التعريف بالبحث:
موضوع القدس وفلسطين بقي حيًّا في قلوب الشعوب الإسلامية رغم تتابع الحوادث والأزمات الدولية والمآسي والفواجع التي عاشتها هذه الشعوب، وما ذلك إلا دليل على قدسية هذه القضية وتأصلها في نفوس المسلمين.
إن أطماع الصهيونية في فلسطين بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر؛ فقد رسم هرتزل للمجتمع اليهودي الخطة، وحدد له الهدف بكتابه دولة إسرائيل، بما قام به من اتصالات مكثفة مع الدولة العثمانية، والدول الأوروبية، وبخاصة بريطانيا أواخر القرن التاسع عشر، من أجل تحقيق غايته المنشودة، في ظروف كان يهود أوروبا الشرقية وبخاصة روسيا بعد اغتيال القيصر، يضيقون بإقامتهم في البلاد التي انتشروا بها، ويشعرون بالخوف والهلع، ويتوقون إلى أن يتجمعوا بوطن لهم متميز يكون خاصًّا بهم وهو فلسطين، كما زينت لهم ذلك الحركة الصهيونية، وساعدتهم عليه بريطانيا العظمى ولما تحمله هذه الجملة الأخيرة من دلالات، وتوحي به من أفكار وآراء، بل من تصرفات وحركات..
أثارت قضية فلسطين الإسلامية نزاعًا حادًّا، وصراعًا شديدًا بين المسلمين والمسيحيين سكان البلاد الأصليين وغير الأصليين، وبين الطوائف والفئات المهاجرة إليهم والزاحفة عليهم في ديارهم. وطبيعي أن تترتب على ذلك أجواء من الظلم والعسف والإرهاب والاعتداء، منها نهب الأراضي، واغتصاب الممتلكات، ورمي السكان الآمنين بالقنابل العنقودية، واستخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة، والقيام بحملات من الاعتقال والتعذيب، واقتحام المسجد الأقصى على المصلين، وتدمير مسجد حسن بك بيافا، ومسجد الشيخ جراحا بالقدس، والهجوم المسلح على الجامعة الإسلامية بالخليل، ونحو ذلك من الأعمال الوحشية الإجرامية.
والقدس لم تكن إلا تعبيرًا صادقًا عن تعلق الأرض بالسماء، والإنسان بالقيم، والجهاد بالألم، واختصارًا لطيفًا لمعراج الرسالة، ووحدة الأديان، والأمل بالسلام، وخلاص الإنسان..
وهذه المعاني القدسية الشريفة التي تجيش بها نفس كل عربي عاش بهذه الديار، وانتسب إليها، لهي تلك التي استهدفها الاحتلال الصهيوني والاستعمار اليهودي من نحو قرن، من أجل إذابتها والقضاء عليها. والأمر غير عسير ما دامت الإجراءات والوسائل تتخذ في كل يوم لتأكيد هذا الاتجاه الإسرائيلي الحاقد من غير بصر رادع أو سلطان وازع.
وهي التي من أجل حمايتها والحفاظ عليها وتخليدها وصيانة الوطن والهوية مارس الشعب الفلسطيني ويمارس في أمسه ويومه وغده كل ألوان المقاومة والجهاد على جبهات متعددة.
فمن مظاهرات ومصادمات يقوم بها هذا الشعب العربي الفلسطيني احتجاجًا على السياسة البريطانية والأنظمة الصهيونية إلى إعلان عن رفضه الصريح لإقامة الوطن القومي لليهود ببلد فلسطين، ومن مواجهات دامية لاعتداءات اليهود على مدى سنوات 1929 م - 36 - 48 - 49 - 67، وقيامه أثناء ذلك بمعارضته لقرار التقسيم وللإعلان عن قيام دولة إسرائيل، ودخوله الحرب مناهضًا ومجاهدًا من أجل تحرير وطنه في سنوات 1956م - 67 - 73، إلى إنشائه منظمة التحرير الفلسطينية، وظهور الانتفاضة يساندها تكافل الفصائل السياسية والقوى الشعبية.
ومن يرد أن يلم بأنواع الصراعات، وأسرار النزاعات، وأشكال المواجهة، وصور التحديات يعد أولًا إلى دراسة الوقائع والملابسات - فإن هذا البحث لا يتسع لمثل ذلك -ويتتبع ثانيًا - إن شاء - في مسيرة هذه الحلقة الأخيرة من تاريخ الشرق الأوسط وفلسطين التي تمتد على مدى نحو قرن أو يزيد كل المواقف العدوانية من جهة، والمواقف الجهادية من جهة أخرى. فإذا هي كلها بارزة بعناوين من نار ونور؛ فهي متمثلة في: وعد بلفور، وقرار التقسيم، والقدس، والتدويل، والسيادة، والسياسة التوسعية للاستعمار اليهودي قبل (67) وبعدها، ومتلمسة في التفاف المجاهدين حول مقدساتهم، يذودون عنها بأموالهم وأنفسهم، وفي قيام منظمة التحرير الفلسطينية الجامعة لشملهم والممثلة لهم، المتكلمة بلسانهم، وفي الحركات الجهادية الأخرى كالـ انتفاضة وغيرها، وفي مواقف التفاوض المرن من أجل السلم بما يكشف لدى هؤلاء عن بطولات مجيدة في المجالين العسكري القتالي، والتفاوضي السياسي.
وهذا البحث يعنى بالأعمال والقواعد الأساسية للاحتلال الصهيوني للقدس ولفلسطين. فقد كان الاحتلال والإرهاب بجميع صوره وأشكاله مدعاة لنزوح المواطنين عن ديارهم، واضطرارهم إلى طلب اللجوء إلى البلاد المجاورة خارج بلادهم. وبقدر ما تخلو البلاد من ساكنيها، والأوطان من أبنائها تتهيأ أسباب أكثر للهيمنة والحكم والتصرف المطلق في الأراضي المنتزعة، وتتوفر للعدو فرص جديدة للتوسع الاستعماري وللاستبداد بكل شيء، واستغلال كل شيء، ويمضي المحتل الإسرائيلي - ليثبت أقدامه، ويدعم وجوده وسلطانه - في سلوك المنهج الأقسى والأنكى والأشد ظلمًا وخطورة، معتمدًا في سياسته الاستعمارية القمعية القواعد الثلاثة التي ترسمها في تحركاته كلها في فلسطين والقدس والبلاد العربية المجاورة؛ وهي: الهجرة والاستيطان والتهويد.
تحميل الملف
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول