الموجز في التاريخ: قضية التحكيم

أورد المؤرخون في هذه القضية روايات كثيرة، كان في كثير منها افتراء عظيم على بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سعوا فيها، كعمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وغيرهم رضي الله عنهم، وكان فيها استغفالًا كبيرًا للأمة أيضًا، إذ لم يكن الخلاف بين علي ومعاوية على الخلافة البتة حتى تأتي الرويات وتقول: إن الحكمين اتفقا على خلع علي ومعاوية، وأن أبا موسى لما خلع عليَّاً استغل ذلك عمرو بن العاص بمكره ودهائه؛ فنصَّب معاويةَ خليفةً للمسلمين.

فلم يكن معاوية رضي الله عنه يرى نفسه ندًا لعلي رضي الله عنه أبدًا، ولم ينازعه الخلافة قط، بل كان يعلم فضلَه عليه، ويعرف له سابقَته في الإسلام، وأنَّه أحق بالخلافة منه، وأنَّه من العشرة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وأنَّه من الستة الذين جعل عمرُ رضي الله عنه الخلافةَ فيهم.

وإنَّما كان الخلاف بينهما على تسليم قتلة عثمان رضي الله عنه، وما تبع ذلك من معركة الجمل وصفين، وخوف الطرفين أن تفنى العرب فتغيرَ فارسُ على العراق، والرومُ على الشام؛ فتوقفوا للتحكيم، على أن يجتمعوا بعد عام في دومة الجندل، ريثما تهدأ النفوس، فرجع علي إلى الكوفة، ورجع معاوية إلى الشام.

ثم إنَّ عليَّاً رضي الله عنه انشغل بعد رجوعه إلى الكوفة بحرب الخوارج، الذين رفضوا مسألة التحكيم من أساسها، واعتبروها تحاكمًا إلى البشر، توقع صاحبها في الكفر، فكفروا عليَّاً رضي الله عنه وخرجوا عليه؛ لذا لم يحضر عليٌّ رضي الله عنه التحكيم في دومة الجندل، وحضره معاوية رضي الله عنه، ولكن التحكيم فشل؛ نظرًا لصعوبة حل الخلاف، وإصرار الطرفين على مواقفهما السابقة، وعدم حيازة الحكمين على قوى محايدة تنفذ القرار؛ فبقيت الأوضاع على حالها، عليًا خليفةً المسلمين، ومعاوية أميرًا على الشام.

وقد انبرى عليٌّ رضي الله عنه للخوارج يناقشهم ويجادلهم، ولـمَّا لم ينتهِ أكثرهم؛ قاتلهم رضي الله عنه، وانتهى القتال بهزيمتهم في النهروان عام: (38 هـ) (1)، ولكنَّ أتباعهم ما زالوا بعلي رضي الله عنه حتى قتلوه، قتله عبد الرحمن بن ملجم، وهو خارج لصلاة الفجر؛ وبايع أهل العراق بعده ابنه الحسن رضي الله عنه، آخر الخلفاء الراشدين.

دامت خلافة الحسن بن علي ستة أشهر وأيام، وتمت بخلافته الثلاثون سنة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك»(2)، لذا قال جمع من أهل العلم: إنه آخر الخلفاء الراشدين، ثم تنازل الحسن رضي الله عنه لمعاوية عن الخلافة، واجتمعت الأمة على معاوية في ذلك العام، الـ (41 هـ)، وسمي عام الجماعة، وبدأت مرحلة الدولة الأموية.

الهوامش:

(1) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 5/73، وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 7/275، وينظر: ابن العربي، العواصم من القواصم، مصدر سابق، 1/172 وما بعدها، وينظر: العمري، عصر الخلاقة الراشدة، مصدر سابق، 1/473 وما بعدها.

(2) الترمذي، سنن الترمذي، مصدر سابق، ص: 4/503.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين