‏المهندس عبد المجيد الشققي

 

إن شئت أن تطلق على هذا الإنسان الرائع أنه : (عالم بلا لحية ولا جبة ولا عمامة ) ، مع أنه مهندس زراعي.

لم تكن هناك صلة مباشرة تربطني به في حماة ، ولا أعرف عنه في البداية شيئاً عن اهتماماته العلمية والأدبية، ولكن عندما كنت آتي للمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم لأجتمع بالوالد - عليه من الله تعالى شآبيب رحماته - كان يدعوننا الدكتور مروان الشققي رحمه الله لبيته، وكنت أرى المهندس الأديب عبد المجيد من جملة المدعوين ، وكان يجلس بجانب الوالد ويسأله عمن يعرفه من علماء حماة الذين عاصرهم أو لم يعاصرهم : فكنت أرى المهندس أبا منير في حالة من السعادة والنشوة كمن التقط درة أو وقف على صيد ثمين ، ما كنت أعلم أنه يريد أن يجمع كتاباً حافلاً عن علمائها ، وبالفعل صدر بعد ذلك الكتاب بعدة مجلدات، وكان اسم الوالد رحمه الله ضمن التعريف ببعض هؤلاء العلماء.

انقطعت الصلة به تماماً ، وبعد سنوات أتيت المدينة المنورة وبقيت فيها عدة أسابيع، وفي آخر يوم وفي ليلة السفر وإذا بأخ حبيب جاء ليزورني ، وفي نهاية اللقاء قالل لي : هل قرأت كتاب : ( حماة : نهر ونواعير وأنين شوق وأشجان وحنين ) لأبي منير؟ فقلت له : لا، قال : سآتيك به هذه الليلة وأصوره لك، وبالفعل أتى به في ساعة متأخرة من الليل، وعندما عدت لدبي ، ولشدة شوقي لقراءة الكتاب مع أنني متعب من السفر، ولكن فتحت الكتاب ، وبقيت إلى الفجر وأنا أقرأ به ، وإذا بي أمام أديب ذواقة للشعر ، يعشق البيان ويطرب للكلمة البليغة الجميلة ، واسع الاطلاع على كتب الأدب والشعر والتاريخ .

في اليوم الثاني اتصلت بأخينا المهندس أبي منير : فعرَّفتُه بنفسي، وقلت له : ( ما كنت أدري أنك عالم مخبوء في أثوابك ، والكثير من العلماء لا يعرفونك، لقد بهرتني بهذا الكتاب الرائع والذي لم تترك فيه مقالة ولا قصيدة ولا نثرا كتبه العلماء والأدباء والرحالة بحماة وإلا وسطرته، وإني لأشكرك الشكر الجزيل على هذا الجمع الرائع الذي يعد تحفة أدبية أهديتها لحماة ولأهلها ومحبيها) .

وبعدها استمر التواصل فكان أول كتاب من كتبه أرسله لي كتابه: (العلامة محمد سعيد النعسان مفتي حماة ورائد نهضتها) وعندما وصلني هذا السفر المبارك بدأت بقراءته ، ولشدة تعلقي به لم أستطع النوم إلا بعد أن فرغت من قراءته كاملاً ، وعاودت الاتصال به فقلت له : ( أخانا الحبيب ابا منير لقد ذبحتني بغير سكين عندما قرأت ما كتبتَه في شيخك وعالم حماة ومفتيها، والذي لم يترك مجالاً من مجالات النهضة العلمية والاجتماعية والخيرية والمهنية إلا وسعى لأن يرقى بها بلدته الطيبة، وكم شعرت بقزامتي وحقارة شأني عندما أقارن نفسي بهؤلاء الكرام الذين بذلوا هذه الجهود المباركة بهمة لا تعرف الكلل).

وهكذا كلما ألف كتاباً أو وقف على رسالة جميلة أو قرأ قصيدة رائعة إلا ويتصل بي مشكوراً من المدينة المنورة يخبرني بها ، ويبشرني أنه سيرسلها لي في أسرع وقت.

والعجيب أن سائر كتبه ورسالاته كان يطبعها عن طريق الحاسوب بجهده الخاص وتصل لآلاف الصفحات ، وكلما وصلني كتاب من كتبه أقول له : ( يجب تقديمها لدور النشر لطباعتها، لا تحرم العلماء وطلاب العلم وأهل بلدك مما جاء فيها : ليعرفوا فضل علمائهم وقدر مدينتهم ) ، ويعدني بأنه سيحاول ، فرأيت فيه ذلك العالم الذي لا يريد بما يكتبه شهرة ولا مكانة ولا سمعة .

رحمك الله أبا منير فلقد فقدنا فيك الأخ النبيل ، والأديب الأصيل المتواضع الكريم .

توفي يوم الاثنين في 12 / جمادي الأولى / 1431 الموافق 26 / 4 / 2010 ، وصلوا عليه في المسجد النبوي ، ودفن في جنة البقيع.

وهذه بعض مؤلفاته :

1- العلامة محمد سعيد النعسان مفتي حماة ورائد نهضتها

2- حماة : ( نهر ونواعير وأنين شوق وأشجان وحنين) 

3- تراجم علماء حماة في القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر الهجري

4- الحرص على المال والمنصب آفاته وعلاجه ، جزءان ( 1-2 ) 

5- الكناش من ثمرات القراءة (1-2)

6- رسالة صغيرة : العلامتان الحمويان الشيخ محمد سعيد النعسان والشيخ محمد الحامد.