ترجمة المعتقل الشيخ إبراهيم محمود الخوجة ( أبو موفق الحلبي )

بسم الله الرحمن الرحيم
فكَّ الله أسره
 
ولادته ونشأته :
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ولد المعتقل إبراهيم بن محمود الخوجة في مزرعة بيت الخوجة ، وهي إحدى مزارع مزرعة العلا من ضواحي بلدة أخترين عام 1973 م ، عاش في كنف والديه الذين كانا يعملان في أرضهما الصغيرة ، بجوار قرية آق برهان ، وكان جده أحمد الخوجه من وجهاء تلك المنطقة، وقد عُرف بكرمه وطيبه وأخلاقه وضيافته ولُقِّبَ بالخوجه ؛ لأنه كان يعلِّم أبناء تلك المنطقة القرآن الكريم، وبعض الأحكام الفقهية البسيطة ، وكان على صلة بالعلماء في مدينة حلب والباب ، والشيخ محمد علي المسعود الذي كان يقيم في بلدة تركمان بارح ، والشيخ عبد السلام الحربلي إمام وخطيب جامع أخترين الكبير وكان يزوره الشيخ عبد السلام في بيته .
اكتسب إبراهيم التدين بفطرته ، ومن والديه منذ أن وعى على الدنيا ، وكان والده الحاج محمود الخوجه رحمه الله يجمع أولاده وزوجته عند كل ختم القرآن ، وكان كثير التلاوة لكتاب الله عزوجل ، ويدعو لهم بدعاء ختم القرآن الكريم .
 
وكان إذا أمسى المساء يحدث أبناءه إبراهيم وعبد الرحمن وهم أقل من سِنِّ العاشرة عن سير الأنبياء وقصص بعض رجال الصوفية ، فكان من الطبيعي أن ينشأ الأطفال على التدين .
 
 
انتقاله إلى حلب ونشاطه العلمي والدعوي :
 
 
سعى الحاج محمود خوجه رحمه الله كثيراً لأن ينسّب ولده إبراهيم للمدرسة الكلتاوية بحلب بعد حصوله على الابتدائية ، لكنَّ إبراهيم رفض ذلك بعد نصح أقاربه له ألا يطاوع أباه فلم يكرهه على ذلك ، وكان كثير التحسُّر لأنه كان يتمنى أن يكون ولده عالما شرعياً ..
 
انتقل إبراهيم إلى حلب ليعيش في بيت أخيه من أبيه في حلب - الصاخور ، ودرس في الصف السابع الإعدادي ثم الثامن الإعدادي في حي الحيدرية ، وعاش عند أخواله ، وتعرف في حي الحيدرية على الشيخ صالح الويسي الحيدري ابن عم الشيخ أحمد عز الدين الويسي وزوج أخته وتعلق قلبه به كثيراً ، ونشط لدعوة رفاقه في المدرسة ، ولازم مسجد الشيخ محمد الويسي (( همل )) والد الشيخ أحمد عز الدين ، ونشط لدعوة أصدقائه في الحي ، وبدأ يدور على مساجد حلب والزوايا الصوفية والأضرحة إلى أن جاء مدرب الفتوة أو العسكرية في المدرسة ، وهو من قرية مزرعة العلا ، وتربطه بأهل إبراهيم صداقة وقرابة رضاع ، وحذَّر أهله ، وقال لهم : رفع إلينا تقرير أن ابنكم هو من الإخوان المسلمين فأدركوا الأمر – وهذا الكلام عام 1985 م ، فحاول أهله أن يمنعوه من الذهاب إلى الزوايا والمساجد ، لكن كل ذلك لم ينفع معه .
 
 
انتسابه إلى معهد الخزنوي :
 
جهِدَ كثيرا للوصول إلى إحدى المدارس الشرعية بعد تعلق قلبه بالعلم ، وقد أثَّرَ به أستاذ التربية الإسلامية الشيخ حمزة ( وهو الآن موجه في الثانوية الشرعية في تركمان بارح ) لكنه لم يهتدِ للوصول إلى المدارس الشرعية بحلب ، فنصحه ذات مرة صديقه وابن قريته الشيخ محمد نديم ندمان ، وهو كان طالباً في الشعبانية أن يتابع علمه في المعهد الخزنوي ورغبه كثيرا ، وقال له : هذا المعهد هو من أفضل المدارس في العالم ، والطالب يتخرج من عندهم عالماً تقياً ورعاً ، ومجرَّب عندهم أن الطالب يفتح الله عليه في العلوم بسبب تقوى القائمين عليه وصلاحهم بفضل تربية الشيخ عز الدين لهم .
طلب إبراهيم من والديه أن يأذنوا له بالذهاب إلى القامشلي لمتابعة دراسته في المعهد فرفض والداه ذلك ؛ بسبب بُعد المنطقة عن حلب وصغر سنه وللأسباب الأمنية بعد أن أفزعهم مدرب الفتوة .
 
 
حرصه على زيارة العلماء وطلاب العلم :
 
أصرَّ إبراهيم على مواصلة دراسته في المعهد الخزنوي ، وعندما لم يجد الأبوان بُداً من ذلك ذهب والده إلى بيت صديقه الحاج أحمد ندمان والد محمد نديم ليستشيره في هذا الأمر فنصحه وشجعه على ذلك ، فقال له والده : هذا مبلغ /500/ ل.س وتوكل على الله عز وجل وتابع علمك في القامشلي .
 
كان في صغره يحرص على زيارة العلماء وطلاب العلم في منطقته و بحلب ، فكان كلما سمع بطالب علم يزوره حتى ولو لم يعرفه من قبل ، فكان يقصدهم من قرية إلى قرية ومن بلدة إلى بلدة ..
 
وبعد انتسابه للمعهد الشرعي بأربعة أشهر وعمره دون الخامسة عشر سنة ، زار الشيخ جهاد حطاب في مدينة الباب صهر الشيخ زكريا مسعود ، والتقى بأحد طلاب العلم في بيت الشيخ جهاد من أبناء مدينة الباب ، وبدأ يقدم له النصائح وكان قد أثَّر فيه قول ذلك الرجل فيه عندما قال له : اِعلم أنه في العالم الإسلامي مشكلة عظيمة ، وأنَّ حلَّ هذه المشكلة يكون على عاتقك ، فاعلم أنك مسؤول عن إيجاد حل مشكلة العالم الإسلامي بمفردك .
 
فكان لهذه الكلمة تأثير بالغ في حياته وجعل منها منهاج حياة ودعوة ، ولا يزال يدعو لذلك الأخ على نصحه .
 
 
تدريسه في معهد العلوم الشرعية وتركه للخزنوية :
 
ثم قال له ذلك الأخ : ما رأيك أن تخطب الجمعة ؟ فقال : وكيف أخطب وأين ؟ قال أنا أخطب بقرية قريبة من قريتكم اسمها الباروزة فاليوم هو الخميس وغداً الجمعة ، فتوكل على الله واخطب عوضاً عني ، فعاد إبراهيم إلى بيته وعنده في البيت كتاب "رياض الصالحين" ، وكان هذا الكتاب نواة مكتبته وحضَّر منه عن موضوع مصاحبة الصادقين وكانت هذه أول خطبة ثم تابع الخطابة وهو في مرحلة الطلب حتى أنه كان من المتميزين بين زملائه في الخطابة .
 
 
زواجه ودراسته في معهد الفتح بدمشق
 
كان انتسابه لمعهد العلوم الشرعية عام 1987 م وتخرج فيه عام 1993م ، حاول أن يتابع علومه الشرعية في إحدى الجامعات لكن محمد الخزنوي شيخ الطريقة آنذاك منعه من ذلك وألزمه بالتدريس في المعهد ، وكان قد امتاز حينها باللغة العربية ( النحو ) حتى لقبه زملاءه بـ ( سيبويه ) فكانت له دروس في الدوام الرسمي تطوعاً بدون أجر مادي ، وكذلك بعد الدوام حتى آخر اليوم ثم عين إماماً وخطيباً في حي ( حارة طيء ) في مدينة القامشلي إضافة إلى التدريس في المعهد الذكور ، وكان يرافق محمد الخزنوي في أسفاره وغدا من أخص خواصه إلى أن حدثت بعض الأمور فانشقَّ عنه لمخالفته لمنهجه وفكره .
 
تزوَّج من فتاة تقية كريمة ذات خلق كريم ومن أسرة متدينة من حي طريق الباب في حلب ، وقد رغب أهلها به وهم خطبوه لابنتهم، صبرت معه على شظف العيش بعد هجرته للخزنوية .
 
سكن دمشق لمدَّة سنتين ونصف من أجل أداء الخدمة العسكرية ، وقد يسَّر الله له مكاناً مريحاً في الجيش يداوم فيه إلى الظهر ثم ينصرف، وكانت أسرته معه من أجل متابعة علاج ابنته عاتكة التي توفاها الله بمرض السرطان الدماغي بدمشق .
 
تابع علومه أثناء وجوده في دمشق في معهد "الفتح الإسلامي" قسم التخصص ، وكان يحضر دروس البوطي والنابلسي والشيخ أسامة الرفاعي وحلقات العلم عند المشايخ وعلى رأسهم العلامة الفقيه النحوي الشيخ أديب الكلاس رحمه الله تعالى ، وقرأ عليه العقيدة والفقه الحنفي وأجازه بشرح العقائد النسفية خاصة إضافة إلى الإجازة العامة . والشيخ أديب الكلاس هو من ألبسه العمامة، وكذلك كان على اتِّصال بالشيخ عبد الهادي الخرسة فكان يحضر بعض دروسه في بيته .
 
 
الإمامة والخطابة والدعوة :
 
درس السنوات الثلاثة الأولى في المعهد ولم يتيسَّر له السفر إلى مصر لمتابعة السنة الأخيرة في الأزهر لظروف مادية ، وكان القائمون على معهد الفتح يؤمِّلونهم بمتابعة السنة الرابعة في المعهد ذاته ، وفعلاً أُعلن في المعهد عن متابعة السنة الرابعة في المعهد ، وتابع بها لكن مع الأسف لم تف إدارة المعهد بوعودها ولم تمنح الطلاب الشهادة المتفق عليها مع الشهادات ( شهادة أزهرية ) ، فكانوا يصبرونهم ويؤمِّلونهم ويسوِّفونهم حتى اضطر الطلاب إلى متابعة دراستهم في جامعات أخرى كالأوزاعي والإصلاح والجنان وقد حاول إبراهيم أن يتابع في جامعة الجنان لكن أعباءها المادية كانت ثقيلة جدا .
 
بعد عودته من دمشق عمل في مجال الإمامة والخطابة والدعوة في بلدة سرمين وفي جامعها الكبير لمدة سنة ، ثم انتقل للعمل والدعوة في مساجد حلب فخطب وأمَّ ودرَّس في عدة مساجد في حي طريق الباب .
وكان له نشاط اجتماعي واسع ولاسيما في الريف الشرقي لمدينة حلب إضافة إلى بعض أحياء حلب ، إضافة إلى الخطابة والدروس وإصلاح ذات البين ومشاركة الناس في أفراحها وأحزانها ونشاطاتها الاجتماعية .
 
 
عمله في الثانوية الشرعية في إعزاز :
 
وكان له نشاط أيضاً مع طلاب العلم في حلب ، يتدارس معهم ويتذاكر المسائل العلمية ، كما أنه كان يحرص على اللقاء بالشيوخ والعلماء وطلاب العلم ، وكان على صلة طيبة بهم ويجمعهم في بيته كلما سنحت الفرصة .
 
عمل في الثانوية الشرعية في إعزاز وساهم كثيراً في تألقها، فكان يسعى بين محبيه وأصدقائه ومعارفه ممن أنعم الله عليهم بالثراء لدعم المدرسة والإنفاق عليها.
 
سافر إلى عدة دول وعلى رأسها بلاد الحجاز ، وكان يحاول أن يلتقيَ بالعلماء والشيوخ والاستفادة منهم واستجازتهم .
 
عُرف منهجه بالاعتدال والوسطية المباركة والسعي إلى لمِّ شمل المسلمين بجميع مكوناتهم والابتعاد عن الجدل الذي يثير الفرقة .
 
شعاره : " الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية "
وكذلك : " نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا في اختلفنا فيه " .
 
 
اعتقاله والتهم الباطلة المنسوبة إليه :
 
اعتقل في 18/2/2010 من قبل أحد الأفرع الأمنية بسبب مراسلته لموقع رابطة العلماء السوريين فيما يخص الأمور العلمية وتراجم العلماء والشيوخ، والالتقاء ببعض الشخصيات العلمية الدعوية أثناء زيارته للحرمين الشريفين، وعلى رأسهم الشيخ مـَـجْد مكي ، والأستاذ منير غضبان، والأستاذ فاروق البطل ، والشيخ حاتم الطبشة ، فنُسبت له تهمة الانتماء لجماعة " الإخوان المسلمين " ظلماً وبُهتاناً ، وبقي عدة أشهر في فرع فلسطين ثم تمَّ نقله إلى فرع الدوريات ، وفي ذلك الفرع عُرِض على محكمة أمن الدولة بدمشق فنسب إليه قاضي التحقيق فيها تهمة الانتماء للإخوان.
 
وفي جلسة النطق بالحكم، نسب إليه قاضي محكمة أمن الدولة الانتماء لجمعية سرية هدف إلى قلب نظام الحكم في سورية ، علماً أنه كان من منهجه البعد عن أيِّ إثارة لحفيظة الدولة وسعيه الدائب في التقريب والتسديد من أجل مصلحة الدعوة ، فحكم عليه – ظلماً وعدواناً - سبع سنوات .
 
 نُقِلَ بعد الحكم الجائر عليه إلى سجن صيدنايا، وبقي فيها ثلاث أشهر، وبعد اندلاع الثورة السورية وإلغاء محكمة أمن الدولة نُقل إلى سجن حلب المركزي ، ولا يزال يرزح فيه إلى هذا اليوم ، نسأل الله تعالى أن يفرج عنه وعن جميع المعتقلين وأن يردهم إلى أهلهم وإخوانهم سالمين غانمين .