بقية السلف وزينة الخلف الشيخ أحمد علي طه ريان

توفي فجر يوم الأربعاء١٤٤٢/٧/٥ الموافق ٢٠٢١/٢/١٧ شيخنا ومولانا العلامة الولي بقية السلف وزينة الخلف عضو هيئة كبار العلماء وشيخ السادة المالكية بمصر المحمية الأستاذ الدكتور أحمد على طه ريان متأثرا بكورونا عن اثنتين وثمانين عاما قضاها في التعلم والتعليم ونفع المسلمين فانهد بموته ركن علم باذخ وجبل أزهري راسخ وورع يمشي على رجلين فرحمه الله رحمة واسعة وتقبله في الشهداء وأجزل مثوبته وأخلف الأمة خيرا.

ولد رحمه الله ببلدة الغربي قمولا، مركز الأقصر من محافظة قنا في ١٩٣٩/١/١٠م وحفظ القرآن بها صغيرا وبدأ تحصيله العلمي بمعهد بلصفورة الأزهري بسوهاج ، والثانوي بمعهد قنا الأزهري ومن مشايخه فيه العالم الجليل الفقيه الشيخ عبدالعزيز السيد والد شيخنا الدكتور د.أحمد عبدالعزيزثم تخرج في كلية الشريعة والقانون بالقاهرة عام 1966م وحاز درجة التخصص "الماجستير"عام 1968م ثم درجة العالمية "الدكتوراه" في الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون عام 1973م

وتدرج حتى رقي إلى درجة أستاذ عام 1985م.

انتدب رحمه الله عميدا لكلية الشريعة والقانون بأسيوط فرع جامعة الأزهر عام 1982م ورئيسا لقسم الفقه المقارن بنفس الكلية.

ورحل الشيخ وتنقل في الأقطار ينشر العلم ويفيد ويستفيد، فدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أربعة أعوام من عام 1977م إلى 1981م، و بجامعة أم القرى بمكة المكرمة خمسة أعوام من عام 1986 إلى عام 1991، عين عميدا لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الأحقاف بحضرموت اليمن في عام 1996/1997م ثم نائبا لرئيس الجامعة مع احتفاظه بعمادة هذه الكلية 1997/1998م ودرس بدبي بكلية الإمام مالك وبباكستان وبنجلاديش وغيرها.

وكانت الشيخ منصرفا إلى التدريس جل وقته فلم يكثر من التأليف ومن أهم كتبه وأبحاثه المنشورة:

1- بحث المسكرات وعلاجها في الشريعة الإسلامية

2- المخدرات بين الطب والفقه .

3- تعدد الزوجات ومعيار العدل بينهن في الشريعة الإسلامية .

4- سنن الفطرة بين المحدثين والفقهاء .

5- رخصة الفطر في سفر رمضان .

6- بحث الذبائح في مناسك الحج ، مصادرها ومصارفها .

7- كيف تهدم معالم الإسلام؟ نقض لكتاب : الاجتهاد حق أم واجب لحسين أحمد أمين .

8- إمام الحديث والفقه : مالك بن أنس .

9- عقد البيع من خلال نصوص الكتاب والسنة وآراء الفقهاء .

10- الأحكام المستفادة من أحاديث الأحكام .

11- ضوابط الاجتهاد والفتوى .

12- فقه الأسرة

وقد ترك وراءه مؤلفات وبحوثا لم تنشر بعد.

هذا وقد أكرمني الله فحضرت على شيخنا من عام ١٩٩٩ إلى عام ٢٠٠٤ بالجامع الأزهر بعض سبل السلام وبمضيفة الشيخ العدوي بعض الموطأ وبمسجد الدردير جل العبادات من كتاب أقرب المسالك الشرح الصغير للدردير فكانت دروسه بلسما للروح وغذاء للعقل لا نمل من النظر إلى وجهه الذي يشع منه النور كنا نحضر عليه قبل عصر الثلاثاء بساعة ونصف الشرح الصغير مع مراجعة حاشية الصاوي عند الحاجة وكان الشيخ يشتري لنا كوب شاي من بائع بقارعة الطريق فينشطنا فإذا اقترب موعد العصر خرجنا برفقة الشيخ نؤم الجامع الأزهر فنصلي فيه العصر ثم نجلس متحلقين حول الشيخ برواق الأتراك يشرح لنا أبحاث سبل السلام ويبدأ الدرس ويختمه بدعوات مباركات فإذا قام الشيخ من مجلسه بادرنا إلى تقبيل يده المباركة ورجعنا إلى بيوتنا كالملائكة.

لله تلك الأيام ما كان أطيبها..

كان الشيخ ذا همة قعساء في الجلد على التدريس يصرف فيه جل وقته من غير كلل ولا ملل فأقرأ كتبا كثيرة وخرج أجيالا عديدة وأعدادا من طلاب العلم غفيرة وكان لينا حليما بشوشا سهل العبارة تعلوه مهابة من غير تكلف زاهدا عابدا يقوم الليل كثير الذكر لله خلوتي الطريقة متمسكا بأهداب الشريعة ملتزما بالمذاهب الأربعة لا يتجاوزها متقنا للفقه المالكي.

عرض عليه منصب الإفتاء فكان يضع شروطا لا ترضاها السلطة الحاكمة فيصرف لغيره..إذا رأيته أنهضك حاله، وإذا تكلم دلك على الله مقاله مقبلا على شأنه، معرضا عن الدنيا وأهلها لم يؤيد الحكام الظلمة بربع كلمة ولم يخرج عن المنهج الأزهري الأصيل المتلقى بالسند المتصل جيلا عن جيل إلى مناهج ملفقة ترضي الحكام أو العلمانيين فكان ثابتا على رأيه في تحريم فوائد البنوك يراها عين الربا، وذات يوم إثر صلاة العصر كنت ثالث شيخنا الفقيد وشيخنا علي جمعة حفظه الله في عام ٢٠٠٣ تقريبا بالجامع الأزهر فعرض الشيخ علي على شيخه أحمد مسألة استفادة التائب كتاجر المخدرات من المال الذي حصله بالحرام ولم يعلم صاحبه على التعيين فكان شيخنا الريان يأبى ولا يرى له مخرجا إلا التخلص من الحرام.

وعرف الشيخ باستقامته على المنهج حتى صار قدوة في الصلابة على الحق مع لطف وأدب وغدا ملاذا يستمد منه القوة المستنصرون، وحنانا يأوي إليه المستبصرون في زمن مال فيه كثيرون ذات اليمين وذات الشمال..

رحم الله شيخنا وأعلى في الصالحين درجته وعوض الأمة في مصابها خيرا

عليك سلام الله شيخا وقدوة=ورحمته ما شاء أن يترحما

فما كان شيخي هلكُه هلكَ واحد=ولكنه بنيان قوم تهدما