تدبّرٌ واعتبار مع هطول الأمطار

عناصر المادة

1- العبر والعظات في نزول الأمطار والخيرات2- شكر المغيث على إنزال الغيث3- {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}

مقدمة:

ما أشدّ ما تذكّرنا هذه الأيّام -المليئة بفضل الله ورحمته- بقول الله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشّورى: 28].

وما من مؤمنٍ صادقٍ في إيمانه إلّا وتمتزج في أحاسيسه صور تلك النّعمة الّتي تتوالى من سماء الله وكرمه، بنشوة هذا الكلام الرّبّانيّ العظيم: {وَهُوَ} لا غيره، فتح لنا -برحمته- أبواب السّماء، فعمّ بخيره الأرض وانتفع العباد.

إنّه لا يخفى على أحدٍ ما يحصل من الضّرر بتأخّر نزول الغيث، فالآبار تنضب، والثّمار تذبل، والمواشي تصبح هزيلةً، والقلوب تغدو واجفةً، يكاد اليأس أن يصيب بعض القوم عندما يرون ديارهم ومزارعهم بهذا المنظر الكئيب، ولكنّ الكريم -وحده- يُنزّل غيثه ورحمته فتنهمر السّماء، وترتوي الأرض الجرداء، فللّه الحمد أوّلًا وآخرًا، ألا ما أعظم جوده! وما أكرم عطاءه! ولكنّ بعض النّاس يقعون أحيانًا في الخطأ الفادح حين ينسبون إنزال المطر إلى غير الله عزو جل، من الكواكب والأنواء، وارتفاع الضّغط الجوّيّ أو انخفاضه، أو غير ذلك من الأسباب، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ). [ 1 ]

1- العبر والعظات في نزول الأمطار والخيرات

كثيرٌ من النّاس ينظر إلى نعمة الغيث نظر بصرٍ مجرّدٍ، ويُغفِلون نظر البصيرة والاعتبار بهذه الآية العظيمة، ففي هذا الغيث مواطن للعبر، وآياتٌ للتّذكّر، ومن أبرزها أنّه دليلٌ باهرٌ على وحدانيّة الله وعظيم أمره، فلو اجتمعت المخلوقات كلّها لينزلوا قطرةً واحدةً ما استطاعوا، ولكنّ الله إذا أراد الله أمرًا حصل، قال عز وجل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النّحل: 40].

وإنّ من أكبر العبر والعظات في نزول الماء: دلالته على قدرة الله سبحانه على إحياء الموتى وإثبات البعث، فالّذي يحيي الأرض بعد موتها بالمطر؛ قادرٌ على إحياء الموتى، قال جل جلاله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصّلت: 39].

فبينما الأرض جرداء قاحلةٌ إذا بها تهتزّ خضراء رابية، وما يُعرض عن هذا إلّا أعمى البصيرة، قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 9-11].

أي كذلك إخراجكم من قبوركم، وإنّ في تصريف الأمطار في بعض البلاد وحبسها عن بعض الدّيار لعبرةً لأولي الأبصار، وعظةً للعصاة والفجّار، قال عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان: 48-50].

فالله سبحانه يلفت عقولنا وأنظارنا للتّفكّر في هذه النّعمة العظيمة، حيث إنّ المسلم له في كلّ حدثٍ وقفة تأمّلٍ، ونظرةُ تعقّلٍ، يستدلّ من خلال الكون على المكّون، إنّ ممّا ينبغي التّفكّر فيه أنّ هذا المطر قد يكون نقمةً، كما يكون نعمةً، فهو جنديٌّ من جنود الله الّتي لا يعلمها إلّا هو، ولا يخفى عليكم كيف أنّ المطر كان انتقامًا من قوم نوحٍ و أهل سبأ وغيرهم، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 15-16].

عندما يتفكّر المؤمن بآيات الله الكونيّة، وما جعله الله فيها من دروسٍ وعبرٍ، يتذكّر أنّ الّذي أرسل الغيث من بعد الجدب قادرٌ على أن يغيّر أحوالنا من الفقر والذلّ والهوان والتّشريد، إلى الغنى والعزّة والسّيادة والتّمكين في الأرض.

2- شكر المغيث على إنزال الغيث

إنّ إنزال الغيث نعمةٌ من أعظم النّعم الّتي امتنّ بها على عباده، وأشاد بها في كتابه، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21-22].

إنّنا في هذه الأيّام نتقلّب في نِعمٍ من الله وافرةٍ، وخيراتٍ عامرةٍ، سماؤنا تمطر، وشجرنا يثمر، وأرضنا تخضرّ، فتح لنا أبواب السّماء فعمّ بغيثه جميع أرضنا، فامتلأت السّدود والوديان والآبار، وارتوت الأرض، وغمرت البهجة والسّرور الصّغار والكبار.

كلّنا يعلم أنّ كثيرًا من البلاد ليس فيها أنهارٌ ولا بحارٌ، وأنّها تعتمد -بعد الله- على المياه السّطحيّة الّتي يغذّيها المطر، وفي حبس المطر انعدام المياه السّطحيّة، فوجب الشّكر لله وحده، فبالشّكر تدوم النّعم وتزيد، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

وإنّ شكر ربنا على نعمه -ونعمة المطر واحدةٌ منها- يكون بالقول والفعل، وبالجوارح والأركان، فلنشكرِ الله على نعمة الماء الّتي جعلها سببًا لاستمرار الحياة، قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30].

فلو لم يسخّر الله لنا المطر لانتهى أمر الخلق، وانعدم زرعنا، وماتت بهائمنا، قال جل جلاله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة: 27].

وممّا يدلّ على عظيم نعمة المطر أنّه يخرج لنا بالمطر من بركات الأرض أشكالًا وألوانًا، قال عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [المؤمنون: 18-20].

وإنّ ما رأيتموه في الأيّام الماضية من الأمطار محضُ فضلٍ وامتنانٍ من الرّحيم الرّحمن، إذ أغاثنا ورحمنا رغم ذنوبنا ومعاصينا، فبعد أن كنّا مجدبين مقحطين؛ منَّ الله علينا فأنزل علينا غيثًا مغيثًا، ولا يقدر على ذلك إلا هو، قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68-70].

فلنشكر الله على إنزال المطر سائغًا صالحًا للانتفاع به، وعلى تمكيننا من حوزته، وإلّا لأصبح بقدرته غورًا في قاع الأرض، قال جل جلاله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30].

3- {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}

آيةٌ يذكّرنا الله عز وجل فيها بعظيم قدرته ورحمته، حيث اقتضت حكمته أن يعيش العباد بين الشّدّة والرّخاء، فلو أغدق عليهم النّعم متتابعةً من غير انقطاعٍ؛ لطغى كثيرٌ من النًاس وبغوا، بل وأنستهم النّعمة منعمها، ولذا اقتضت حكمته سبحانه أن يقلّل أرزاقهم تارةً، ويبسطها تارةً أخرى، ليربّيهم ويعيدهم إلى صراطه، قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشّورى: 27].

خبيرٌ بما يصلح حالهم، بصيرٌ بأحوالهم، وإنّ من أكثر المشاهدات الّتي تدلّنا على ذلك ما نراه من انحباس المطر أحيانًا، وكرم الله وإنعامه بالغيث أحيانًا أخرى، وبقدرٍ وميزانٍ تحدّه القطرات، فلا تزيد قطرةٌ عمّا حدّده الله سبحانه ولا تنقص قطرةٌ، بل كلّ ذلك وفق نظامٍ دقيقٍ من حكيمٍ خبيرٍ عالمٍ بمصالح العباد والبلاد.

لقد سمّى الله نفسه باسم (الرّبّ) في آياته الكريمة، قال عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2].

والربّ: اسمٌ مشتقٌّ من صفة الرّبوبيّة، فلقد ربّانا وأنشأنا خلقًا من بعد خلقٍ، وربّى جميع العالمين بخلقه إيّاهم، وإنعامه عليهم بالنّعم العظيمة -ومنها نعمة المطر- وتنظيم معيشتهم وتدبير أمرهم، قال سبحانه: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النّمل: 60].

نعم: قد تقتضي التّربية آنًا أن يوسّع على عباده، وقد تقتضي آنًا آخر أن يشدّد عليهم فترةً محدّدة، لا لأنّ خزائنه نفدت أو نقصت، فخزائن الله ملأى، بل ليسمع تضرّعهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (قَالَ اللَّهُ عز وجل: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ). [ 2 ]

ولكن -وللأسف- فإنّ كثيرًا من النّاس يُقبل على الله عندما يرى النّعم تهوي عليه من كلّ جانبٍ، فإذا ما تحوّلت هذه النّعم عنهم وابتلاهم الله بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الثّمرات، تبرّموا وأعرضوا واعترضوا وتناسوا عبوديتهم لله، فهم عبادُ سوءٍ، بل هم في الحقيقة عبّادٌ لأهوائهم ومصالحهم، وهؤلاء ينطبق عليهم قوله جل جلاله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحجّ: 11].

خاتمة:

ينبغي علينا أن نعلم أنّه ما من شرٍّ في العالم ولا فسادٍ، ولا نقصٍ دينيٍّ أو دنيويٍّ، أو تأخّرٍ في نزول الغيث عن موعده المعتاد، إلّا وسببه المعاصي والمخالفات، كما أنّه ما من خيرٍ في العالم، ولا نعمةٍ دينيّةٍ ولا دنيويّةٍ، إلّا وسببها طاعة الله وإقامة دينه، لأنّ خزائن كلّ شيءٍ بيد الله، ولا يُنال ما عنده إلّا بطاعته، وما نزل بلاءٌ إلّا بذنبٍ، ولا يُرفعُ إلّا بتوبةٍ، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ * وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 21-22].

فالتّوبة التّوبة من التّقصير والغفلة، والشّكر الشّكر على نعم الله وآلائه، تُفلحوا وتنجحوا، وتستقيم أحوالكم وتصلحوا، {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].

ولنوقنْ بأنّ ربّنا حكيمٌ عليمٌ بمصالح عباده، لا يعاملهم إلّا بما فيه مصلحتهم وسعادتهم، علم هذه الحقيقة مَنْ علمها، وجهلها مَنْ جهلها.

ولنعلم بأنّ لحظات نزول الغيث من الأوقات الشّريفة الفاضلة الّتي تُفتّح فيها أبواب السّماء، ويستجاب فيها الدّعاء، لأنّها أوقاتٌ تتنزّل فيها الرّحمات، فحريٌّ بالمسلم أن يغتنمها، بأن يطلب قضاء حوائجه -وما أكثرها-من خالقه ومولاه، ولسوف يجد ربًّا كريمًا مجيبًا.

 

1 - صحيح البخاريّ: 846

2 - صحيح البخاريّ: 4684

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين