إن
من أجلى دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم سيرته العطرة، فإن المتأمّل بعين
الإنصاف أطوار حياته صلى الله عليه وسلّم وأحواله قبل النبوة وبعدها ينشأ لديه
ضرورة علم يقيني بصدق هذا النبيّ الكريم.. وبسط تفاصيل هذا الذي أجملناه يحتاج إلى
بيان لا يمكن استيعابه في مثل هذه المقالة التي أرمي من ورائها إلى مجرد التنبيه
على هذا الموضوع الهام.. وباختصار يمكن أن نقول: إن دلالة السيرة الشريفة على صدق
نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم من الوضوح والجلاء والإشراق بحيث تغني مطالعتها عن
الدلائل الفلسفية والبراهين الكلامية جميعها.. وقد لخص هذه الفكرة شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله بقوله في كتابه الجليل (ثبوت النبوات عقلاً ونقلاً) : {ليست
المعجزة هي الشرط الأوحد للنبوّة، فمُدعي النبوة إما أن يكون أصدق الصادقين أو
أكذب الكاذبين، ولا يُلبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين}..
وقد
فطن المستشرقون إلى هذه الحقيقة الجلية فكان أن وجهوا سهامهم المسمومة إلى مصادر
السيرة النبوية لتشكيك المسلمين بها وبما استقرّ عندهم من حقائقها وأخبارها..
مدّعين أن السيرة النبوية إنما هي من اختلاق علماء المسلمين في عصر التدوين ضاربين
عرض الحائط بجهود علماء الرواية والحديث متجاهلين هذا التراث العلمي الهائل الذي
يعدّ من أكبر مفاخر هذه الأمة.. فجاؤوا بأفكار أقل ما يقال عنها إنها من السخف
بحيث يكفي الاطلاع عليها وتصورها لبيان بطلانها وتهافتها.. وقد كان أول المفترين
على مصادر السيرة النبوية والمشككين بها المستشرق اليهودي المجري (جولد تسيهر)
الذي أظهرت كتاباته حقده الدفين على الإسلام ونبيه وأسس لمدرسة التشكيك في السنة
والحديث النبوي عموماً وما يتعلق منهما بالسيرة العطرة خصوصاً.. وكان في هذا
المجال لمن بعده من المرجفين كبيرهم الذي علمهم الإفك.. ومن هؤلاء الزعانف
والأذناب مَن ينعقون ليل نهار بترديد أفكار أسيادهم التي أكل الدهر عليها وشرب
وتقيّأ وتمخّط.. وقد وجدوا مجالاً لهم بين شباب مساكين لم يتحصنوا بالعلم الكافي
أو العقل المميّز بين الحق والباطل فجروهم إلى هذه المستنقعات الآسنة..
فهل
علمتم لماذا افتتح الطبل الأجوف (إبراهيم عيسى) محاضراته في مركز تكوين بحديثه عن
السيرة ومصادرها فأتى بكوارث علمية بيّنا بعضها في مقال سابق..
هؤلاء
المشككون لم يكن هدفهم في يوم من الأيام البحث العلمي ولا تجلية الحقائق بل هدفهم
هدم الإسلام من أساسه.. قد بدا ذلك من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.. ولكن
هيهات.. فإذا لقيت أحدهم فقل له يسلّم عليك كعب بن مالك ويقول لك:
زعمَتْ سخينة أن
سَتَغْلِبُ ربَّها
*** وليُغلبَنَّ
مُــغالــبُ الغــلَّابِ
فإذا
لم يفهم ولا أظنه فاهماً فقل له إن الفرزدق إنما يعني أمثالك بقوله:
يا اِبنَ المَراغَةِ
وَالهِجاءُ إِذا اِلتَقَت
*** أَعناقُهُ
وَتَماحَكَ الخَصمان
ما ضَرَّ تَغلِبَ
وائِلٍ أَهَجَوتَها
*** أَم بُلتَ حَيثُ
تَناطَحَ البَحرانِ
***
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول