تجربتي مع العلاج بالطاقة

   قبلَ رحيلي عن بغداد في أوائل التسعينيات، قدَّر الله لي أن التقيَ رجلًا ستينيًا يزعمُ أنه واحدٌ من ستة أعضاء في جمعية الباراسايكولوجي العراقية، وجرى بيني وبينه حوارٌ وحدَثٌ عجيبٌ يستحقُّ التدوين، في تجربةٍ فريدَةٍ لم تتكرَّر في حياتي مرَّةً أخرى.

 

   أخبرنا في المجلس أنه عقيدٌ متقاعد، وأنَّ لديه موهبَةً ربانيةً وهي العلاج بالطاقة الكهرومغناطيسية التي تتولَّدُ في جسده، ويستطيع التحكمُ بها ونقلها إلى الأجسام الأخرى، ثمَّ تحريكها نحو العضو الذي يحتاج إلى معالجة، وأخبرنا أنه بدأ بتنمية موهبته وتطويرها في السنوات الأخيرة، حتى صار يعالجُ كافةَ الأمراض بلا استثناء.

وأنه سادسُ ستةٍ يجتمعون بشكلٍ دوريٍّ في قاعة خُصِّصَت لهم في جامعة بغداد، يمارسون تدريباتٍ خاصةً لتقويةِ التخاطُر عن بُعد، حتى أنه قال: كان الإرسالُ لديَّ قويًا والاستقبالُ ضعيفًا، ولكن بفضل هذه التدريبات تحسَّن الاستقبال شيئًا فشيئًا وهو الآن على ما يُرام!!

ثمَّ أخرجَ من جيبه بطاقةَ الأعمال خاصَّتَه، فيها اسمه وموقع عيادته ومعلومات تعريفية تفيد المراجعين.

لم يكُن الموضوعُ مقنعًا بالنسبةِ لي ولا للحاضرين، بل كنتُ أعلمُ أنَّ هذه الأحوال في ميزان العلم التجريبي لا قيمةَ لها، وفي ميزان الشرع لها عندنا تصنيفٌ آخر لم أُبدِه له أوَّلَ الأمر، ولكنِّي تظاهرتُ بموافقته لكي أستدرِجَه إلى ما أريد.

أخبرتُه بأني أشكو من قرحَة المعدة، فهل يستطيع معالجَتي بطاقته الخارقة؟!

قال: نعم، وبكلِّ سرور، وعلى الفور شمَّرَ عن ساعده الأيمن، ومدَّ إليَّ يدَه، وقال: ناولني يدَك.

لم أتردَّد في مدِّ يدي، وأخذنا وضعيةَ المصافحة، قلت: بسم الله، وأنا متحمِّسٌ للآتي.

قال لي: استرخِ وستشعُر بحرارة الطاقة الكهرومغناطيسية تنتقِلُ من يدي إلى يدِك حتى تصِل إلى معدتك فلا تنزعج.

قلتُ: حسنًا، وجعلتُ أنظرُ إليه، وأُحِدُّ النظرَ في عينيه.

فماذا كان بعدُ؟!

 

 كنتُ في أقصى درجات الهدوء والسكينة، وثقتي عظيمةٌ بحفظ ربي ورعايته من كلِّ أذىً يُمكن أن يَلحقَ بي، وسببُ ذلك أني ولله الحمدُ من المحافظين على الصلاة جماعةً في المسجد، لا سيما صلاة الفجر التي تجعَلُ العبدَ في ذمَّة الله، وكذلك أحافظُ على أذكار الصباح والمساء التي هي حصنُ المسلم الحَصين، ولي خبرةٌ لا بأسَ بها في التعامُل مع الحالات الشيطانية المختلفة.

 

  أمسَك الرجلُ بيدي وجعلَ يضغط عليها بتركيز، وجعلتُ أقرأُ القرآنَ في سرِّي، وهو ينظرُ في المكان من حولنا، ويلتفتُ يمينًا وشمالًا، وينظُرُ في كل اتجاه لكنَّه لم يستطِع أن يُثبِتَ عينَهُ في عيني، ذلك بأني مُذ وضعتُ يدي في يده تعمَّدتُ أن أصوِّبَ نظري إلى عينه بحدَّة، مع ابتسامةٍ لطيفةٍ فيها معنى التحدِّي، جعلَتهُ يتحاشى النظر إليَّ تمامًا!

 

  مضَت خمسُ دقائق تقريبًا والمشهدُ على حاله لم يتغير، ثم بدأتُ أشعرُ بالفعل بأنَّ حرارةَ يده تتصاعدُ بشكلٍ جنوني، وبدأت يدُه ترتعِشُ تدريجيًا، من كفِّه وحتى مرفقه، ثمَّ وصلت الرعشَةُ إلى كتفه، ثم صار جسمُه كلُّه ينتفِض وكأنه طائرٌ مذبوح، وقد احمرَّ وجهُه، وانتفخَت أوداجُه، وصار يتصبَّبُ عرَقًا بغزارة، وأنا على حالي أنظرُ في عينيه وأحرِّكُ شفتي فحسب.

إنَّ حرارة يده بلغت مبلغًا عظيمًا، لكنها لم تتجاوز كفَّ يدي ولله الحمد، بل شعرتُ بأنَّ شيئًا ما محبوسًا في كفِّه يندفعُ بحركةٍ ارتداديةٍ تصاعديةٍ نحوه جعلته في هذه الحالة المُزرية!

غيرَ أنَّ الحالةَ الأصعبَ كانت هي الفقرةُ التي لم تأت بعد!

 

 لقد ضاقَ نفَسُه إلى حدٍّ كبيرٍ جدًا حتى صار يرفعُ رأسه إلى الأعلى ويسحبُ النفسَ بصعوبة.

الرجل يختنق .. لونُه صار أقربَ إلى الزُرقة مع السواد!

ما الذي يجري يا جماعة؟

كأنَّ الرجُلَ يحتَضِر!!

ومن بين ضجيج الشهيق والزفير استطعنا أن نفهم بعض الكلمات؛

أرجوك .. توقَّف .. أرجوك .. سأموت.. سأموت!!

نزعتُ يدي من يده وتوقَّفتُ عن القراءة.

مضت بضعُ دقائق من الصمت في المكان، وبدأَتْ نفسُه ترتدُّ إليه شيئًا فشيئًا، وقبلَ أن تستقرَّ حالتُه، بادَرته بموعظةٍ عاجلةٍ فقلتُ له:

يا عمُّ، -أصلحك الله- إني والله مشفقٌ عليك مما أنت فيه، وإني طاوعتُك واستمعتُ إليك منذُ ساعةٍ ولم أتكلَّم، فأنا أرجوك الآن أن تستمع إليَّ لدقيقتين فقط، فوالله ما أُريدُ بك إلا الخير، وأنت بمقام والدي، ولعلنا لا نلتقي مرَّةً أخرى، عسى اللهُ أن يُنجيكَ من الهلاك.

يا عمُّ .. إن كنتَ تستطيع خِداعَ مئات الناس وألوفَهم بما تدَّعيه من تلك الطاقة المزعومة، فلن تخدَع نفسَك، لأنك تعلم الحقيقةَ في قرارة نفسك.

ليس هناك طاقة بالمعنى الفيزيائي تستحضِرُها بإرادتك، وتُحرِّكُها وتتصرَّف فيها كيف تشاء.

إنك تعلمُ كما أعلم أنَّ طاقتك المزعومة هذه ما هي إلا أحوال شيطانية، وإنَّ الشياطين لا تُقَدِّمُ لك الخدمات بالمجَّان، بل هناك ثمنٌ قد يكون باهضًا تدفَعه من حظِّ دينك ودنياك.

وإن أبيتَ الإقرارَ بهذه الحقيقة فاسمَح لي هذه المرَّة أن يكون الدورُ لي في إثبات أثر القرآن العظيم في إبطال الشعوذة والدجل الذي تأكلونَ به أموال الناس بالباطل.

لقد كنتُ أقرأُ القرآن في سرِّي فرأيتَ ما حدَثَ لك، أما الآن فسأقرأ بصوتٍ يزلزلُ كيانَ أعوانك ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه، بسم الله الرحمن الرحيم...

إلى هذا الحدِّ فقط استطعتُ أن أقرأ، أتدرون لماذا؟

لأني خشيتُ على نفسي من ارتكاب جريمةِ قتلِ شِبه العَمد!

لقد كادَت روحُه أن تُزهَقَ حقًا هذه المرَّة.

فقد أصابَه الخنَّاقُ حتى انقطعَ نفَسُه ولم يعُد يقوى حتى على أن يقول لي: أرجوك اسكُت، بل صارَ يُشيرُ إليَّ بيده يسكتُني.

لما عادَ إليه نفَسُه انفجَرَ باكيًا كالطفل الصغير، وصارَ الصمتُ يلفُّ المكان، هناك صوتُ بكاءٍ ونحيب فقط، ثمَّ بعدَ دقائق، انطلَقَ صوتٌ مرتَجِفٌ مع البكاءِ قائلاً: صدَقتَ يا ولدي، والله كلُّ شيءٍ قلتَه هو عينُ الحق والحقيقة.

ليس هناك طاقة، ولا موهبة ربانية، بل هي أعمال شيطانية استدرجَتنا بها الشياطين، ونحنُ كالخدَم عندهم، ونحسبُ أنهم خدمٌ عندنا.

يظنُّ الناسُ أني سعيدٌ في حياتي، ويغبطونني على مكانتي المرموقة، وهم لا يعلمون أنني من أتعس الناس!

دخلي اليومي مرتفع نسبيًا ولكن بلا بركة، ولا أعلم كيف يطيرُ المال!!

علاقتي مع زوجتي في خصام وشجار دائم، وأولادي مصابون بالاكتئاب، وبناتي كلهنَّ مطلَّقات، حتى سيارتي، انظر إليها كيف هي - أشار إلى مركبة قديمة متهالكة -كل يوم في مراكز الصيانة لإصلاح عطلاتها المزمنة.

لقد أصبحَت حياتنا جحيمًا لا يُطاق.

لقد تورَّطتُ مع هؤلاء الخُدَّام من الجنِّ ورطةً كبيرةً لا انفكاك منها، - وكان ينظُرُ خارج الموقع الذي نحن فيه - ويقول: إنكم لا ترونهم لكني أنا وحدي أراهم، إنَّهم قصار القامة، وهم يتقافزون أمام عيني ويتوعَّدونني لأني أخبرتكم الآن بالحقيقة.

 لقد حاولتُ التمرُّدَ عليهم أكثرَ من مرَّةٍ فآذوني إيذاءً شديدًا، فأعود إليهم صاغرًا.

قال: أرجوك يا ولدي أن تُساعدني على التخلُّصَ منهم، وأنا مستَعِدٌّ لكلِّ طلباتك، إن شئتَ أتيتُ إليك، وإن شئتَ استضفتك عندي، المهم أن أستريح من هذا العذاب.

 

    انتهت القصة عند هذا الحدِّ، وقد مضى عليها أكثرُ من ثلاثة عقود، فلا تسألوني ماذا حدث بعدها، لأنَّ العبرةَ منها قد تحقَّقت، وسرُّ الطاقة العجيبة قد انكشف، وخذلان الشياطين لأوليائهم وبراءتهم منهم هي طبيعتهم المعهودة، وأنَّ من يفسدُ في الأرض لا يُصلح الله عمله، (إنَّ الله لا يُصلِحُ عمل المفسدين)!!

وفوائدُ أخرى أحبُّ أن أتركها لكم لتستنبطوها وتشاركوها في التعليقات.

ودمتم بخير.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين