القرآن والكون: (الإسلام والنظر في آيات الله الكونية)

التقديم للكتاب:

أبدع الخالق الحكيم هذا الكون الهائل العظيم من عدم محض، ونسقه ونظمه، فجاء كوناً معجزاً في توازنه وانسجامه وإتقانه، وربطه فاطره وسيَّره بسننه الثابتة الراسخة التي لا تتبدل ولا تتحول، ولا تضل، ولا تتوقف، ولا يحيط بكنه جميع السنن إلا خالقها ومدبر أمرها سبحانه وتعالى.

وهذه السنن حاكمة - بإذن الله - للكون كله: أشيائه. ونباتاته، وحيواناته وإنسانه من الذرة والخلية إلى المجرة والسديم والفضاء الكوني الممتد، الذي لا يعلم مدى سعته وامتداده إلا الله تعالى.

وهذه السنن هي التي يطلق عليها العلماء: اسم القوانين أو الحقائق أو العلائق العلمية، وهي التي دعا الخالق سبحانه الإنسان كي ينظر في أرجاء الكون وأمدائه وأنحائه وآفاقه، ويستمع، ويتأمَّل ويتدبَّر باحثاً عنها مستكشفاً لها.

حثَّ الخالق الإنسان، وحفزه واستجاش همته. إلى النظر والبحث والملاحظة والتجريب، بغية الاهتداء إلى آيات الله وسننه في الكون ليحقق غايتين عظميين هما:

1) أن يتبين للإنسان من خلال النظر والتدبر والتأمل في آيات الله - أن الله هو الحق الواحد الخالق المبدع العظيم، وأن يتعرف الإنسان على هذه السنن كي يسخرها لنفعه في الكون، ويوظفها في تثمير حضارته، وتنمية تقدمه فهذا الكون العظيم مسخر للإنسان، مذلل له، لكن هذا التسخير ليس على طريقة: كن فيكون، لكن بالتعرف على السنن والخواص والحقائق التي بينها الخالق الحكيم في كونه: ولن يتحصل له هذا إلا بالنظر والبحث والتدبر.

وهذه النظرات التي نسوقها حول بعض آيات الله في الكون، إن هي إلا تجاوب مع روح الدعوة القرآنية الكريمة للإنسان بالنظر والبحث في مجال الكون، في الآفاق والأنفس.

ولقد وعت الأمة المسلمة - في عصورها الثرية المزدهرة - وعت توجيهات ربها بالنظر والتفكر والتدبر والبحث. وتفاعلت مع هذه الهدايات الربانية، فأثمرت أعظم النتائج وأنفعها وأجداها ولم تعرف الأمة - في عصورها المثمرة - هذا الفصل الحاد، وهذه البينونة التامة بين ما نطلق عليه - اليوم - دراسات علمية تجريبية، ودراسات إنسانية، وإنا لندعو إلى عدم الفصل التام بين هذه الحقول العلمية؛ حتى لا يفوت على المسلم القدر اللازم والضروري من المعرفة بخلق الله وبآياته في الآفاق والأنفس وإن سلفنا الصالح لم يعرف هذا الفصل الحاد بين العلوم النظرية والعلوم التجريبية. فكنت تجد فيهم الفقيه الطبيب والمحدث الفلكي، والجغرافي المفسر، هذا مع دراية جيدة بأهم مسائل هذه الحقول، ومع الربط بينها في تكامل وتوازن.

وإن الكون كتاب مفتوح، ونحن مدعوون - دينا - للنظر فيه، والتبصر، والتفكر، ولعل في هذه النظرات - المحدودة المتواضعة - عاملاً إيجابياً فاعلاً في الإيمان وتثبيت ركن العقيدة.. والله الموفق والهادي وحده.


تحميل الملف