القوة الإدراكية (الحواس )
رقم الدرس : 1 / 63
بسم الله الرحمن الرحيم
العقيدة تعد من أصول الإسلام، والإسلام فيه أصول و فروع، فالفقه من الـفروع والعـقيدة من الأصول، فإذا صحت العقيدة صح العمل وإذا فسدت العقيدة فسد العمل، فإذا اعتقدت مثلاً أن الله تعالى قبض قبضة وقال هذه إلى الجنة ولا أبالي وقبض قبضة وقال هــذه إلـى النار ولا أبالي والقضية انتهت، هذه العقيدة تثبط همة المؤمن فلهذا الحديث تفسير أيضاً.
فـالبحث في العقيدة مهم جداً بل هو خطير جداً وهذا لايعني أنني لم أبحث موضوعات العقيدة خلال مدة طويلة، بـل بحثنـاه مئـات المرات ولكن بمواضيع متفرقة في: الخطب، والتفسير، والحديث، والسيرة، وفي الدروس أما بحثها على شكل موضوعات متكاملة ومتتابعة فستبدأ الآن أول مرة.
* أولاً: وهي عبارة عن موضوعات تمهيدية في مصطلحات علم العقيدة وجاء في بعض الأحاديث الشريفة أنه من عرف نفسه عرف ربه، فنبدأ بالحديث عن النفس:
1- النفس.....هي التي بين جوانحنا والتي في الصدور قال الله تعالى:
وعن هذه النفس التي هي ذات الإنسان...... نتعرف بها أن الإنسان مخلوق من نوع خاص، فالكون كـلـه، مــافـي السموات ومـا في الأرض مسخرٌ له فإذا كان الكون كله مسـخراً له فأيهمـا أكـرم عنـد الله، الكـون بأكملـه أم هذا الإنسان الذي سّـخر لـه الكون بأكملـه، فـالعقل يقول المسخرُ له أكرم من الشـيء المسـخر، فقال الله تعالى عن الإنسان :
وأيضاً:
هذا الإنسان المكرم زوده الله بوسائل التكريم، ومنها:
2- القوة الإدراكية: فـللإنـسان قوة إدراكية فالحائط والطاولة والأحجار والأشـجار هـذه الأشياءلاتدرك، فالإنسان مميز ومفضل ومكرم بهذه القوة الإدراكية.
مثلاً: مجتمـع الـقرود منذ وجودهم على الأرض وحتى الآن، هل طرأ على حياتهم تطور ؟ فهل سكنوا في البيوت ؟ وهل اخترعـوا أجـهزة ؟ وهل نظموا مجتمعهم ؟ فالقرد هو القرد لم يتغير ولم يتبدل، فالفرق الجوهري بين الإنسان والحيوان هو القوة الإدراكية.
3- الإدراك: فـالإنسان إذا عـطل إدراكـه عطـل إنسـانيته، أي إذا عـطل إدراكـه جعل نفسـه فـي صف الحيوان، وهذا قول لا يحتمل المناقشة لشدة وضوحه، ولشدة تشعّب الموضوع، فلنبق في القـوة الإدراكـية التـي خصـهـا الله للإنـسان، والتـي يتميز بها عن سائر المخلوقات، ولاسيمـا الحيوان، و لها مشكلة، أنها عالة على العالم الخارجي والعالم الداخلي....... وهي مـن دون عالـم خـارجـي ومن دون عالم داخلي لا قيمة لها، حيث تتعطل وظيفتها.
العـالم الخـارجي: الله تعالى جعـل لنـا نوافـذ تطل عليه، فالبصر نافذة والشم والسمع والذق والإحسـاس بالحرارة والبرودة وكذلك الضغط وجميع الأعصاب والحواس هي نوافـذ القوة الإدراكية على العالم الخارجي، ولو تخيلنا أن إنساناً أوتي من الذكاء مالم يؤت أحـد من العـالمين وكان كفيف البصر فهل يستطيع أن يعـرف الـلون الأحمر وماالفرق بينه وبين اللون الأخضر وأيهما أجمل الأزرق أم البنفسجي - فنرى أن كـلمة أحمـر - وأخضـر - وأزرق - وبنفسـجي، وأبيـض وغيـره من هذه الكلمات، لا معنى لـها إطلاقاً عندَ هذا الكفيف، فهذه القوة الإدراكيـة تستعين بهذه النوافذ، لذلك ربنا عز وجل قال:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }البقرة171
إذ إن القوة الإدراكية تحتاج إلى سمع وبصر وإلى نطق فما دام أي كائن أصم، وأبكم، وأعمى فهو لا يعقل، وهنا نجد أن هذه الآية تشير إلى ذلك قال تعالى:
فهذا الذي خُلق أصـم اسـألـه ؟ هل صـوت البلبل أعذب أم صوت الغراب فيقول لك: لا أعلم، ومانوعه فهو لايدري لأنه لم يسمع صوت البلبل ولا صـوت الغراب ولا الشلال ولا الرعد إذاً: مهما كان متميزاً بالذكاء والنـوافذ المطلة على العالم الخارجي مغلقة فـالإدراك منعـدم. وشـيء آخر مهم جداً وهو: أن هذه الحواس، خلقها الله سبحانه وتعالى بقدَر، قال الله تعالى:
فإنـك عنـدمـا تريد شـرب المـاء تـراه صـافياً نقيـاً، فلو وضعت منه قطرة تحت المجهر لرأيت آلافاً بل مئات الإلوف من الجراثيم والبكتريات والـعصيات، إنك لونظرت إلى قطرة الماء تحت المجهر استحال عليك شرب الماء، فماذا تستنتسج..... ؟ إن هذه القوة الإبصارية محدودة فإنك تستطيع أن ترى الأشياء على بعد مائة متر أو مائتين ثم بعد ذلك لا ترى شيئاً، كذلك طبيب العيون يضع لك لوحاً على بعد خمسة أمتار أو أكثر فترى فتحـات الـدوائـر الكبيرة حتى تصل إلى الـحلقات الصغيرة فتقول له... لا أعـرف، ويضـع لـك عـلامـة 8/10 - 5/10 - 3/10 بحيث إنك لاترى أصغر من ذلك، إذاً القوة الإبصارية لـها حدود قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ، وحدودها من تقدير عزيز، عليم، خبير، بصير، حكيم، ولو زادت قوة الإبصار أكثر من ذلك لما رأينا في الأرض جمالاً ولا رأينا وجهاً صبوحاً، وبعـض الأمـاكـن في أنعـم جـلد بشـري تـرى جبـالاً ووديـاناً ونتوءات، وعندما تم تـكبير أنعـم جـلـد بشـري تحت مجهر يكبر 300000 مرة كان المنظر لا يُحتمل، فلو أن هذه العين كـانـت قـوة إبصـارهـا أكبـر ممـا هـي عليه لما كان في الأرض جمال ولا أحبَّ أحد أحداً، فقوة الابصار المحدودة تعتبر نعمة من نعم الله عز وجل.
الهواء مثلاً يحتوي على صور، ومن يرى تـلك الصـور ؟ والـدليـل علـى ذلـك فـي أجهزة التلفزيون الذي يلتقط الصور التي لا تستطيع عيناك أن تراها.
والفضـاء مملوء بالصور، فقوة الإبصار محدودة وكذلك الهواء مملوء بالأصوات.
فالبث الإذاعي في العالم العربي متعدد وكل هذه الإذاعات أمواجها الصوتية مبثوثة في الفضاء فجهازالمذياع يلتقط هذه الأصـوات أمـا الأذن فلا تستطيع ذلك، وهذه من نعم الله عز وجل فلو كانت الأذن أو الـسمع غير محـدود لسـمعت كـل الإذاعـات دون أن تـدخل إرادتك في أن تسمع أو لا تسمع، أي إذاعـة تبـث موجـاتـها الصـوتية، إن الله عـز وجـل مـن حكمته جعلنا لا نستطيع أن نسمع تلك الأمواج الصوتية، فلنفرض مثلاً لـوكان هنـاك سـوق مليء بالضجيج أو كان كل شيء على وجه الأرض يسمعه الإنسان لكانت حيـاته مـستحيلة فتصـور أنـك تسمع أصوات أمواج البحر وكل محرك يعمل وكل انفجار وكل صـوت فـي الـكرة الأرضيـة مـن شمـالها إلى جنـوبها ومن شـرقـها إلى غـربها ومهما دق ذلك الصوت !!
ولـو تفكـرنا بذلك لعرفنا حكمة الله ولعرفنا نعمته في جعل السمع لدينا محدوداً ولتبين لنا معنى الآية الكريمة: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ .
فالموجة الصوتية عندما تضعف وتتلاشى، هذه نعمة كبيرة لاتقدر بثمن.. الدليل: هناك موجة لاتتلاشى... فهم بعثـوا مـركبة إلـى المشـتري تسـير بسرعة 40000كم في الساعة وهي أسرع مركبة صنعها الإنسـان وبقيـت فـي مسـيرهـا إلـى المشتري ست سنوات وهو أحد كواكب المجموعة الشمسية، ومـع ذلـك من هناك بثت صوراً إلـى الأرض هذه الصور بثت على شكل أمواج وهذه الأمواج بقيت على حـالتـها، وسـعة المـوجـة لم تقل، إذاً الله قادر على خلق موجات تحافظ على سعتها ولـو أن المـوجـات الصـوتية التـي في الأرض بقيت محافظة على سعتها لأصبحت الحياة على وجه الأرض مستحيلة.
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ: وهـكذا الســمع والبصـر والشـم، فالشـم محـدود أيضـاً فـلو أن الإنسـان يشـم الروائـح الكريـهة لمســـافـات بعيـدة كرائحـة دابـة ميتة فـي بلد آخر فتصبح الحياة في بلدك مستحيلة ولكن حكمة رب العالمين إذا كانت رائحة كريهة على بعد 200 م فإنها تنتهي وتتلاشى، فـراكب السـيارة قد يشم رائحة كريهة في طريقه، وبعد لحظات يبتعد عنها وتنتهي الرائحة، إذاً هنـاك محـدودية للحواس فأول شيء للقوة الإدراكية تحتاج إلى نوافذ تطل على العالم الخارجي، وهـذه النـوافـذ لحكمـة بالغة ولرحمة وخبرة بالغة جعلها الله محدودة. ولكن مادامت الحواس محدودة - كما تبين سابقاً - فهل ننكر الأشياء الغير محسوسة فمثلاً هناك أجهزة تطرد البعوض والذباب بواسطة أصوات يصدرها الجهـاز تزعج البعوض والذباب ولكن لا يسمعها الإنسان وتكون هذه الأصوات - دون عتبة السمع -، كمـا أن هنــاك أجهـزة حـديثـة لـلقوارض تصـدر أصـواتاً لا يسمعها الإنسان ولكن القوارض تســمعها، فـإذا سـمعه هـرب، ويسـتخـدم فـي المستودعات، فهذه الأصوات التي هي دون عتبة السـمع هل يجـوز للعـاقل أن ينكـرهـا لعدم استماعه لها، فتقول: إذاً إن الحواس محدودة لدى الإنسان وهـذه النقطـة هي التـي يجـب أن نصـل إليـها وقد قال عـلماء التوحيد : " عدم الوجدان لايدل على عدم الوجود ".
وهنـاك أجهـزة تـلتقط الصور التي لا نراها فهل تستطيع أن تنكر ذلك فإذا قال أحد: إني لا أرى الله، فأيـن هو ؟ فـتقول لـه إنَّ هذا هو الغباء والجهل بعينه ذلـك لأن عـدم الوجـدان لا يعني عـدم الـوجود ولأن حواسنا محدودة لحكمة بالغة ونستنبط من ذلك أيضاً بأن الشيء الذي لانراه يمكن أن يكون موجوداً ويمكن أن يكون وجوده أخطر من وجودك أنت لكنك لاتراه.
ومـن ينكـر مثلاً أن هناك قوة جذب بيـن الأرض والشمس حسب قانون الجاذبية فهناك تجاذب بين الكتل المادية بحسب حجم الكتلة ومربع المسافة بينهما فكلما كبرت الكتلة زاد الجذب وكلما صغرت قل الجذب.
فهل تسـتطيع أن ترى القوى التي تربط الأرض بالشمس ؟ طبعاً لا تراها إذاً فهل تنكرها أيضاً لا، " فعدم الوجدان لايدل على عدم الوجود " هذه إذاً حقيقة مسلم بها.
مثال: معلم أراد أن يـبث الإلحـاد فـي طلابه فقال: نحن لم نشاهد الخالق فإذاً هو غير موجود، فقام طفل وقال لهذا الاستاذ: نحن جميعاً لا نرى عقلك الذي تفكر به إذاً أنت لا عقل لك، إن قياساً على هذه القاعدة الواهية أن العقل لا يُرى ولكن نرى آثاره مثلاً إذا سار أحد الناس في الطريق بلا ثياب فأين عقله نقول بـأنـه لا عقـل له والدليل تصرفاته فالعقل لا يرى بالعين، وهذا شـيء آخـر فـي الـقوة الإدراكية،
و إنك تكوِّن بعض الحقائق من العالم الداخلي ذلك لأن النفس تغضب وتـخاف وترجو وتفرح وتحزن وتقلق وتستكبر، هذه المشاعر يدركها الإنسان عن طريق العالم الداخلي وليـس عـن طريق العالم الخارجي إذاً هناك نوافذ داخلية ونوافذ خارجية، كالبيوت مثلاً قـد يـكون لـها نـوافـذ تطـل عـلـى ساحة البيت وهناك نوافذ تطل على الشارع، كذلك الإنسان له نوافذ تطل على العالم الخارجي منها يكون مدركاته وله نوافذ تطل على العالم الداخلي ومنها يكوّن أحاسيسه.
4-الخيــال: ما هو الخيال ؟ هو القدرة علـى التصور، أحياناً يتصور الإنسان أن له بيتاً يطل على حديقة على جنبيها أشجار سرو وأشجار مثمرة متنوعة وهناك مسبح وورود........ وفـي الـحقيقـة لا يـوجد عنده أي شيء من ذلك فما هذا الخيال ؟ الخيال كما قلنا هو القدرة على التصـور فـلو قلنـا لإنسـان تخيـل أن لك بيتاً فإنـه يتخيل مسكناً له سقف وجدران وأرض، فهل يسـتطيـع أن يتخيل غـير ذلـك وكـذلـك لـو قلنـا لـه تصور حورية نصفها امرأة ونصفها سـمكة فـإنـه يسـتطيع تصور ذلـك لأنه يعرف المرأة ويعرف السمكة فيتصور ذلك. فالسمكة موجودة والمرأة موجود، وحدد تصوره أنه جمع بين المرأة وسمكة فالخيال البشري لايستطيع أن يخلق شيئاً من لا شيء إنما يستطيـع أن يـخلق شيئاً من شيء فمثلاً من الممكن أن نتخيل شجرة لها أوراق وتحمل بدل الثمـار كـؤوساً من شراب التفاح مثلاً فالكؤوس موجودة وشراب التفاح مـوجود، وأيضـاً لو تخيل أن حيــواناً طـولـه 30م فهناك حيوانات طولها 30م مثل الحوت والـخيـال فـي الـحقيقـة مـرتبط بالواقع فأحياناً يتصورون إنسان المريخ فلا يزيدون على أن له رأساً وجـذعاً وأيـدٍ وأرجـلاً إلا أنـه قـد يغيـر مـوضع العينين أو يكبر الرأس قليلاً أو قد يغير بشكل الأيدي والأرجل فهل يستطيـع الإنـسان أن يتصور رجـل مـريخ من دون رأس ورجليـن،
وهنـا تبرز نقطة هامة أيضاً، إذا كنت لا تستطيع أن توجد صورة خيالية من لا شيء فكيف بإمكان الإنسان أن يتخيل الجنة وهو لم يرها، فالخوض في الغيبيات ليس من العقل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله عز وجل
"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) "
(صحيح البخاري)
فـالخيال يـجب أن لا يجول في العالم الآخر وذلك لأن الخيال لا يأتي إلا لشيء من شيء أما من الجنة فلانرى منها شيئاً وقد قال العلماء:
" نحن نكتفي بعالم الغيب بالخبر الصادق الذي ورد في كتاب الله "
لا أقل من ذلك ولا أكثر فإذا كـنت عـاجـزاً عـن تخيـل الجنة فهل تستطيع أن تتخيل ذات الله عز وجل لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" تفكروا بالمخلوقات ولاتفكروا في الخالق فتهلكوا ".
فــعقلك مـربـوط بـحواسـك، وخيـالـك مرتبط بالواقع ولن تستطيع التجاوز، وهذا الكلام يراد منه أن العقل أو الفكر البشري عندما يعجز عن الوصول إلى شيء فهذا لا يعني أن الشيء غير موجود ولكن العقل الذي وهبنا الله إياه له طاقة محدودة لحكمة بالغة أرادها الله عز وجل مثلاً: ميزان يزن 30 كغ تضع عليه سـيارة فينكسر ويتحطم فهل نقول إن هذا الميزان ليس جيداً، لا بل هو ميزان جيد ولكن تخصص إلى الأوزان التـي لا تـتجاوز 30 كغ وليس لسيارة. من هذا المثـل يتضـح لـنا أن الإنسـان عندمـا يكلف عقله فوق طاقته ثم يخفق فالخطأ ليس في عقله بل في سوء اسـتخدام العقل، لأن العقل مربوط بالواقع، والواقع فيه زمان ومكان، مثلاً يقال إن هناك جريمة وقعت فنقول مباشرة متى وأين فالعقل البشري ليس عنده إمكانية في أن يتصور حدثاً إلا ولـه زمـان ومكـان ولـكـن الخـالـق ليـس كمثلـه شيء لا يسأل عنه أين هو لأنه خالق المكان ولا يسـأل عنه متـى كـان لأنه خـالق الـزمان فكلمة متى وأين في حق الله مسستحيلة لأنه خالق الـزمان والـمكان فعدد السـنين هـذه مـن اختصـاصنـا أما بالنسبة له فالزمان صفر لا يقيده زمان ولا مكان.
وشيء آخر، فالكون غير محدود ولكن العقل لابد من أن يـكون محدوداً فأبعد مجرة توصلوا لها تبعد 18000 مليون ســنة ضوئية وقد يكـون هنـاك مـجرات أخـرى وبالنهايـة فالكـون غير محـدود ولكن العقل كيف يستطيع أن يدرك اللامحدود وهو الله عز وجل لذلك قال:
ويقول الإمام الشافعي: " إن للعقل حداً ينتهي إليه كما أن للبصر حداً ينتهي إليه "، والإمام الغزالي يقول: " لاتستبعد أيها المتكلف في عالم العقل أن يكون وراء العقل طور قد يظهر فيه مالا يظهر في العقل ".
ولـذلك فالـكرامـات مـوجـودة ولـكن الـعقل بصددها محدود الزمان والمكان فلا يمكن للعقل إدراكه ولكنه موجود مثلاً. قال الله تعالى في كتابه العزيز:
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، هـذا عـن عـرش بلقيس فكيف يتصور العقل ذلك، تصور أنك تريد أن تنقله فعلاً فكم تستغرق من الوقت والجهد ومقدار الإمكانيات اللازمة لذلك.
فهنـاك أشـياء مـوجـودة ولكـن العقـل محـدود فـالإنسان العاقل يعقل الحقائق التي ذكرناها سابقاً " عـدم الـوجدان لايدل على عدم الوجود" إذاً إن الفكـر البشـري محدود بالحواس والحواس محـدودة وخيـاله يمده من الواقع والواقع محـدود فـأنـى لـهذا الفكـر البشـري المـحـدود بالحواس والحـواس يحـدهـا الواقـع وأنـى لهذا الخيال البشري المحدود بالواقع والواقع مـحدود أن يـدرك الـلامحـدود، إذاً معرفة الله لا تـكون إلا من معرفة آثاره فقط ومعرفة ذاته مستحيلة، ومعرفة الذات كما لو وضعت ورقة رقيقة جداً في فرن لصهر الـحديد وقلت ماذا حل بها، فالإنسان عاجز عن معرفة ذات الله.
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ: ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أحـاديثه " إذا ذُكرالقضاء والقدر فأمسكوا "
أي لا تبحثوا كثيراً في ذات الله عـز وجل وبعلمه فهو يعـلم بلا كيف وهذا اختصار للبحث فـي علـم الله الـذي لا يمكـن أن يدركه عقـل أي إن هنـاك أسئـلة خـطيرة فـي العـقيدة ينبغي أن نقف عندها ونقرأ:
وإذاً هنـاك مـوضـوعـات مـن اختصـاص الـفكر البشـري وهناك موضوعات فوق الفكر البشري يجب عدم الخوض فيها أولاً وإذا عجز الفكر عن إدراكها لا ينبغي أن ننكرها لأنه كما قلنا: " عـدم الـوجدان لايدل على عدم الوجود "
والخــــــلاصـــــــــــة:
إن قوة الإدراك في الإنسان مما كرم الله الإنسان بها ؟
والحمد لله رب العالمين.
رقم الدرس : 1 / 63، لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي
رقم الشريط : 01/ 101
تاريخ الدرس : 14 / 9 / 1986.
موضوع الدرس : القوة الإدراكية: وهي بحاجة لعالم خارجي وداخلي بينهما قنوات ( الحواس )
محدودة.
تفريغ : السيد وسام عودة.
تنقيح نهائي : المهندس غسان السراقبي
مراجعة الشريط مع النص : السيد أحمد عودة.
تدقيق لغوي : السيد محمد موسى حلوم
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول