تقييم أولي للأوضاع الميدانية والعسكرية في مدينة حلب

 
 
إن تقييم الأوضاع الحالية في مدينة حلب وريفها يضعنا أمام سمات واضحة للمشكلات التي تتكرر في كل التجمعات العسكرية والمدنية والتي تحتاج معالجة سريعة من خلال وضع حلول وتصورات واضحة ورفد هذه التصورات بكفاءات تستطيع تطبيقها على أرض الواقع، علماً أن هذه المشكلات يكلف سورية تأخر حلها أرواحا وأموالاً غالية، وكل يوم يتأخر به إسقاط النظام سيعني خسائر جديدة للثورة، ويجب علينا التخفيف منها قدر الإمكان وهذا هو الهدف الأكبر لقوى الثورة الفاعلة، ولابُدَّ من تلمس المسؤولية التاريخية والشرعية في حال التقصير في حل هذه المشكلات أو التخفيف من آثارها. وأبرز هذه المشكلات هي:
 
1.    ضعف العملية التنظيمية في كل التجمعات العسكرية والمدنية، وعدم اتقان الآليات الحديثة في إدارة المنظمات الصغيرة والكبيرة مما ينتج عنه تباطؤا كبيرا في اتخاذ القرارات، أو لا تحقق الأهداف المرجوة منها حسب التوقيتات المناسبة، فالأوضاع تتغير بسرعة شديدة على الأرض تبعا للتطورات العسكرية بشكل أساسي ويجب ملاحقتها بتطوير القرارات والآليات بشكل مبدع وواعي، ومن العيوب الإدارية الواضحة عدم وجود مطبخ لاتخاذ القرار مؤلف من مجموعة صغيرة هو من يصنع ويسوق الحلول السريعة ويطرحه لاحقا على الهيكلية الإدارية العامة (مجلس إدارة أو شورى)، وعدم الوقوع في فخ الآليات البيروقراطية البطيئة، التي يجب عليها اتخاذ القرار المقترح أو الموفقة على مشروع محدد
 
2.    النقص الكبير جدا في الكفاءات المدربة أساسا على العمل الجماعي وإدارة فرق العمل والطرق الحديثة به، وبنفس الوقت وجود قادة كثر يقودون التجمعات المدنية والعسكرية وتنقصهم الاحترافية، بل يميزهم فقط صفة المبادرة أو التسلط لأسباب قبلية أو مناطقية أو دينية (كونه شيخ)، وهي مؤهلهم الوحيد للقيادة، وهذا ما يطلق عليه في التراث الإسلامي (الأحمق المطاع) والذي يمكن أن يرفع معه الناس عشرة آلاف سيف من غير أن يسألوه ما هو السبب لذلك كما ورد في الأثر. وحتى هؤلاء لا يتوفر حولهم من يدعمهم من ناحية إدارية وتنظيمية ولا يحرص على الظهور في الصورة ولا يهمه ذلك حتى لا يتصادم معهم.
 
3.    المشاكل المترتبة من مساوئ التباين بين الريف والمدينة، والتحيزات الواضحة في العمل الثوري والعسكري بناء على النظرة السلبية الخاطئة ما بين الطرفين، (ما عدا عدد محدد من القيادات الواعية في الطرفين والتي تتعاون فعليا) حيث يتهم أهل الريف كثيرا من ساكني المدينة بالتقاعس عن المشاركة في الثورة وتحمل تبعاتها ومسؤولياتها بالمال والرجال، ويتهم البعض بنصرة النظام، بينما يقوم أهل المدينة باتهام أهل الريف بممارسة السرقة والخطف والابتزاز ونهب المال العام، وبالفوضوية في القرارات وعدم وجود مشروع واضح لهم يمكن دعمه والتفاعل معه، أما المشاركين في الثورة والقتال من أهل المدينة فيتهمون قيادات الريف بالسيطرة على أغلب الأسلحة (وما يسمى الغنائم) وعدم العدالة في التوزيع عند المشاركة في العمل العسكري، مما نتج عنه حاليا محاولة لإنشاء تشكيلات عسكرية تتكون بناء على الفرز بين أهل الريف والمدينة وهذا رغم ضرورته (على رأي البعض) سيتسبب بتعميق الهوة الكبيرة الحاصلة الآن بين الريف والمدينة وينذر بأخطار كبيرة في المستقبل القريب
 
4.    المشاكل المتوقعة من ازدياد قوة وعدد التنظيمات العسكرية القائمة على فكر (السلفية الجهادية) وهي مشاكل متوقعة ولم تتطور حتى الآن لصدام مسلح بل بقية في إطار التنافس والتشكيك، حيث تتهم هذه التنظيمات بممارسة الاقصاء والتكفير كوسيلة لإضعاف الأطراف الأخرى في الثورة وخصوصا المدنية منها والتي تتعامل مع الائتلاف أو المجلس الوطني (وهذا الأمر يتورط به بعض القواعد وتحاول القيادات نفي هذا الأمر ويصرحون بأنهم استفادوا من تجارب السلفية الجهادية الفاشلة في الدول الأخرى وخصوصا في العراق حين فقدوا الحاضنة الشعبية) ولكن ليس واضحا تماما مشروعهم ومعالمه وهذا ما يسبب الشك والخوف رغم وجود صدق وإخلاص واستقامة في الأعم الأغلب من كوادرهم، كما أن هذه التنظيمات تملك مشروعا لإنشاء إدارات محلية بديلة تهتم بالخدمات العامة والتجارة والصناعة والقضاء والتعليم وغيرها من مجالات العمل العام وذلك لخلق شعبية بين أوساط الناس هم في أمس الحاجة لها في هذه المرحلة، ويُعتقد على نطاق واسع أن النظام دبر لمؤامرة على الثورة حين تم إخراج أغلب قيادات السلفية الجهادية من سجون النظام في أوائل الثورة السورية وهذا اللغز من أكبر ألغاز الثورة السورية ودليل واضح على محاولة خلق فتنة فيها، فقد تم إخراج كل الكوادر الفاعلة من السلفية الجهادية من سجن صيدنايا بناء على إعادة سريعة لمحاكماتهم وبناء على إقرارهم امام قاض الصلح أن كل المعلومات السابقة انتزعت منهم تحت الضغط والتعذيب فيفرج عنهم بالبراءة، وحتى من كان يرفض الاقرار بذلك ويصر أنه كان مشتركا في عمل مسلح وتنظيمات إرهابية (حسب توصيف النظام) كان يقوم القاضي بتجاهل كلامه وإطلاق سراحه من السجن وهذا موثق بشهادات عدد من قياداتهم ... وهذا يدل دلالة واضحة أن النظام سعى لإيقاع فتنة بين الثوار على أساس لعبة الإسلامي السيئ والإِسلامي الجيد، وتلغيم الثورة وتخويف القوى الخارجية منها (ووضع جبهة النصرة على قوائم الإرهاب يرسل إشارات في هذا الاتجاه ينبغي التنبه لها)، والنظام كان متيقنا أن هؤلاء الأفراد سيشكلون نواة لعمل مسلح والعمل على إيقاع فتنة بين أغلبية من الثوار غير مقتنعة بأفكار السلفية الجهادية وإقامة الخلافة الإسلامية بالشكل الذي تتبناه السلفية الجهادية في العالم، بينما الأغلبية الإسلامية لها توجهات وسطية وديموقراطية، مع التأكيد أنه يوجد هناك فروق كبيرة من ناحية التشدد وقبول الآخر بين تنظيمات السلفية الجهادية المختلفة وهناك فروق فردية واضحة بين قيادات هذه التنظيمات فهناك صقور وحمائم كما يصطلح على ذلك، ومن أبرز التنظيمات الإسلامية السلفية في حلب: (كتائب أحرار الشام، جبهة النصرة، حركة الفجر الإسلامية صقور الشام وغيرها) وربما يكون هناك شهرة اعلامية لجبهة النصرة ولكن هناك تنظيمات تتشابه معها في المنطلقات بشكل كبير ولكنها تختلف معها في التكتيكات الجزئية والانفتاح على الآخر وهذه القوى تكتَّل بعضها اليوم في الجبهة الإسلامية السورية، والتي يمكن لها الدخول في عمليات سياسية مستقبلا بشروطهم الخاصة، كما هو واضح من تحركهم الأخير الذي لم تتضح معالمه حتى الآن. وكانت هناك لقاءات طويلة بين المجلس الانتقالي وهذه التنظيمات الجهادية ولكنها لم تثمر حتى الآن بالشكل الصحيح لوجود تخوفات منهم من توجهات المجلس وصلاته في داخل سورية وخارجها.
 
5.    مشكلة الضعف الشديد للقائمين على العمليات العسكرية وتنظيم أمور الجبهات إداريا ولوجستيا (باستثناء التنظيمات الجهادية السلفية فهؤلاء يتمتعون بخبرات متراكمة عسكريا وتنظيميا) مما يتسبب في خسائر كبيرة بشرية وفي العدة والعتاد فلا يوجد تخطيط عسكري محترف بل هي مبادرات مرتجلة لبعض الألوية بدون تنسيق شامل بين كل الكتائب، والسبب الأساسي ضعف التدريب وقلة الكفاءات العسكرية المحترفة والخلافات البينية، والسماح بدخول أي شخص للعمل العسكري بمجرد خضوعه لتدريبات عشوائية قصيرة لا تجعله مؤهلا لتحمل أعباء القتال في جبهات معقدة، وقد حصلت عشرات حالات الأخطاء العسكرية الرهيبة وأدت لخسائر مؤلمة وتأخير كبير في تحرير المناطق بسبب هذا الضعف الإداري والتنظيمي والتخطيطي وطبعا لا ننسى السبب الرئيسي وهو ضعف الذخيرة المتوفرة للكتائب وهي لا تتناسب مع حجم قوة النظام وتسليحه. رغم أن النظام السوري هو في أضعف حالاته في محافظة حلب لقطع خطوط الامداد عنه من فترة طويلة نسبيا ولضعف الحالة المعنوية للجنود بعد الهزائم الكبير لهم في المحافظة.
 
6.    مشكلة الضعف الأخلاقي لعناصر الجيش الحر وذلك للأسباب التالية: الفروق الفردية للمنتسبين للجيش الحر وحقيقة أن كثير منهم كان في الأساس لا يتمتع بالصفات الأخلاقية الكافية، ومن ناحية أخرى وجود نقص في التمويل كبير مما يضطر البعض لتبرير السرقات وموضوع ما يسمى الغنائم والسيطرة على المال العام وبيعه ( وقد بيعت كميات كبيرة جدا من المال العام قطن قمح وغيرها الكثير وذلك لصالح بعض الكتائب والألوية) أو ابتزاز الناس بدعوى تهمة التشبيح،
 
مشكلة عدم وجود أسس المحاسبة الواضحة وتطبيقها بشدة من جهة يكون لها ثقل أخلاقي وشرعي كبير على الأرض لكي تقوم بإيقاع عقوبات مناسبة لكل كتيبة أو مجموعة تتورط في السرقات والتجاوزات (وقد أنشأ في حلب مجلسين قضائيين كبيرين لهما محاكم على الأرض: أولا: الهيئة الشرعية في مدينة حلب، ثانيا: المجلس القضائي الموحد في حلب) وتتألف الهيئة الشرعية من تجمع شرعي منبثق من كتائب جبهة النصرة وأحرار الشام وحركة الفجر مع لواء التوحيد، أما المجلس القضائي الموحد في حلب فهو هيئة مدنية شكلها المحامون والمشايخ ويعترف بها بعض الكتائب ويدعمها المجلس الانتقالي الثوري في حلب (وهناك محاولات لدمج المجلسين وتوحيد القضاء ولكن الخلاف الفكري الواضح بين الطرفين والتنافس على كسب الشرعية هو الذي يؤخر هذا الأمر)، والسبب الأخير هو الضعف المادي والعددي للدعاة والموجهين الذين يقومون بتثقيف الجيش الحر وشرح القيم الإسلامية والأخلاقية الصحيحة وإيضاح العواقب الدينية والقانونية للتورط في مثل هذه التجاوزات والسرقات.
 
          هذه أبرز المشاكل التي نعاني منها في مدينة حلب وريفها وتحتاج جلسات متخصصة مع الاستشاريين والخبراء لوضع الحلول الناجعة وإيفاد كفاءات من الخارج والاستفادة من خبرات الدول الأخرى في هذا المجال لتجاوز هذه المرحلة واستكمال تحرير مدينة حلب بالقريب العاجل وذلك لتخفيف الضغط الكبير على السكان وإيقاف المعاناة الكبيرة التي يسببها حالة البطئ النسبي في جبهة حلب، مع التأكيد أن فرصة تحرير حلب هي كبيرة جدا نظرا للإمكانيات الحالية للجيش الحر وأعداد المقاتلين فيه والتي تقدر بقريب من أربعين ألف مقاتل، ويبقى هناك مشكلة الذخيرة والتي يمكن إيجاد حلول ابداعية لها لو وجدت الإمكانيات التخطيطية والمادية المناسبة لعمليات التحرير.
تحرير : أسامة فاضل الخراط
المجلس الانتقالي الثوري في حلب

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين