جوانب من الزكاة تحتاج إلى نظر فقهيٍّ جديد

جوانب من الزكاة تحتاج إلى نظر فقهيٍّ جديد

 

العلامة: مصطفى أحمد الزرقا

 

التقديم للبحث

إن الأموال بالنسبة للزكاة في الإسلام نوعان:

- أموال نامية، وهي التي توضع في طريق الاكتساب والاستثمار لتزداد وتنمو، لكي يعتاش أصحاﺑﻬا من نمائها، كالسلع التجارية الموضوعة تحت التجارة والاسترباح ﺑﻬا بيعًا وشراء، وكالأراضي المزروعة في الاستثمار الزراعي، والمواشي المتخذة للدر والنسل.

- وأموال غير نامية، وهي التي لا يسلك ﺑﻬا طريق التكثير والازدياد ليكتسب صاحبها من نمائها، وإنما تجمد وتتخذ للاستعمال والانتفاع بمنافعها في وفاء الحاجات الحيوية لصاحبها، وتستهلك في هذا السبيل، كبيت سكناه، ومفروشاته، وملبوساته، وفرسه أو سيارته. ويدخل في هذا طيارته الخاصة، إذا كان من الذين يتنقلون اليوم بطائراﺗﻬم الخاصة من كبار رجال الأعمال في هذا العصر مثلاً.

فالنوع الأول النامي هو الذي يخضع للزكاة، ويطبق عليه نظامها وأحكامها.

أما النوع الثاني غير النامي فلا زكاة فيه.

والمال النامي الذي يخضع للزكاة في نظر الفقهاء يشمل ما كان موضوعًا في طريق النماء بالفعل، كالأموال الموضوعة في التجارة للاسترباح والاستكثار، وما يعتبر ناميًا في ذاته بالقوة والتقدير، كالنقود المكتنزة، فالنقود خاصة بين سائر الأموال تعتبر نامية في جميع الأحوال، وخاضعة للزكاة ولو جمدها صاحبها وحبسها عن التداول.

وهكذا ﺗﻬاجم الزكاة النقود المكتنزة لتخرجها من جحورها ومخابئها، وتسوقها إلى السوق،

لتقوم بوظيفتها في التداول والإنتاج والنماء. نظرًا لأن النقود ليست لها منافع ذاتية في أعيا يستخدمها الإنسان كالسلع المختلفة الأنواع التي تفي بنفسها حاجة من حاجات الإنسان، مادية كانت حاجته أو معنوية كالزينة، وإنما النقود وسيط بين الإنسان والسلع أو الخدمات النافعة، فيجب أن تخرج إلى الميدان لتقوم بوظيفتها في تأمين المنافع والنماء الفعلي. أما تخزينها واكتنازها فضرر باﻟﻤجتمع وتعطيل.

وتزكية الأموال النامية الخاضعة للزكاة أيضًا تكون بإحدى طريقتين بحسب نوع المال:

الطريقة الأولى: أن تؤخذ الزكاة من عين المال ونمائه جميعًا، أو من قيمتها، سنويًا كلما حال عليه حول. وﺑﻬذه الطريقة تزكى السلع التجارية، زكاة مقدارها ربع العشر كل عام، أي بنسبة اية الحول. 􀄔 %2.5 بحسب مقدارها وقيمتها في نهاية الحول.

والطريقة الثانية: أن تؤخذ الزكاة من غلة المال لا من عينه، فتؤخذ من ثمرته ووارداته عند حصولها في اليد دون انتظار مرور حول عليها. وﺑﻬذه الطريقة تزكى الأراضي المزروعة عندما تنتج محصولها.

ومقدار الزكاة في محصولها هو: إما العُشر منه، أي واحد من عشرة من المحصول إذا كانت الأرض بعلية ترويها الأمطار دون كلفة في سقايتها، وإما نصف العشر أي 5% إذا كانت الأرض تسقى بماء منضوح، أي مستخرج بآلة وكلفة. فيحط النصف الآخر من العشر في مقابل كلفة السقي.

هذا، وقد برزت في العصر الحديث أنواع من الأموال، لم تك ن معروف ة قبلاً في العصور الفقهية، كما شاعت طرق للاكتساب والاستثمار لم تكن مألوفة.

وقد أظهر تطبيق بعض الآراء الفقهية المذهبية في الزكاة على هذه المستجدات من أنواع الأموال نتائج نابية غير مستساغة في ميزان مقاصد الشريعة الإسلامية، تثير الاستغراب، وتحوج إلى إعادة النظر في بعض الآراء الاجتهادية السابقة في فهم نصوص الزكاة الواردة في القرآن العظيم والسّنة النبوية الحكيمة.

وواضح أنه ليس من الممكن الدخول في النقاط المقصودة، دون تقديم عرض إجمالي ينير الأفق الذي نريد أن نجيل النظر والفكر في بعض جوانبه، ونستلهم من معالمه ومناراته الرأي الفقهي السديد الرشيد في تلك المستجدات التي نريد بحثها الآن. وقد عالج كثيرًا منها فريق من فقهاء العصر المستبصرين، ففندوا ونقدوا وقدموا البديل الصحيح من صيدلية الشريعة نفسها، بصورة تزيل التناقض بين النتائج والمقاصد، وتحقق غايات الزكاة في شريعة الإسلام، بدءًا من الحلقة الاجتماعية الثالثة التي عقدﺗﻬا الجامعة العربية في دمشق عام 1952 م (وكنت من المشاركين فيها)، وانتهاء

بكتاب الأستاذ الجليل الشيخ يوسف القرضاوي، الذي أوفى على الغاية في فقه الزكاة. جزاه الله خيرًا.

وبناء على ذلك سأقسم كلامي في هذا الموضوع إلى قسمين: أعرض في القسم الأول هذا العرض العام الذي أشرت إليه، ثم أتناول في القسم الثاني بالتخصيص: العمارات المأجورة، والآليات، وما إليها.

تحميل الملف