم الجدال والمناظرة في عدة مجالس، فظهر عليهم واشتهر اسمه وسارت بذكره الركبان، ثم فوض إليه الوزير تدريس مدرسته النظامية ببغداد، فجاءها وباشر إلقاء الدروس بها، وأقام على ذلك 4 سنوات، وأعجب به أهل العراق وارتفعت عندهم منزلته.

وحاول بعض أعداء الوزير أن يوغر صدر السلطان ملكشاه علىه فقالوا للسلطان: إنه ينفق في كل سنة على أرباب المدارس والرباطات ثلثمئة ألف دينار، ولو جيَّش بها جيشاً لبلغ باب القسطنطينية! فأحضر النظام واستفسره على الحال، فقال: يا سلطان العالم، إني أنا رجل شيخ، ولو نودي عليَّ لما زادت قيمتي على ثلاثة دنانير، وأنت حَدَث لو نودي عليك ما زادت قيمتك على ثلاثين ديناراً، وقد أعطاك الله تعالى وأعطاني بك ما لم يعطه أحداً من خلقه، أفلا نعوضه عن ذلك في حملة دينه وحفظة كتابه ثلاثمئة ألف دينار؟ ثم إنك تنفق على الجيوش المحاربة في كل سنة ستة أضعاف هذا المال، مع أن أقواهم وأرماهم لا تبلغ رميته ميلاً، ولا يضرب بسيفه إلا ما قرب منه، وأنا أجيش لك بهذا المال جيشاً تصل من الدعاء سهامه إلى العرض لا يحجبها شيء عن الله تعالى! فبكى السلطان وقال: يا أبت استكثر من الجيش، والأموال مبذولة لك، والدنيا بين يديك.

وبني الوزير نظام الملك مدرسة في بلخ درّس بها الإمام الحافظ، المحدث الزاهد، أبو علي، الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن جعفر البلخي الوخشي، المولود سنة 385 والمتوفى سنة 471، فقد ورد نظام الملك على منطقته، فقيل له: إن بقرية وخش شيخا ذا رحلة ومعرفة، فاستدعاه، وقرؤوا عليه سنن أبي داود. وأجلسه في مدرسته يحدث بها، قال الوخشي رحمه الله: رحلت وقاسيت الذل والمشاق، لقد كنت بعسقلان أسمع من ابن مصحح، وبقيت أياما بلا أكل، فقعدت بقرب خباز لأشم رائحة الخبز وأتقوى بها، ثم رجعت إلى وخش، وما عرف أحد قدري، فقلت: أموت ولا ينتشر ذكري، ولا يترحم أحد عليّ! فسهل الله ووفق نظام الملك حتى بنى هذه المدرسة، وأجلسني فيها أحدث.

وكان الوزير نظام الملك يقول: كنت أتمنى أن يكون لي قرية خالصة، ومسجد أتفرد فيه لعبادة ربي، ثم بعد ذلك تمنيت أن يكون لي قطعة أرض أتقوت بريعها، ومسجد أعبد الله فيه، وأما الآن فأنا أتمنى أن يكون لي رغيف كل يوم، ومسجد أعبد الله فيه.

وكان الوزير نظام الملك في غاية التواضع، كان ليلةً يأكل الطعام، وبجانبه أخوه أبو القاسم، وبالجانب الآخر عميد خراسان، وإلى جانب العميد إنسان فقير، مقطوع اليد، فنظر نظام الملك، فرأى العميد يتجنب الأكل مع المقطوع، فأمره بالانتقال إلى الجانب الآخر، وقرَّب المقطوع إليه فأكل معه.

ودفع بعض حجابه امرأة ضعيفة فزَبَرَه، وقال: أنا استخدمتك لتوصل إليّ مثل هذه، لا لتوصل إليّ رجلاً كبيراً، أو حاجباً. ثم صرفه.

قال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي المتوفى سنة 513 عن 82 عاماً: رأينا في أوائل أعمارنا ناساً طاب العيش معهم، من العلماء والزهاد وأعيان الناس، وأما النظام فإن سيرته بهرت العقول جوداً وكرماً وحشمة وإحياء لمعالم الدين، فبنى المدارس، ووقف عليها الوقوف ونعش العلم وأهله، وعمّر الحرمين، وعمّر دور الكتب، وابتاع الكتب، فكانت سوق العلم في أيامه قائمة، والعلماء مستطيلين على الصدور من أبناء الدنيا، وما ظنك برجل كان الدهر في خَفارته، لأنه كان قد أفاض من الإنعام ما أرضى الناس، وإنما كانوا يذمون الدهر لضيق أرزاق واختلال أحوال، فلما عمهم إحسانه أمسكوا عن ذم زمانهم.

قال ابن عقيل: وقلت مرة في وصفه: تَرَكَ الناسَ بعده موتى، أما أهل العلم والفقراء ففقدوا العيش بعده بانقطاع الأرزاق، وأما الصدور والأغنياء فقد كانوا مستورين بالغِنْى عنهم، فلما عَرَضت الحاجات إليهم عجزوا عن تحمل بعض ما عوّد من الإحسان، فانكشفت معايبهم من ضيق الصدور، فهؤلاء موتى بالمنع وهؤلاء موتى بالذم، وهو حي بعد موته بمدح الناس لأيامه، ثم ختم له بالشهادة فكفاه الله أمر آخرته كما كفى أهل العلم أمر دنياهم، ولقد كان نعمةً من الله على أهل الإسلام فما شكروها فسُلِبوها.

وكان نظام الملك مُمَدّحاً، فيقال إن مُدَّاحه كانوا خمسة آلاف شاعر وزيادة، ومُدِح بثلاثمئة ألف قصيدة، وكان شاعراً ناثراً عالماً باللغة العربية، حكى القاضي أبو العلاء الغزنويّ، محمد بن محمود، في كتاب سر السّرور: أن نظام الملك صادف في السفر رجلاً في زِيّ العلماء، قد مسه الكَلال، فقال له: أيّها الشيخ، أُعييتَ أم عَييتَ؟ فقال: أُعييت يا مولانا. فتقدم من حاجبه أن يرَّكبه جنبياً، وأن يصلح من شأنه، وأخذ في اصطناعه، وإنما أراد بسؤاله اختباره، فإنّ عَيَّ في اللسان، وأُعيىَ: تَعِبَ. ومن شعر نظام الملك:

بعد الثمانين ليس قوة... لهفي على قوة الصُّبُوَة

كأنني والعصا بكفي... موسى ولكن بلا نبوة

ألف نظام الملك في سنة 484 كتاباً في تدبير الملك أسماه كتاب السياسة، أو سياست نامه، ضمنه علمه وتجاربه وآراءه في سياسة الملك وترتيب الدولة، وإنصاف الرعية، وقسمه إلى خمسين فصلاً، وقد ورد في مقدمة للكتاب كتبها ناسخ الخزانة السلطانية سبب تأليف الكتاب: أمر السلطان السعيد أبو الفتح ملكشاه أمير المؤمنين أنار الله برهانه بعض الكبراء والشيوخ والعلماء أن تفكَّروا في أحوال المملكة وانظروا ماذا من السيئات في عهدنا، وماذا خفي علينا، وماذا فعله السلاطين السابقون ولم نفعله، وأعلمونا به، وكذلك اكتبوا ما تعرفون من سنن الملوك السالفين مما يتعلق بدولة السلاجقة وملكهم، واعرضوه علينا لنتأمّله ونأمر بعدُ أن يسير كل عمل ديني ودنيوي على قاعدته، ويوضع كل شيء في موضعه، وننهي عما لا يُستحسن، فإن الله وهبنا الدنيا وأتم نعمته علينا وقهر أعدائنا فلا ينبغي أن يكون أمر في مملكتنا ناقصاً أو يذهب عمل على غير وجهه أو يخفى علينا شيء.

فكتب كلٌّ ما تيسر له في هذا الشأن وعرضه على السلطان فلم يعجبه إلا ما كتب نظام الملك فقال: كتبتَ هذه الفصول كما أردتُ فليس في نفسي عليها مزيد، وقد اتخذت هذا الكتاب إمامي وسأعمل به.

ويقول نظام الملك في خاتمة الكتاب: هذا كتاب السياسة، أمر سلطان العالم خادمه أن يكتب في هذا الموضوع فامتثل أمره، كتب تسعة وثلاثين فصلاً على عجل ورفعها إلى السدة العالية فلقيت قبولاً، وكانت مختصرة فزدت عليها، وأضفت إلى كل فصل ما يناسبه، وبينتها بلغة واضحة، وقد سلمته إلى ناسخ الخزانة السلطانية، ونحن على عزيمة السفر إلى بغداد، وأمرته أن ينسخه بخط جميل، فإذا لم يتح لي الرجوع من هذه السفرة قدمه إلى السلطان. والزيادة التي يتحدث عنها نظام الملك هي التي جعلت الكتاب 50 فصلاً بعد أن كان 39 في الأصل.

ونورد مثالاً على ما ورد في هذا الكتاب قوله في الفصل المتعلق بعمّال أو ولاة الحاكم أو الخليفة وما يجب أن يتحلوا به من صفات، وما يجب على الخليفة والحاكم أن يتحراه فيه فيقول: إن من الواجب عليه أن يوصيهم أن يحسنوا التعامل والسيرة مع خلق الله تعالى، وأن لا يأخذوا سوى ما حقّ من مال وبالمداراة وحسن الخلق، وأن لا يقبضوا منهم هذه الأموال حتى تنضج محاصيلهم ويحين وقت حصادها، فإنهم إذا طلبوها منهم قبل ذلك حمّلوهم ما لاطاقة لهم به، فيضطرون إلى بيع محاصيلهم بأبخس الاثمان، فيبتلون بالفقر والفاقة... وإذا ما أصبح أحد الرعية عاجزاً، وأضحى محتاجاً إلى الزرع والضّرع، فإن عليهم أن يقرضوه، ويخففوا عليه حتى يستطيع أن يقيم أوده، وألايبتلى بالتغرّب والتشرّد عن داره.

كان لمقتل الوزير وقع حزين في قلوب الناس لما اتصف به من الرحمة والعطف والتقوى، ورثاه عدد من الشعراء منهم زوج ابنته شبل الدولة أبو الهيجاء مقاتل بن عطية الذي قال:

كان الوزيرُ نظامُ الملك لؤلؤة... يتيمة صاغها الرحمن من شرفِ

عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها... فردَّها غيرة منه إلى الصدف

ورثاه سديد الملك أبو المعالي المفضل بن عبد الرزاق الأصفهاني وزير الخليفة المستظهر، ويشير إلى فرح كثير من الحاشية بمقتله، ظناً منهم أن وجه الملك سيخلو لهم برحيل الوزير الذي هو في الحقيقة نذير شؤم على الدولة وإدارتها:

مات الوزير فكلكم جذلان... لا تفرحوا فوراءه خذلانُ

المُلكُ بعد أبي عليٍّ لعبةٌ... يلهو بها النسوان والصبيان

نشرت 2011 وأعيد تنسيقها ونشرها 4/5/2020

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين