التقديم للكتاب:
هذه طبعة جديدة من كتاب الفتوى بين الانضباط والسيب، هذا الموضوع الذي عمت الشكوى منه اليوم، ولا سيما في عصر الفضائيات، وما أفرزته من جرأة أناس كثيرين للتصدي للفتوى على الهواء دون أن يتورعوا عن الخوض فيما لا يحسنون، فهم جاهزون أبدًا للفتوى؛ في العبادات والمعاملات وشؤون الأسرة والمجتمع والدولة والسياسة والاقتصاد. والعلاقات الدولية ... ولا يقول أحدهم يومًا ما: لا أدري. أو أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث ومراجعة ومشاورة. لهذا كان وضع الضوابط للفتوى والتحذير من مزالقها وبيان شروحها ومؤهلاتها؛ أمرا مهما بل ضروريًا.
وتمتاز هذه الطبعة بتخريج الأحاديث على منهجنا الجديد وهو العودة إلى المصادر الأصلية وعدم الاكتفاء بكتب التجميع أو الكتب الفرعية، مع بيان درجة الحديث من حيث الصحة والضعف. ومعتمدنا هو الحديث الصحيح والحسن ولا نعتمد الضعيف في استنباط الأحكام. وإذا ذكرنا فللاستئناس ولا يكون هو العمدة.
وعندما عقدت العزم على إخراج كتابي «فتاوى معاصرة» منذ حوالي عشر- سنوات رأيت أن أكتب له مقدمة تتضمن فيما تتضمن - منهجي في الإفتاء والقواعد التي يقوم عليها مع بيان أهمية الفتوى ومكانتها في دين اللّهِ وحياة الناس، وشروط المفتي العلمية والأخلاقية، ومزالق المتصدين للفتوى في عصرنا الحاضر.
ثم رأيت هذه المقدمة قد طالت أكثر مما ينبغي فأبقيت ما رأيت أنه ملائم لتقديم الكتاب وتعريف القارئ بمنهج صاحبه، وفصلت الباقي عنها ونشرته مستقلًا في مجلة «المسلم المعاصر» في حلقتين.
والآن طلب إلي بعض الإخوة المهتمين بشؤون الفكر والثقافة الإسلامية أن أنشر هذا البحث في كتاب أو كتيب لتعميم النفع به فما نشر في المجلات الفكرية لا يقرؤه إلا عدد محدود.
وقد زكى هذا عندي، ما لمسته من تعجل بعض الناس بالفتوى وتورطهم بالإجابة الحاسمة في أشد الأمور خطرا محرمين أو محللين دون أن يحصلوا الحد الأدنى من الشروط اللازمة لمن يقول للناس: هذا حلال وهذا حرام؛ بل رأيت من الشباب المتدين الطري العود؛ من يقحم نفسه في هذا المضيق، ويجترئ على القول في دين الله بغير أهلية لهذا الأمر الخطير، ولعلك لو سألته عن الخاص والعام أو المنطوق والمفهوم، لم يدر شيئاً مما تقول. بل لعلك لو سألته أن يعرب لك جملة؛ أو شبه جملة لقابلك بالصمت أو أجاب بما يدل على الجهل الفاضح!
ومما يؤسف له أن هذا الشباب ينسب إلى تيار الصحوة الإسلامية، وتستغل مواقفه هذه وأمثالها للإنكار عليها والتنديد بها كما يؤخذ حجة علينا نحن دعاة الصحوة وموجهيها والمدافعين عنها.
بيد أن من الحق أن نقول أيضا: إننا ندعو إلى الصحوة وندعمها بكل طاقاتنا وندفع - بأكفنا وصدورنا - عدوان العادين عليها والمتربصين بها والكائدين لها ولكننا - مع هذا - نعمل على ترشيد مسيرتها وتسديد خطواتها وتقويم خطتها إذا أخطأت كما يصنع الأب الحاني مع أبنائه، والمعلم المربي مع تلاميذه.
تحميل الملف
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول