تعليق على مشكلة الفيلق والأحرار


كان ينبغي أن أشعر بالرعب عندما سمعت عصر أمس عن الاشتباك الذي وقع بين فيلق الرحمن وأحرار الشام في عربين بالغوطة الشرقية، ولكني لم أفعل، لأن ثقتي كبيرة بما يملكه الإخوة في القيادة المشتركة والقضاء الموحد من الوعي والنضج وخوف الله والحرص على الثورة والمصلحة العامة. ولم يَخِبْ ظني بفضل الله.

فقد تحرك الجميع بلا أي تردد أو تباطؤ، فوصل إلى موقع الحدث على الفور القاضي العام وقائدا جيش الإسلام والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، مع قوة من الجيش والاتحاد، وتمت محاصرة المشكلة واحتواء الوضع المتوتر بوقت قياسي وقبل أن تسيل الدماء، فلم تقع سوى بضع إصابات طفيفة، وألقى الإخوةُ من الطرفين السلاحَ وفوّضوا بالحل لجنةَ تحكيمٍ محايدةً ووضعوا أنفسهم تحت حكم القضاء.

وقد استغلّ النظام هذا الخلاف العابر فاقتحم من أحد محاور جبهة عربين وسقطت إحدى النقاط، ولكن المجاهدين نجحوا في استعادتها فوراً بفضل الله ثم بفضل الخروج من التنازع والاختلاف إلى الاتفاق والائتلاف.

إنه يوم رجع فيه الشيطان خائباً خاسراً والحمد لله رب العالمين.


* * *


ولكن لماذا كتبت بتفصيل عن هذه الحادثة الصغيرة؟

لأن الخلافات لا بد أن تنشأ بين الإخوة، فإذا أباح أيُّ طرف لنفسه الحق بحسمها بالسلاح وتعالى على حكم الشرع والقانون وقعت الكارثة. والغالب إذا بدأ الخلاف بين حَمَلة السلاح أن يتفاقم ويتطور إلى اشتباك تسيل فيه الدماء المحرَّمة، ما لم يتدخل طرفٌ ثالث محايد، وما لم يستجِبْ لتدخله ولنداء العقل والشرع أطرافُ الخلاف.

فلما رأيت التدخلَ السريع الحاسم والأَوبةَ المعجَّلة من طرفَي المشكلة ورضاهما على الفور بالوساطة وبتحويل الخلاف إلى القضاء والرضا بحكمه وجدتُها فرصة لتأكيد هذه المبادئ العظيمة: الحسم السريع لأي خلاف قبل انفجاره، والتدخل الفوري من قِبَل أطراف محايدة مستقلة، واستماع المتخاصمين لصوت العقل والشرع، وذلك بوقف فوري للاشتباك وتحويل الخلاف إلى القضاء والخضوع لحكمه بعيداً عن المصلحة والهوى.


* * *


ختاماً أجد من الإنصاف شكر كل الأطراف التي تعاملت مع الحادثة بإيجابية: شباب الأحرار الذين تجنبوا الاشتباك مع مقاتلي الفيلق والتجؤوا إلى مقرات جيش الإسلام، وقيادة فيلق الرحمن التي استجابت للوساطة وسحبت عناصرها وفوضت القضاءَ بحل الخلاف، والقضاء الموحد الذي بادر إلى الصلح وحقن الدماء ممثلاً بالقاضي العام الشيخ أبي سليمان، وجيش الإسلام وأجناد الشام اللذين تدخلا فوراً وهُرع قائداهما -أبو عبد الله وأبو محمد جزاهما الله خيراً- إلى الموقع لاحتواء المشكلة ووقف الصدام، وجبهة النصرة التي ساهم عناصرها في قطع الطريق لحماية الأحرار ساعةَ الهجوم. ولا يمنعني نقدي لأخطائها في موضع الخطأ من الثناء على صوابها في موضع الصواب، سائلاً الله أن يصرفها عن الخطأ ويدفعها إلى الصواب في كل حين وحال.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين