الموقف النبوي من اجتهادات الصحابة وأخطائهم

التقديم للبحث:

إن تفسير تصرفات الناس بأحسن الوجوه، حين تكون تلك التصرفات تحتمل وجوها مُتعددة، بعضها جيد، وبعضها سيء، هو خُلق كريم، يجب أن ينتشر بين المسلمين، وخاصةً بين الإخوة والأصحاب وذوي الأرحام، لما فيه من المحافظة على جبال المحبة وتطبيق المنهج الرباني الذي يعلمنا إياه القرآن، وقد طبَّقه النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقا حسنًا في تعاملاته وعلاقاته مع الصحابة، والمواقف التي سجلتها لنا كتب السنة الشريفة والسيرة النبوية العطرة مليئة بتلك المواقف العظيمة التي تَدلُّ على كَرَمِ الخُلُقِ النبوي، وأنه صلى الله عليه وسلم كان متخلفا بأخلاق القرآن حَقَّا.

 

 

 

ومن خلال عرض تلك المواقف النبوية استطعنا استنباط أهم المسوّغات والمصالح المعتبرة التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يترك محاسبة أصحابه على بعض التصرفات التي صدرت منهم، ولا يُوبخهم عليها، ومن أهمها كون سبب التصرف هو الدهشة والحيرة، حتى يغيب عن ذهن الإنسان خُطورة ذلك التصرف، وبعض المواقف عُذر أصحابها بقصد تقريره صلى الله عليه وسلم لمبدأ الاجتهاد وتشجيع أصحابه عليه، أو أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد وجَدَ في ذلك التصرف تفسيرًا مقبولا بناء على حالة الصحابي الخاصة به، أو أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قدم جانب الإبقاء على هيئة صاحب التصرف من الصحابة، وخاصة إذا كان تصرفه ناشئًا عن غيرته على الإسلام وأهله، أو أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عَلِمَ من خلال بعض تلك التصرفات أنها ستكون سببًا في تشريع أو بيان حكم لأمرٍ مُستجِد مما يَهُمُّ الناس، أو أن يكون في ترك التعنيف والتوبيخ تقديم المصلحة العليا على المصلحة الأدنى، والهدف الأهم على الهدف المهم.

 

وأما إذا كان التصرف لا يمكن تفسيره بتفسير معقول مقبول، وليس فيه مصلحة معتبرة، فلا بد حينئذ من الإنكار والنهي عن تكرار مثل ذلك التصرف، عملا بالمبدأ الأصلي في النهي عن المنكر والتوبيخ على فعله، والدعوة إلى الإسراع لتركه فورا.


تحميل الملف