القائد المغولي الكبير تيمور لنك

 

 

حدث في التاسع عشر من شعبان 807

 

في التاسع عشر من شعبان من عام 807 توفي، عن 79 عاماً، القائد المغولي الكبير تيمور لِنك بن ترغاي بن أبغاي، وكانت وفاته في أترار، بليدة قرب شيمكنت في جنوبي كازخستان، ثم نقل منها إلى سمرقند حيث دفن بعد حياة حافلة بالغزو والخراب والقتل، وأسس الدولة التيمورية التي امتدت من الهند إلى البحر المتوسط، وكان فيها كثير من الجوانب الثقافية التي بناها على أنقاض ما هدم من دول ومحى من مدن. وتيمور هو اسمه، ويعني الحديد، أما لِنك فهي كلمة تعني الأعرج أو الكسيح.

 

ولد تيمور سنة 728 في بلدة تسمى كش جنوبي سمرقند، في دولة الجغطاي Chagtai التي أسسها جغطاي ابن جنكيز خان، وكان سلطانها يشمل كشغر وأغلب المنطقة التي تحتلها دولة كازخستان اليوم، ويسميها مؤرخو المسلمين بلاد ما وراء النهر، وقبيلته البرلاص قبيلة مغولية تتركت وأسلمت واستوطنت وراء النهر بعد أن شاركت في الحملات المغولية التي شنها جغطاي ابن جنكيز خان.

 

وتحيط كثير من القصص بأصله ومولده وسيرته، وهي دون شك من الشائعات السياسية التي يلجأ إليها الطغاة لرفع معنويات البسطاء من الأنصار ولتخويف الأعداء، ومنها أنه رؤى ليلة ولد كأن شيئاً يشبه الخوذة تراءى طائرا في جو السماء، ثم وقع إلى الأرض فتطاير منه جمر وشرر حتى ملا الأرض. ومنها أنه لما خرج من بطن أمه وجدت كفاه مملوءتين دماً، فتنبأوا أنه يسفك على يديه الدماء. ومنها أنه كان ببلدهم عابد يقال له شمس الدين الفاخوري، ولأهلها فيه اعتقاد زائد، فزاره تيمور، وأهدى له ماعزاً، وقعد بين يديه فسأله أن يدعو له بأمور يتمناها، فدعا له بأن تقضى حاجته، فكان لا يتوجه إلى جهة فيرجع خائباً.

 

وتقول الروايات الموثوقة إن والده كان زعيم قبيلة برلاس وأمير منطقة كش، وإن أمه من ذرية جنكيز خان، وتوفي والده وهو صغير، وسلك حياة الإجرام وقطع الطريق في أول أمره، ثم انضم إلى أمير كشغر، ثم تركه والتحق بالسلطان حسين صاحب سمرقند، وكانت هَراة وغيرها من بلاد الشرق في ملكه، وصار من أمرائه وزوجه السلطان بأخته، وشارك تيمور في حملة السلطان حسين سنة 765 للاستيلاء على بلاد ما وراء النهر والتي تكللت بالنجاح سنة 767، ووقع بينه وبين زوجته في بعض الأيام كلام فعايرته بما كان عليه من سوء الحال فقتلها، وخرج هارباً وأظهر العصيان على السلطان حسين، وتوجه إلى بلخشان وبها أميران فرض عليهما السلطان غرامة كبيرة لجناية صدرت منهما فكانا حاقدين عليه، فانضما إلى تيمور فكثر جمعه، وكان مغول الشرق بقيادة الخان قمر الدين قد هاجموا أراضي السلطان حسين، فتوجه السلطان حسين إليهم وقاتلهم، فأرسل تيمور يدعوهم إليه، فأجابوه ودخلوا تحت طاعته، فقويت بهم شوكته.

 

وتوجه السلطان حسين في عسكر عظيم لمقاتلة تيمور وحصروه في مضيق عسير المخارج، وظنوا أنهم حصروه وضيقوا عليه، ولكنه التف عليهم من خلال طرق وعرة، فأدركهم في السحر وهم على أهبة الرحيل لاعتقادهم أنه هرب، فنزل تيمور ومن معه عن خيولهم وتركوها ترعى في تلك المروج، وناموا كأنهم من جملة العسكر، فمرت بهم خيوله وهم يظنون أنهم منهم قد قصدوا الراحة، فلما تكامل مرور العسكر هاجمهم تيمور من الخلف، فاختبط الناس وانهزم السلطان حسين بمن معه حتى وصل إلى بلخ، فاستولى تيمور على ذخائره، وضم إليه من بقى من العسكر، ووزع عليهم أكثر ما استولى عليه، فعظم جمعه، وأحبه الجنود.

 

ثم توجه تيمور إلى سمرقند فنازلها فصالحه النائب بها واسمه علي شير على أن تكون بينهما نصفين، فأقره بسمرقند، وعلى النقيض من السلطان حسين، كان تيمور لا يفرض إلا أقل الضرائب في الأراضي التي استولى عليها، ولا يصادر الأغنياء، فأحبته رعيته، وصارت له سمعة حسنة في المنطقة، ثم توجه إلى بلخ، وهي اليوم مزار شريف في شمالي شرق أفغانستان، وحاصر السلطان حسين إلى أن نزل إليه بالأمان، فتسلم البلد ورجع إلى سمرقند ومعه السلطان، ثم قتل السلطان سنة 771.

وأخذ تيمور في توطيد ملكه وإزاحة المنافسين المحتملين، فقتل علي شير غيلة، ثم استعمل المكر والخديعة حتى قضى على كثير من الزعران الذين كانوا يتحكمون بسمرقند ويعيثون فيها فساداً، فاستأصلهم وكفى البلاد شرهم، ولما توطد سلطانه في سنة 773 تزوج بنت الملك المغولي تيمور خان ملك بلاد الخطاي، وزادوا في اسمه كور كان أي صهر الملوك.

 

وأكمل تيمور استيلاءه على دولة الجغطاي عندما احتل كشغر سنة 781، وفي سنة 784 توجه تيمور للتوسع نحو بلاد فارس الغنية بمصادرها الطبيعية والبشرية، والتي فاقت في التحضر البلاد التي استولى عليها في تركستان أو أفغانستان، ولكنها كانت تعاني من التنافس بين ملوكها، فاستولى على هراة  كان ملكها الشاه شجاع  بن محمد بن مظفر اليزدي صاحب شيراز وعراق العجم، فكتب إليه يدعوه إلى الطاعة وأداء الضريبة، ومما قاله في كتابه: إن الله قد سلطني على ظلمة الحكام وعلى الجائرين من ملوك الأنام، ورفعني على من ناوأني، ونصرني على من خالفني من عاداني، وقد رأيتَ وسمعتَ، فإن أجبتَ وأطعت، فبها ونعِمَت، وإلا فاعلم أن في قدومي ثلاثة أشياء: القتل والسبي والخراب، وإثم ذلك كله عليك ومنسوب بأجمعه إليك.

 

ولم يسع الشاه شجاع إلا أن يتفادى الحرب، فسلك سبيل المهادنة، وزوج ابنه لبنت تيمور، فلم يتم ذلك، ثم مات شاه شجاع، حتى مات بعد أن قسم ممالكه بين أولاده وأولاد أخيه، وأسند وصيته إلى تيمور، فاختلفوا بعد قليل وبغى ابن الأخ، ويدعى شاه شجاع، على أولاد عمه، فحاربه تيمور وقضى عليه، واستولى تيمور على ممالك فارس وعراق العجم.

 

واستدعي تيمور أقارب شاه شجاع وملوك تلك البلدان، ثم جاءه غيرهم، ودان له جميع ملوك المنطقة وعدتهم 17 ملكاً، ثم ما لبث أن أمر بقتلهم في ساعة واحدة، ثم استولى على بلادهم، وقتل جميع أولادهم وأقاربهم أحفادهم وأجنادهم، بحيث أنه كان إذا سمع بأحد له منهم نسب قتله، حتى لا يبقى له منازع من قريب أو بعيد.

 

وأصبحت مملكة تيمور تشمل هذه الدول: طاجكستان وأوزبكستان وتركمنستان وأفغانستان وإيران وجزءاً من جنوبي كزخستان، ثم ما لبث أن استولى على همدان ثم اتجه شمالاً فاستولى على تبريز، وصار على أبواب العراق، حيث كان هذا طريق بغداد الري، وجعل في كل من هذه الممالك أحد أولاده أو أحفاده، فقويت مهابته، وخافه القريب والبعيد.

 

ودخل تيمور في نزاع مع السلطان طقتمش خان ملك صحراء القبشاق وتركمنستان، وهو من سلالة جنكيز خان، فقد غزا طقتمش أذربيجان، فقصده تيمور بجيش جرار وهزمه، ولم يجهز عليه أو يتتبع جيشه، فانسحب طقتمش إلى الهضبة الروسية، فتوغل تيمور فيها مسافة 1000 كيل حتى وصل الضفة الشرقية لنهر الفولجا قريباً من موسكو، وصار شمالي أراضي طقتمش، ثم ما لبث أن عاد جنوباً على جناح ليواجه حشود طقتمش، وهاجمه هذه المرة من ناحية القوقاز، وهزمه في سنة 797 هزيمة لم تقم له بعدها قائمة، ويقال إنه في أحد المعارك كانت الكسرة أولاً على تيمور ثم عادت على طقتمش خان، وذلك بدعاء عابد يقال له الشريف بركة، كان من مشايخ تيمور ويدعوه بيا ولدي، وأن تيمور لما رأى الهزيمة تمسح به فصاح على عسكر طقتمش خان فانهزموا.

 

وكان السلطان أحمد ابن أويس صاحب بغداد، وهو من سلالة جنكيزخان وهولاكو، فبعث بأمواله وأهله مع ولده طاهر إلى قلعة النجا، فأرسل تيمور عسكره لحصارها، ومضى هو إلى بغداد، فطرقها بغتة في شوال سنة 795، ولم يتمكن من الاستيلاء عليها، فسار شمالاً يريد ديار بكر وجنوب الأناضول، فعصت عليه قلعة تكريت، فحاصرها أكثر من شهرين حتى استسلمت، فقتل متوليها ومن كان بتكريت وقلعتها من الرجال والنساء والأولاد.

ثم سار إلى الموصل في صفر 796 فنهبها وخربها، ونهب وخرب كل مدينة في طريقه حتى وصل ديار بكر فأفنى جميع رجالها، وسبى نساءها وأولادها، وكان قد دخل منهم إلى الجامع نحو الألفين فقتلوهم عن آخرهم، وأحرقوا الجامع ورحلوا، وقد صارت آمد خرابا بلقعا، ولكنه لم يستطع الاستيلاء على سيواس في أواسط الأناضول.

 

وبحلول سنة 796 كان تيمور قد أضاف لمملكته فارس والعراق وأذربيجان وأرمينية وجورجية، وقمع كل تمرد واجهه في أنحاء مملكته بقسوة لا مثيل لها، يدمر المدن بأكملها ويقتل سكانها عن بكرة أبيهم، وفي سنة 798 توجه تيمور نحو العراق فالأناضول، وكان في نيته متابعة مسيره لاحتلال بلاد الشام، ولكن الملك المملوكي الظاهر برقوق، سلطان مصر والشام،  كان قد استعد له وحشد في حلب جيشاً جراراً قدره بعض المؤرخين بستمئة ألف مقاتل، وهو رقم مبالغ فيه كثيراً، ولكنه يدل على أنه كان حشداً لم يسبق له مثيل، ولذا رجع تيمور عن مهاجمة بلاد الشام وعاد إلى عراق العجم، وأخرج من سجنه الملك الظاهر صاحب ماردين وجعله ملكاً على البلاد التي يمر بها ما بين أذربيجان إلى الرها، ولما سمع الملك الظاهر برقوق برحيل تيمور قام بحركة تدل على حسن تدبير واقتدار، فقد أرسل وراء تيمور العسكر الشامي يتقصاه فلم يلحق به، فعاد كل طرف إلى مواقعه.

 

ولما سار تيمور إلى بلاده بلغه موت فيروز شاه ملك الهند، وعاصمته دهلي، من دون أن يخلف ولداً يرث عرشه، وأن أمر الناس من بعده في اختلاف، فقد استولى على العرش وزير الملك، فعارضه أخو فيروز شاه متولي مدينة ملتان، فلما سمع تيمور هذا الخبر اغتنم الفرصة وسار من سمرقند في آخر سنة 800 إلى ملتان، وحاصرها 6 أشهر حتى سقطت في يده، ثم سار منها إلى العاصمة دهلى، واشتبك مع الوزير المتملك في معركة مريرة، حتى هزمهم هزيمة منكرة، وكان الجيش الهندي يعتمد على الفيلة المدرعة والرماة على ظهرها ومن ورائها المقاتلة والمشاة، وعلى كل فيل الأجراس لتنفر هذه الفيلة خيول تيمور، وواجه تيمور هذا التفوق بأن عمل آلافا من شوكات الحديد المثلثة الأطراف، وجعل من جيشه كميناً مع خمسمئة بعير محملة بالقصب المحشو بفتائل مغموسة بالدهن، ثم زحف بعسكره وقت السحر، وما هي إلا برهة حتى انسحب من وجه الفيلة كأن خيوله قد جفلت منهم، واتجه إلى أماكن نثر فيها الشوكات الحديدية التي صنعها، وانطلت حيلته على الهنود الذي لاحقوه بالفيلة حتى إذا وقعت على الشوكات الحديدية نكصت على أعقابها مسببة الفوضى، فأتبعها تيمور  بالجمال بعض أن أضرم في أحمالها النيران، فلما رأت الفيلة ذلك كرَّت راجعة فأصابتها الشوكات فبركت، وصارت في الطريق كالجبال مطروحة على الأرض لا تستطيع الحركة، وسالت أنهار من دمائها، فخرج عندئذ كمين تيمور  وأحاط بالجيش الهندي، وانقشعت المعركة بعد قتال طويل مرير، عن هزيمة الهنود وانسحابهم، وحاصر تيمور دهلي مدة حتى أخذها عنوة، ، وأمعن فيها جيشه ما اعتاد عليه من القتل والأسر والسبي والنهب والتخريب، ثم عاد قافلأً إلى بلاده حاملاً معه ذخائر ملوكها وأموالهم التي لا تحصى، ولم يؤسس فيها دولة أو يترك فيها أحداً ملكاً من أولاده أو أحفاده.

 

وبلغ تيمورَ موتُ السلطان الملك الظاهر برقوق، وتولي ابنه الملك الناصر فرج وهو في العاشرة من عمره، فرأى أن الفرصة قد سنحت لاستكمال مخططه في الظفر بمصر والأناضول، فعاد على جناح السرعة إلى سمرقند، وخرج منها في أوائل سنة 802 إلى تبريز ثم اتجه منها شمالاً إلى أذربيجان وجورجيا فقتل وسبى، ثم قصد بغداد، ففر منها صاحبها السلطان أحمد بن أويس، فتركها تيمور فعاد إليها السلطان، ثم حاصر تيمور سيواس حتى سقطت في يده في أول سنة 803، وقبض على مقاتليها وهم ثلاثة آلاف، فحفر لهم سرداباً وألقاهم فيه وطمَّهم بالتراب لأنه كان قد حلف لهم أنه لا يريق لهم دما، ثم وضع السيف في أهل البلد وأخربها، وسار يستولي على ما استطاع من بلدات وقلاع الأناضول، ويمعن فيها قتلاً وتخريباً.

 

وكتب تيمور إلى نائب السلطان في حلب أن يقيموا الخطبة باسمه، ويبعثوا إليه بأطلميش زوج بنت أخته، وكان قد أسر في أيام الظاهر برقوق، فلم يستجيبوا لطلبه، فسار تيمور من عينتاب إلى ظاهر حلب أوائل سنة 803، واستطاع العسكر الحلبى هزيمة جيشه في أول لقاء رغم قلة عددهم، ثم التقوا معهم ثانية وصدوهم، ثم التقوا ثالثة قرب قرية حيلان في معركة شديدة استطاع فيها العسكر الحلبي مع قلته أن يكسر مقدمة تيمور، ويبدد جمعوها، وظنوا أن النصر صار قاب قوسين، ولكن تيمور لم يكن قد زجَّ بكل قواته في المعركة، فأمر بقية القوات بالهجوم والإحاطة بالجيش الحلبي، ولم يطل الأمر حتى فرَّ أمير حلب دمرداش المحمدي فانكسر من بقى من الأمراء، ولاحقتهم قوات تيمور إلى باب المدينة الذي لم يستطيعوا دخوله لتزاحمهم عليه فامتلأت الأرض من أجسادهم، وتشتت من بقي منهم في البلاد، وكسر العسكر الحلبي باب أنطاكية من أبواب حلب، وخرجوا منه إلى جهة دمشق.

 

كل ذلك والسلطان إلى الآن لم يخرج من الديار المصرية لصغر سنه، ولعدم اجتماع أمراء الديار المصرية، وتحصن الأمير دمرداش بقلعة حلب تاركاً البلد للنهب والتدمير، ثم نزل إلى تيمور بالأمان وتسلم تيمور القلعة وفيها كبار الأمراء بالبلاد الشامية، فقبض تيمور على الجميع وقيدهم، ما خلا الأمير دمرداش فأنه أخلع عليه وأكرمه.

 

وطلب تيمور قضاة حلب وفقهاءها، فجيء بهم إليه، فأشار إلى إمامه جمال الدين عبد الجبار فسألهم عن القتلى من الطرفين من هو منهم الشهيد؟ فأجابه محب الدين محمد بن الشحنة، المتوفى سنة 815، فقال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو الشهيد. فأعجبه ذلك الجواب وانبسط معهم، فطلبوا منه أن يعفو عن الناس ولا يقتل أحدا، فأمنهم جميعاً وحلف لهم، ثم أخذ جميع ما في قلعة حلب من أموال، وقيل إنه ما أخذ من مدينة قدر ما ما أخذ من قلعة حلب، لكثرة ما كان بها من أموال الحلبيين.

 

وسار من حلب بعد أن جرع أهلها العذاب والعقاب، وهدم المدارس والجوامع، وخرب الدور، وبنى بحلب عدة مآذن من رؤوس القتلى، ومر على حمص فلم يتعرض لها، وقال: وهبتها لخالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم نزل على بعلبك فنهبها.

 

وسار تيمور حتى أناخ على ظاهر دمشق ونشر قواته لحصارها، وكان الملك الناصر فرج قد جاءها في عسكره، ووقعت بين الفريقين مناوشات يومية رجحت كفة العسكر الشامي، فلجأ تيمور إلى المكيدة وأرسل ابن أخته سلطان حسين على أنه انشق عن عمه، فكان يرسل له ما اطلع عليه من أخبار الشام، واستمر القتال كل يوم، ثم رحل تيمور عن دمشق إذ أدرك أنها لن تقع بالسهولة التي تصورها، وخشي من بعده عن قاعدة بلاده وتحسب أن يقوم الجيشان المصري والشامي بهجوم واسع لا قبل له بصده.

 

وجاء تيمور الخبر وهو في طريق الرحيل أن الملك الناصر فرج وكبار امرائه قد غادروا دمشق فجأة باتجاه مصر بعد أن علم بمؤامرة تدبر لخلعه وانتهاز فرصة غيابه، وترك الناصر وأمراؤه دمشق وأهلها فريسة سائغة لتيمور، فعاد وحاصر دمشق حتى استسلم له أهلها بالأمان، بشرط أن يعطوه أموال وذخائر وأسلحةالعساكر المصرية، إلى جانب مبلغ آخر من الأهالي، ونادى تيمور في المدينة بالأمان والاطمئنان، وشنق أحد رجاله بعد أن نهب شيئاً من السوق، فاطمأن أهل دمشق، وفتحوا أبواب المدينة، ونزل تيمور بالقصر الأبلق من الميدان، وصلى الجمعة بجامع بني أمية، وقدم القاضي الحنفي محي الدين محمود بن الكشك للخطبة والصلاة.

 

وجرت بحضور تيمور مناظرات بين عبد الجبار وبين فقهاء دمشق، وهو يترجم عن تيمور بأشياء منها وقائع على بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية، وما وقع ليزيد بن معاوية مع الحسين، وأن ذلك كله كان بمعاونة أهل دمشق له، فإن كانوا استحلوه فهم كفار، وإلا فهم عصاة بغاة، وإثم هؤلاء على أولئك، فأجابوه بأجوبة قبل بعضها وردَّ البعض. وكان الكاتب المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون في دمشق فطلب الخروج للتفاوض مع تيمور لنك، فأدلوه من السور وقابل تيمور الذي طلب منه أن يكتب له وصفاً لبلاد المغرب أتمها له ابن خلدون في أيام وبلغت 12 كراسة لطيفة.

 

ولم تستسلم قلعة دمشق وحاميتها العسكرية القليلة، وبقي تيمور يحاصرها 40 يوماً حتى أخذها بالأمان، قال المؤرخ ابن تغري بردي، وكان والده من قواد المماليك المشاركين في هذه الحملات: وكان من جملة المماليك الذين بقلعة دمشق لما حصرها تيمور صاحبنا السيفى كمشبغا جاموس وهو إلى الآن في قيد الحياة، وكان إذ ذاك شابا لم يطرَّ شاربه، ولقد حكى لي غير مرة أن غالب من كان بالقلعة في الحصار الجميع في هذا السن، ولم يكن بينهم رجل له معرفة بالحروب، ومع هذا عجز تيمور عن أخذ القلعة من هؤلاء حتى سلموها له بعد أربعين يوماً، فكيف لو كان بها من أعرفه من أعيان الأمراء إذ ذاك، فلا قوة إلا بالله.

 

ولما أخذ تيمور قلعة دمشق أباح المدينة لجيشه فأمعن فيها النهب والسبي والقتل والإحراق، حتى احترقت بأسرها، ثم رحل عنها في منتصف 803، وأشاع أنه عائد إلى سمرقند، وكما هو شأنه في كل مدينة استولى عليها، أخذ معه من أهل دمشق خيرة علمائها وأطبائها ومهندسيها وأفضل أهل الصناعات والحرف فيها، وهاجر كثير من هؤلاء إلى مصر، فاجتث علومها وصناعاتها ومحى محاسنها وأعادها للوراء سنين عديدة. 

 

ذكرنا أن تيمور من قبل حاول الاستيلاء على بغداد فلم ينجح، وكان ملك بغداد أحمد بن أويس سيء السيرة، أسرف في قتل أمرائه، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك على الفجور والخمر، فكاتب أهل بغداد  تيمور يحثونه على المسير إليهم فتوجه إليها واستولى عليها بحيلة دبرها على أهل بغداد، وهو أن الملك أحمد لما بلغه مجيء تيمور أرسل بالشيخ نور الدين الخراساني إلى تيمور فأكرمه، وقال: أنا أترك بغداد لأجلك، ورحل يريد مدينة السلطانية في أذربيجان، فبعث نور الدين كتبه بالبشارة إلى بغداد، وقدم في أثرها، وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق أخرى، فلم يشعر ابن أويس - وقد اطمأن - إلا وتيمور قد نزل غربي بغداد قبل أن يصل الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وقطع جسر بغداد ورحل بأمواله وأولاده وترك البلد، فحاصرها تيمور شهرين حتى أخذها عنوة في يوم عيد الأضحى من سنة 803، ووضع السيف في أهلها، وألزم كل واحد معه أن يأتي برأسين من رؤوس أهل بغداد، فوقع القتل في أهل بغداد حتى سالت الدماء أنهارا، وقد أتوه بما التزموه، فبنى من هذه الرؤوس مائة وعشرين مأذنة.

 

قال ابن تغري بردي: أخبرني غير واحد ممن كان ببغداد إذ ذاك أن عدة من قتل في هذا اليوم قد بلغت 90000 إنسان تخمينا، سوى من قتل في أيام الحصار، وعند دخول تيمور إلى بغداد، أوألقى نفسه في دجلة فغرق، وقيل أن الرجل الملزوم بإحضار رأسين كان إذا عجز عن الرجال قطع رأس امرأة من النساء وأزال شعرها وأحضرها!

 

وكان بايزيد العثماني قد استلم الحكم من والده مراد بن عثمان، وكانت المملكة منقسمة بيد ستة ملوك، فحاربهم وكسرهم، وجمعها في مملكة واحدة في سنة 797، فراسله تيمور  بعض هؤلاء الملوك ووعدهم إن هم ناصروه برد إماراتهم إليهم، فاتفقوا معه على ذلك، وكان متملك بغداد أحمد بن أويس قد التجأ إلى بايزيد، فكتب إليه تيمور أن يخرجه من مملكته وإلا قصده وأنزل به ما أنزل بغيره، وطلب منه كذلك رد الممالك التي انتزعها إلى ملوكها، فرد عليه بايزيد بجواب خشن.

 

وأرسل بايزيد رسالة إلى مصر تتضمن الدعوة إلى اجتماع الكلمة ووحدة الصف في قتال هذا الطاغية تيمورلنك ليستريح الإسلام والمسلمون منه. ولكن الأمراء حول الملك الصغير قالوا: الآن صار صاحبنا؟! وعندما مات أستاذنا الملك الظاهر برقوق مشى على بلادنا، وأخذ ملطية من عملنا، فليس هو لنا بصاحب: يقاتل هو عن بلاده، ونحن نقاتل عن بلادنا ورعيتنا! وكُتب له عن السلطان بذلك. قال المؤرخ الكبير ابن تغري بردي: وكان ما قاله بايزيد بن عثمان من أكبر المصالح، فإنه حدثني فيما بعد الأمير أسنباي الظاهري الزَرَدكاش، وكان أسَرَه تيمور وحظي عنده وجعله زردكاشه، أي المسؤول عن دروعه، قال: قال لي تيمورلنك ما معناه إنه لقي في عمره عساكر كثيرة وحاربها، لم ينظر فيها مثل عسكرين: عسكر مصر وعسكر ابن عثمان. غير أن عسكر مصر كان عسكراً عظيماً ليس له من يقوم بتدبيره لصغر سن الملك الناصر فرج، وعدم معرفة من كان حوله من الأمراء بالحروب، وعسكر ابن عثمان، غير أنه كان بايزيد صاحب رأي وتدبير وإقدام، لكنه لم يكن من العساكر من يقوم بنصرته.

 

قال ابن تغري بردي: ولهذا قلت إن المصلحة كانت ذلك فإنه كان يصير للعساكر المصرية من يدبرها، ويصير لابن عثمان المذكور عساكر مصر مع عساكره عوناً، فكان تيمور لا يقوى على مدافعتهم، فإن كلاً من العسكرين كان يقوى على دفعه، لولا ما ذكرناه، فما شاء الله كان. وبعد أن كُتِبَ لابن عثمان بذلك لم يتأهب أحد من المصريين لقتال تيمور، ولا التفت إلى ذلك، بل كان جل قصد كل أحد منهم ما يوصله إلى سلطنة مصر وإبعاد غيره عنها، ويدع الدنيا تنقلب ظهراً لبطن!

 

وسار تيمور إلى قتال بايزيد في أواخر سنة 804، وحشد بايزيد قواته وبادر ليلقى تيمور على حين غرة، فوصل إلى ميدان المعركة قرب أنقرة وجيشه منهك القوى، وكان هذا في الوقت الذي سار فيه تيمور بعسكره متهملاً وقد بلغه قدوم بايزيد من جواسيسه فتباطأ في سيره وأراح جيوشه.

 

ولما تدانا الجيشان للحرب في 27 ذي الحجة من سنة 804، ساهمت عدة عوامل في إلحاق الهزيمة ببايزيد، فقد كان عدد جيش تيمور ضعف عدد جيش بايزيد، على اختلاف كبير بين المؤرخين في عدد الجيشين، ثم انسحب الأمراء الخونة وانضموا لتيمور، فتضعضع موقف بايزيد إذ كانوا معظم عسكره، وقام تيمور أثناء المعركة بتحويل جدول مياه فأصبح متحكماً بمياه الشرب، وكادت عساكر بايزيد تموت عطشاً فقد كانت الوقت في شهر يوليو/تموز في ذروة الصيف.

 

وقاتل بايزيد ومن معه قتال صدق، وكان معه الأمير الصربي ستفان لازارفيتش، وأثخنوا في المغول حتى أزالوهم، ولكن تيمور كان قد أعد جيشاً آخر فأخرجه في هذه اللحظة فدارت الدائرة على بايزيد عليهم وأخذ أسيراً، وهو أول وآخر سلطان عثماني يقع في الأسر، وقد مات مأسوراً سنة 805.

 

ووفى تيمور بوعده فأعاد للتركمان بلادهم التي نزعها بايزيد منهم، وقسم بلاد بايزيد بين أولاده الثلاثة، واشترط أن يكون الدعاء له في كل هذه البلاد، وأما القادة الذين خانوا بايزيد فأكرمهم في البداية ثم قبض عليهم وقتلهم جميعا.

 

وأحيى انتصار  تيمور على بايزيد آمال بعض الدول الأوربية في احتواء التهديد العثماني والقضاء عليه، فقد كان بايزيد، الملقب بالصاعقة، قد تابع غزوه من الأناضول ففتح بورصة سنة 730 ثم سار باتجاه القسطنطينية ومضايق البحر، وأعدَّ أسطولاً كبيراً للغزو في البحر قوامه 300 سفينة، واحتل بلغاريا وأجزاء من اليونان والبوسنة، ولكن النصارى الأوربيين في أمنياتهم لم يراعوا مصالح الكنيسة الشرقية التي قضى عليها تيمور قضاءً كاد يكون مبرماً في أرجاء آسيا الوسطى، ولشماتتهم ببايزيد غضوا البصر عن أن تيمور ذهب بأية آمال خامرت الكنيسة في تنصير المغول الذين تحولوا جميعاً للإسلام.

 

وممن التحق بتيمور بعد هذه المعركة الحافظ ابن الجزري، شيخ القراء في زمانه، محمد بن محمد، المولود سنة 751، وصاحب النشر في القراءات العشر، والمنظومة الجزرية في التجويد، وكان مع بايزيد فأسر، فأكرمه تيمور لاشتهاره بالقراءات وأدخله معه بلاد العجم، وولاه قضاء شيراز وانتفع به اهلها في القراءات والحديث، وتوفي سنة 833، وهو في كتابه غاية النهاية في طبقات القراء يسمي ما حدث الفتنة التيمورية.

 

وكانت المرحلة التالية في طموحات تيمور التي لا تنتهي هي الاستيلاء على بلاد الصين، وكان قد بعث إليها أحد أمرائه لاستطلاع أمورها ودفاعاتها، وكان الاستطلاع وجمع المعلومات أحد الأمور الأساسية في حملاته، حتى إنه كان يأمر برسم الخرائط وتصوير المعالم ، وأمر تيمور ببناء قلعة على الحدود لتكون قاعدة عملياته مع الصين، ثم أمر جنوده وأمراءه بأن يزرعوا أوسع ما يستطيعون من الأراضي وأمر بتجهيز الثيران اللازمة لجر العربات التي تحمل لوازم الحملة العسكرية وتمويناتها، وأمر بصنع 500 عربة ضخمة لهذا الغرض.

 

وخطط تيمور أن يتحرك إلى الصين في الشتاء حيث يجمد نهر سيحون ويستطيع عبوره مع جيشه الجرار، وقدر أن ظروف الشتاء ستساهم في ترجيح كفة قواته السريعة الحركة أمام الجيوش الصينية الجرارة، وقدر أن حملته تحتاج إلى 4 سنوات للسيطرة على الإمبراطورية الصينية، ولما اجتمعت عساكره خرج من سمرقند في شهر رجب من سنة 807 ويقابل شهر يناير من سنة 1405م، فعبر سيحون واتجه شرقاً نحو الصين، ولكن الشتاء الذي توقع تيمور أن يكون إلى جانبه في مواجهة الصينين، كان شتاءً قاسياً لم يسبق له مثيل حتى في تلك البلاد الباردة، فنزلت الثلوج جبالاً سدت الطرق، ولم يبق أحد من عساكره إلا امتلأت آذانهم وعيونهم وخياشميهم وآذان حيواناتهم وأعينها من الثلج، ثم انخفضت الحرارة انخفاضاً شديداً مصحوباً برياح عاتية، فهلكت الدواب، وجمد كثير من الناس وتساقطوا عن خيولهم هلكى، وجاء عقب هذا الريح والثلج أمطار كالبحار، وتيمور مع ذلك لا يرق لأحد ولا يبالي بما نزل بالناس، بل يجد في السير، وأمر أطباءه أن يعملوا له أدوية يشربها مع الخمر لدفع البرد وتقوية حرارة الجسم، فأثرت فيه هذه الأدوية حتى التهبت بطنه وتلفت كبده، فمات  كما ذكرنا في قرية تدعى أترار ثم نقل جثمانه إلى سمرقند، ودفن تيمور في ضريح عظيم لا يزال إلى اليوم مزاراً ومعلماً مهماً من معالم المدينة.

 

وقام ميخائيل جيراسيموف عالم الأجناس السوفيتي بفتح قبر تيمور وفحصه في سنة 1941، وأظهر الفحص أنه كان طويلاً بالنسبة لعرقه المغولى، عريض الصدر، يعرج من إصابة في وركه، وأن وجهه يشبه العرق المغولي مع بعض الملامح القوقاسية، وأعيدت عظامه إلى قبره بعد شهور في مراسم إسلامية تامة.

 

وكان تيمور لنك قد قسم البلاد قبل موته على أولاده وأحفاده، وأعطى أهم البلاد لحفيده سلطان خليل، وما لبث هؤلاء أن اختلفوا وتحاربوا سنين طوال، وظهر عليه ابنه الأصغر شاه رُخ واستطاع توحيد أغلب تلك البلاد من جديد.

 

وصف المؤرخون تيمور لنك بأنه كان رجلاً جاداً يكره المزاح، ويبغض الكذاب، قليل الميل إلى اللهو، يبغض بطبعه الشعراء والمضحكين،  وكان لا يجري في مجلسه شئ من الكلام الفاحش، ولا يذكر فيه سفك دماء ولا سبى ولا نهب ولا غارة، وكان شجاعاً مقداماً، يجب الشجعان ويقدمهم، وكان له عزم ثابت وفهم دقيق، محجاجا جدلا، سريع الإدراك، ريضا متيقظاً، يفهم الرمز، ويدرك اللمحة، ولا يخفى عليه تلبيس مُلبِّس، وكان إذا أمر بشيء لا يرد عنه، وإذا عزم على رأى لا ينثنى عنه لئلا ينسب إلى قلة الثبات، ويعتمد على أقوال الأطباء والمنجمين، ويقربهم ويدنيهم، حتى أنه كان لا يتحرك إلا باختيار فلكى، فلذلك كانت أصحابه تزعم أنه لم ترد له راية، ولا انهزم له عسكر مدة حياته.

 

وكان تيمور أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولا يعرف من اللغة العربية شيئاً، وإنما يعرف اللغة الفارسية والتركية والمغولية، وكان يدير أمور دولته على سياسة جنكيزخان، كما هي عادة الجغطاى والترك، وكان قائداً محنكاً يخطط لحملاته قبل سنوات، وبدرس نقاط ضعف خصمه دراسة وافية، ثم لا يترك أسلوباً من أساليب السياسة والحرب إلا استعمله لكسر خصمه، بما في ذلك الجاسوسية والخديعة والدسائس والشائعات والتحالفات والمفاوضات، وكانت له مراسلات وسفارات مع ملوك المناطق المجاورة والبعيدة من الصين إلى بريطانية، وقد كتب سفير قشتالة روي جونزاليز دي كلافيخو كتاباً عن رحلته إليه قرابة سنتين إلى قبيل بدئه حملته الصينية.

 

كتب المؤرخون كثيراً عن تيمور لنك، وأبرزهم المؤرخ الأديب ابن عربشاه، المولود بدمشق سنة 791 والناشيء بسمرقند قبل أن يعود إلى دمشق فالقاهرة حيث توفى سنة 854، حيث أفرده بكتاب أسماه عجائب المقدور في أخبار تيمور، وهو كتاب تغلب عليه الصنعة الأدبية أكثر من الراوية التاريخية، ووصف ابن عربشاه وغيره تيمور لنك، وهم يكيلون له اللعنات، بأنه كان يحب أهل العلم والعلماء، ويقرب السادة الأشراف، ويدنى منه أرباب الفضائل في العلوم والصنائع، ويقدمهم على كل أحد، ويباحث أهل العلم وينصف في بحثه، وممن قصد تيمور من العلماء العلامة اللغوي مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط، المتوفى سنة 817، أعطاه تيمور لنك 5000 دينار.

 

وكان تيمور يقول إنه يتبع المذهب الحنفي، وله إمام يؤم به في الصلوات الخمس هو العلامة عبد الجبار بن النعمان الخوارزمي الحنفي، المولود سنة 770 والمتوفى سنة 805، وكان إماماً عالماً، بارعاً مفنناً، متقنا للفقه والأصول والبيان والعربية واللغة، فصيحاً باللغات: العربية والعجمية والتركية، وكان ينفع المسلمين في غالب الأحيان عند تيمور، وكان يتبرم من صحبته ولم تسعه إلا موافقته، ولم يزل عنده حتى مات.

 

وتقول بعض المراجع إن تيمور كان شيعياً، ولعل ذلك لأنه ممن يفضلون علياً رضي الله عنه على بقية الصحابة، ولكن باستثناء هذا التفضيل لم أعثر على ما يدل على شيعيته، وينبغي ملاحظة أن دول أولاده وأحفاده في آسيا الوسطى أو الهند أو إيران لم تكن دولاً شيعية. وكان تيمور لا يقبل بالدعوة إلى وحدة الوجود، وأمر بقتل فضل بن أبي محمد التبريزي في سنة 804 عندما ظهرت دعوته الفاسدة.

 

وكان تيمور يلازم اللعب بالشطرنج، ثم علت همته عن الملاعب بالشطرنج الصغير المتداول بين الناس، صار يلعب بالشطرنج الكبير، ورقعته عشرة في إحدى عشرة، وتزيد قطعه على الصغير بأشياء.

 

وفي حين يعتبره المؤرخون المشرقيون والفارسيون سفاكاً للدماء مبيراً للأمم مدمراً للحضارات، يعتبره غالب أهل مناطق آسيا الوسطى ذوو الأصول التركية بطلاً قومياً بنى أمجاداً وحقق انتصارات وازدهرت في ظله هذه المناطق أيما ازدهار، ولذا لا غرابة أن تعمد أزبكستان بعد استقلالها من الاتحاد السوفيتي فتجعل لها راية جديدة فيها شبه كبير براية تيمور لنك ، فهو أحد أبطالها القوميين، ويحتل نصبه التذكاري في طشقند المكان الذي كان ينتصب فيه من قبل تمثال الزعيم الشيوعي كارل ماركس.

 

وكان للدولة المغولية التي أسسها وتابعها من بعده أولاده وأحفاده في أواسط آسيا وفي أفغانستان، خدمات جليلة في نصر الإسلام ونشر العلوم، وأسس حفيده ظهير الدين محمد بابر في سنة 911 دولة بقيت قرابة قرنين تحكم الهند ازدهر فيها العلم والحضارة والفن، وساد فيها العدل والإنصاف، ومن أبرز وجوهها السلطان محمد أورنك زيب عالم گير، المولود سنة 1028 والمتوفى سنة 1118،  ووصفه مؤرخوه بأنه المجاهد العالم الصوفي، وباسمه جمعت الفتاوى العالمكيرية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين