«المجتمع» ترصد معاناة أكثر من مليون لاجئ سوري في أربيل

 
 
 
أربيل: محمد صادق أمين
 
 
تشكل معاناة الشعب السوري المظلوم في المهاجر والملاجئ التي لاذوا بها صفحة سوداء من صفحات الثورة السورية، حيث عمد نظام «بشار الأسد» وعصابته إلى الانتقام من الشعب الذي طالب بحريته، من خلال إرسال الموت على شكل زخات مطر من الرصاص والأسلحة الفتاكة التي ألجأت الناس إلى الهروب إلى كل ملاذ آمن حتى لو كان في مخيم ذل، أو في عراء يجنبهم وأطفالهم الموت المحتم. تجاوز عدد اللاجئين المسجلين لدى الأمم المتحدة السبعمائة ألف، أما غير المسجلين فهم ضعفا العدد! حسب ما جاء على لسان المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين «سيبيلا ويلكس»، ونقلت «ويلكس» عن ممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان «نينيت كيلي» قولها: إن احتياجات اللاجئين هائلة والمفوضية غير قادرة تلبيتها وبالسرعة المطلوبة، وبينت أن «لبنان يستضيف 157139 لاجئاً سورياً إلى جانب نحو 69 ألفاً ينتظرون تسجيلهم، فيما تستضيف الأردن 167444 لاجئاً سورياًً مسجلاً، إضافة إلى 51729 لاجئاً ينتظرون التسجيل، بينما يوجد في تركيا 163161 لاجئاًً سورياً، يعيشون في 15 مخيماً بينما يستضيف العراق 77415 لاجئاً، كما يوجد في مصر 14312 لاجئاًًً إلى جانب 5417 مسجلين في باقي دول شمال أفريقيا». اللاجئون في كردستان العدد الأكبر من اللاجئين استقبله إقليم كردستان العراق، حسب ما صرح به د. ديندار زيباري مساعد مسؤول العلاقات الخارجية بمجلس الوزراء في حكومة الإقليم، فإن الإقليم استقبل 90%، من مجموع اللاجئين الداخلين إلى العراق، وأشار زيباري إلى أن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى حوالي سبعين ألف لاجئ، بينهم حوالي 50 ألفاً في دهوك، وفي أربيل أكثر من 14 ألفاً والسليمانية 4 آلاف. وقد استوعبت حكومة الإقليم اللاجئين في مخيمات مخصصة؛ ومع تزايد عدد اللاجئين لم تعد قادرة على استيعاب المزيد منهم، ولفتح المزيد من المخيمات، لذلك تم اعتماد آلية منح اللاجئين تأشيرات دخول إلى مدن إقليم كردستان الثلاث: أربيل، دهوك، السليمانية، وهو ما شكل عبئاً كبيراً على اللاجئين الذين هاموا على وجوههم في هذه المدن بلا مأوى، ولا عمل، ولا مقومات للحياة الكريمة، فعمد غالبيتهم إلى سكن هياكل منازل قيد الإنشاء في أطراف المدن. مجلة «المجتمع» رصدت معاناة اللاجئين في منطقة «بير كوت» على طريق «بن صلاوة» حيث يعمل مجموعة من شباب مساجد أربيل على جمع المساعدات العينية والمادية وتوزيعها في عمل فردي لا يحظى بأي دعم حكومي، ولا من منظمات المجتمع المدني. - أبو أحمد؛ لاجئ من مدينة حلب، يسكن في غرفة بهيكل منزل قيد الإنشاء، هو وسبعة أطفال أعمارهم متفاوتة، وحيث لا تتوافر الأبواب والشبابيك قام أبو أحمد بسد المنافذ بالبطانيات التي حصل عليها من أهل الخير، ورغم أني دخلت إلى هذا المسكن في وضح النهار فإن الظلام كان يلف الأرجاء، حيث سدت كل منافذ الضوء تجنباً للبرد، طبعاًًً لا وجود للكهرباء في هذا المنزل قيد الإنشاء، وثمة شمعة تكاد تنتهي تنشر القليل من الضوء، يقول أبو أحمد: «بعد أن هدم منزلي لم أجد أمامي سوى اللجوء إلى مدينة دير الزور التي تفاقم فيها الوضع لاحقاً، فهربت مع أطفالي باتجاه الحدود العراقية، حيث دخلت إلى إقليم كردستان العراق، وبما توافر لدي من مال قليل وصلت أربيل، ولجأت إلى هذا المنزل قيد الإنشاء، فأقمت فيه دون إذن صاحبه! - محمد الحلبي؛ لاجئ آخر يسكن بصحبة ثلاث عوائل أخرى في منزل قيد الإنشاء من طابقين، يقول: إنه استأجر المنزل من مكتب عقارات بمبلغ 600 دولار شهرياًًًً! ويؤكد أنهم دفعوا كل ما لديهم من مال لتأمين سكن شهر واحد وبعد الشهر يحلها الله حسب تعبيره، ويشير إلى أن «العوائل الأربع المكونة من 22 شخصاً تملك مدفئتين فقط قدمها لهم أصحاب الخير، وأنه في حال نفد النفط ومع عدم توافر المال سيكون لا مفر من تحمل البرد!». وعندما سألته عن أهم الاحتياجات الملحة قال: «نحتاج كل شيء، فلا طعام، ولا وقود، ولا غاز للطبخ في حال توافر الطعام». - السيدة أم مريم التي تسكن مع 7 من أفراد عائلتها في غرفة واحدة في مسكن قيد الإنشاء، حدثتني عن مرض طفلتها البالغة من العمر 4 سنوات، تقول: «إنها أخذت برداً بسبب ظروف السفر والمسكن الذي لا تتوافر فيه المدافئ، ذهبت بها إلى صيدلية قريبة طلباً للدواء، أكد لي الصيدلاني أن الطفلة بحاجة إلى طبيب بشكل عاجل»، وتقول أم مريم: «أنا لا أملك المال للذهاب إلى الطبيب، وأخاف على الطفلة من الموت» لم أملك إلا مشاركتها البكاء. جهود إغاثة شبابية: شباب مساجد أربيل رصدوا الحالة من خلال ملاحظتهم تكاثر أعداد السوريين الذين يتسولون في أعقاب الصلوات، وقال لي الشاب حيدر هوليري: «إنه تتبع أحد المتسولين، ووجده يسكن في هيكل منزل قيد الإنشاء في منطقة «بير كوت»، واكتشفت أن المنطقة تضم عشرات العوائل السورية في أوضاع تبكي العيون، وتحزن القلوب، برد، وجوع، ومرض، وإهمال». ويضيف: «وأنا أرى إخواناًًً لي في الدين هذا حالهم لم أملك إلا الذهاب إلى منزلي واستخراج كل ما قدرت عليه من متاع وطعام، ودعوت الجيران إلى ذلك، واستنفرت مجموعة من شباب مسجد الحي، فجمعنا ما قدرنا عليه وقمنا بالتوزيع على العوائل السورية». وأكد حيدر هوليري: «إن فرحة الأطفال والأسر بالمساعدات المتواضعة دفعتني إلى توسيع نطاق الحملة، فبدأت أتصل بالأقارب والأصدقاء، وشيوخ المساجد، ووجدت استجابة كبيرة». وهي مصاعب تواجه اللاجئين، أشار إليها ديندار زيباري مساعد مسؤول العلاقات الخارجية بمجلس الوزراء في حكومة إقليم كردستان العراق أن «هناك صعوبة بالنسبة للاجئين غير المقيمين بالمخيمات في الحصول على مسكن ملائم ومناسب يتناسب مع إمكاناتهم المادية، وقال: «لدينا أكثر من 30 ألف لاجئ سوري موزعين على مدن وقصبات الإقليم، وتعاني عوائل اللاجئين قلة الدعم الدولي لموضوع السكن والتكاليف الغالية وعدم إيجاد أماكن للمبيت؛ لأن عددهم يزداد يوماً بعد يوم، وأصبحوا الآن عبئاً حتى على المواطنين في الإقليم، كما أكد زيباري أن حكومة الإقليم تبذل كل الجهود لتأمين متطلباتهم، لكن المشكلة هي زيادة العدد يوماً بعد يوم». كما أضاف بالقول: «هؤلاء اللاجئون بحاجة إلى توفير خدمات صحية وخدمات تربوية، وتوفير فرص العمل لهم، ودعم برامج الاندماج وتأمين الاحتياجات الشتوية للمخيمات، وهذه كلها بحاجة إلى دعم دولي. قابلت الشاب نهرو من مصلى جامع هولير في منطقة هوكاري؛ بسيارته القديمة التي يجوب بها شوارع «بير كوت» الوعرة غير المرصوفة، حيث يوزع المساعدات على منازل اللاجئين، وقال لي: «لا أملك الكثير من المال، أو المتاع لتقديمها لإخواني السوريين، لكني أملك هذه السيارة القديمة التي جعلتها في خدمة الشباب، حيث نجمع بها المساعدات ونوزعها على المنازل». ويضيف نهرو: «نحن نقوم بهذا العمل الخيري، وأيدينا على قلوبنا مخافة تعرضنا للمساءلة من الأجهزة الأمنية في أربيل! فهذه الأمور التي تتعلق بجمع التبرعات وتوزيعها حساسة لدى هذه الأجهزة، ونحن نعلم ذلك، لكن إيماننا وديننا وشرفنا وأخلاقنا لاتسمح لنا بالوقوف متفرجين على معاناة هؤلاء الأبرياء، ووجه الشباب الناشطون فاعلو الخير نداءهم من خلالنا إلى كل قادر على تقديم العون والتبرعات من أفراد ومنظمات لمد يد العون إلى العوائل التي يفتك بها البرد والجوع. تجدر الإشارة إلى أن الدول المانحة تعهدت في مؤتمر عقدته بدولة الكويت بتقديم 1.5 مليار دولار لدعم اللاجئين السوريين، وطالبت حكومة إقليم كردستان المجتمع الدولي والدول المانحة إدراج الإقليم ضمن المنح الدولية؛ لأنها منذ عام 2012م، وإلى الآن لم تتسلم أية منحة دولية من الدول المانحة مباشرة، أو عن طريق حكومة العراق المركزية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين