تطاوعوا ولا تختلفوا

أنى لعمل صَغُر أم كَبُر أن يؤتي ثِماره ويحقق أهدافه المرجوة والقائمون عليه شركاء متشاكسون، تتباين رؤاهم في كل قضية،ولا ينتهون لرأي جامع تلتئم عليه القلوب الصافية،وتتآلف به الأرواح السامية،وتتآذر عليه سواعد فتية ناهضة ، هذا لعمري ما حدى برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصي معاذًا،وأبا موسى الأشعري حينما بعثهما إلى اليمن فقال: { يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا} ،لأنه صلى الله عليه وسلم خبر ما سيواجه الداعيان العظيمان من مستجدات تختلف في معالجتها العقول البشرية،وخبر ما قد ينزل بهما من فتن تدع الحليم حيران،لذا دلهما على طوق النجاة فقال صلى الله عليه وسلم تطاوعا ولا تختلفا فلتقترب من أخيك خطوة ، ولتتنازل قليلا عمَّا تظنه الأمثل أو الأقرب للصواب ، خاصة وأنَّ أحدا – غير علامَّ الغيوب – لا يعلم ما ستسفر عنه الأحداث الجسام وقد قيل : 

الأَيَّامْ حبْلَى وَالاَمُورْ عَوَانْ=فَهَلْ تَرَى مَالاَ يَكونْ وَكَانْ

تطاوعا ولا تختلفا،تلك هي القاعدة في تسير العمل الدعوي،لأن التآلف بين الدعاة سيورثهم القوة اللازمة لتحقيق أهدافهم ، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث:"غالِب المصالح لا يتمّ إلا بالاتفاق ، ومتي حصل الاختلاف فات"، وهل ثمت قبول يرجى لدعوة ما،أو انتشار لها بين الناس،وهم يرون دعاتها شذر مذر ،بأسهم بينهم شديد ؟ حتما سينفرون عنها وعنهم .

و لو تأملنا تبويب الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث العظيم الجامع لوجدنا أن التبويب يشير لنقطة حرجة، وقاعدة ذهبية مفقودة في إدارتنا لأزمتنا العصيبة الحالية،قال رحمه الله :"باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب..." وما نتعرض له الآن ما هو إلا حرب استئصال عارمة للفكرة الإسلامية من جذورها،فإن وسعنا الاختلاف وتقليب الآراء زمن الدعة والاستقرار،وقبيل حسم القرار،فلا يسعنا وقد ادلهم الخطب،وعظم المصاب،وها هي دماؤنا تراق،وأعراضنا تنتهك ،وحقوقنا تنتقص،وحريتنا تستلب،وكرامتنا تمتهن، والمواجهة محتدمة بيننا وبين هؤلاء القتلة،فلا زالت الأيدي تَنطِف من دمائنا، والأفواه تَتَحلّب مِن لحومنا،فهل أصبح الدم ماء كما يقول أمل دنقل؟

هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟

أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

إنها الحربُ!

كيف تنظر في يد من صافحوك..

فلا تبصر الدم..

في كل كف؟

إن سهمًا أتاني من الخلف..

سوف يجيئك من ألف خلف

فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة

ورحم الله القائل : 

أخاك أخاك إن من لا أخا له=كساع إلى الهيجا بغير سلاح

و إن ابن عم المرء فاعلم جناحه=وهل ينهض البازي بغير جناح

أين منا أُخي الكريم التحاور والتقارُب فيما بيننا ،ونحن من نرفعهما شعارا لنا، ونجأر بهما ليل نهار؟

ألسنا من نسعى للاصطفاف مع الأغيار ؟! فأين من ذلك صفنا المغوار ؟

أين منا أخي التسامح ،والتغافل،والتغاضِي،والتغافر، وغيرها من الأخلاق التي تُحقق أكمل التجانس والانصهار ؟

إخواني الداعاة تطاوعوا ولا تختلفوا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين