العلَّامَةُ الشَّيخُ الدُّكتور صبحِي إبراهِيم الصَّالِحُ

1926م -1345هـ  / 1986م-1407هـ.

  أُستَاذُ أَسَاتِذَتِنا هُوَ الشَّيخُ العلَّامةُ الدكتور صبحي بن إبراهيم الصَّالح- تَقَبَّلَهُ اللهُ فِي الشُّهداءِ، وأعلَى مَقَامَهُ. عالمٌ، فَقيهٌ، مجتَهِدٌ، أديبٌ، لغويٌّ، مجاهِدٌ، شَهِيدٌ، وعُضوُ المجامِعِ العِلمِيَّةِ فِي القاهِرةِ، ودِمشقَ وبَغدادَ، وأَكادِيميَّةِ المملكةِ المغرِبِيَّةِ.

 وُلِد الشَّيخُ الدُّكتور صبحي الصَّالح عام 1926 م، فِي مَدينةِ المِيناءِ السَّاحِليَّةِ، الَّتِي تُشكِّلُ الامتِدادَ الطَّبِيعيَّ وَالجُغرَافِيَّ لِمَدينةِ طَرابلُس-الشَّامِ، وَالَّتِي عُرِفَتْ عَبرَ التَّارِيخِ بِدَورِها العِلمِيِّ الرِّيادِيِّ، وَبِكونِها ثَغراً مِن ثُغُورِ الجِهادِ وَالرِّباطِ وَالمُدافَعةِ، لَيسَ عن طَرابلسَ فَحَسبُ، بَل عن  بِلادِ الشَّامِ كُلِّها. 

 تَلقَّى عُلُومَهُ الأُولَى فِي إِحدَى مَدارِسِ المِيناءِ الابتِدائِيَّةِ، ثُمَّ التَحَقَ بِكُليَّةِ التَّربِيَّةِ وَالتَّعلِيمِ الإِسلامِيَّةِ بِطَرابُلسَ، وَكانَتْ مِن المدارِسِ الثَّانَوِيَّةِ المُهِمَّةِ، تَخَرَّجَ فِيهَا مُعظَمُ قادةِ الرَّأيِ والفِكرِ فِي ذلِك الزَّمنِ. وَمِن تِلكَ الفَترةِ وهُوَ فِي الثَّانِيةَ عَشْرَةَ مِن عُمُرِهِ، بَرَزَ نُبُوغُهُ وَتَفَوُّقُهُ علَى أَقرانِهِ، اِعتَلَى المَنابِرَ فِي سِنٍّ مُبَكِّرةٍ  فَكانَ خَطِيباً مُفَوَّهاً، وَأَكثَرَ مِن القِراءَةِ وَالمُطالَعةِ وَمُجَالَسةِ العُلماءِ فِي المَساجِدِ. وكانَ مِن أَبرَزِهِم الشيخ عبد الكريم عويضة، الَّذِي اكتَشَفَ مَوهِبَتَهُ وخَبِرَ ذَكاءَهُ، فَسَاعَدَهُ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى الأَزهرِ الشَّريفِ لاتمامِ دِرَاسَتِهِ بَعدَ أَنْ نَالَ الإِجازَة فِي العُلُوم العربِيَّةِ وَالشَّرعِيَّةِ.

   سَافَرَ الدُّكتور صبحِي الصَّالح إلَى القَاهِرة عام 1934م، وَانتَسَبَ إلَى كُليَّةِ أُصُولِ الدِّينِ فِي الأَزهَرِ الشَّرِيفِ، فَحَصَلَ علَى الإجازةِ عام 1947م، ثُمَّ علَى الشَّهادةِ العَالِمِيَّةِ عام 1949م، وَفِي الوَقتِ نَفسِهِ، كَانَ يُتَابِعُ الدِّراسَةَ فِي كُليَّةِ الآدابِ فِي جَامعةِ القَاهِرةِ، فَحَصَلَ علَى اللِّيسَانس فِي الآدابِ العَربِيَّةِ بَدَرجةِ امتياز عام 1950م.

 عَادَ الشَّيخُ صبحي الصالح إلَى طرابُلس، فَمَكَثَ فِيها مُدَّةً وَجِيزَةً، ثُمَّ شَدَّ الرِّحالَ إلَى فرنسا، فَأَتقَنَ لُغَتَها فِي وَقتٍ قَصيرٍ، ثُمَّ التَحَقَ بجامعةِ السوربون فِي باريس، فَنَالَ مِنها دُكتوراه فِي الآدابِ عام 1954م علَى أُطرُوحَتِهِ " الدَّارُ الآخِرةُ فِي القُرآنِ الكَريمِ "، و" الإِسلامُ وَتَحدِّيَاتُ العَصرِ ". وَقد قَدَّمَهُما بِاللُّغةِ الفرنسيةِ الَّتِي كانَ قد بَلَغَ فِيهَا مُستَوى كِبارِ كُتَّابِها وَأُدَبائِها.

 تَوَجَّهَ الدكتور صبحي الصَّالح إلَى التَّعلِيمِ الجَامِعِيِّ، الَّذِي قَضَى فِيهِ  أَكثرَ مِنِ اثنَيْنِ وَثَلاثِينَ عاماً مِن الإقراءِ والتَّدريسِ والتَّعلِيمِ والمُحاضَراتِ والنَّوادِي والإِشرافِ والتَّربِيةِ والتَّزكِيَةِ. بَدَأَ بجامعة بغداد (1954-1956 م)، فَجَامِعةِ دِمشقَ (1956- 1963 م)، وكانَ مِن طُلَّابِهِ النَّابِهِينَ محمد الأنطاكي، محمود فاخوري، فخرالدين قباوة، محمد خير زيتوني، علي رضا، محمد التونجي، مازن المبارك، وغيرهم كثيرون، فَجامعةِ بيروت العربيَّةِ  (1963-1986م)، ثُمَّ الجامعة الأردنية (1971-1973 م)، فاللبنانيَّة (1973-1983 م)، وفِي الجامعةِ اللبنانيَّة، انتُخِبَ رَئِيساً لِقِسمِ اللُّغةِ العَربِيَّةِ وَآداِبهَا مُنذُ عام 1957 م، ثُمَّ عُيِّنَ عَمِيداً لِكُليَّةِ الآدابِ فِيهَا.

وَقَد حَاضَرَ العَلَّامةُ أُستَاذُنا الدُّكتور صبحي الصَّالح بِصِفةِ أُستَاذٍ فِي عَددٍ مِن الجَامِعاتِ العَربِيَّةِ، مِنها: جامعة محمد بن سعود الإسلاميَّة في الرِّياض، وجامعة محمد الخامس في الرِّباط، والكُليَّة الزيتونة فِي الجامعة التونسية، كَما أَشرَفَ علَى الرَّسائِلَ الجَامعيَّةِ فِي جَامِعةِ لِيون الثَّالثةِ، وجَامِعةِ باريس الثَّانِيةِ، وكانَ مِمَّن أَشرفَ علَيهِ مِن تلامِيذهِ القُدامى أُستاذنا محمود فاخوري-رَحِمَ اللهُ الجميعَ.

 اُستُشهِدَ العلَّامة الأستاذ الدكتور الشيخ صبحي إبراهيم الصَّالِح العالِمُ الصَّالح جاهِداً مُجاهِداً عامِلاً ناصِحاً، فِي السَّادِسِ من تشرين الأوَّل عام 1986م، فارَقَنا جَسَداً، لكنَّهُ لم يُفَارِقنا رُوحاً وهِمَّةً وجِهَاداً وَمُثابَرةً، وإنَّما رَحَلَ إلى خالِقِ الأَرضِ والسَّماءِ، صَعَدَتْ رُوحُهُ الطَّاهِرةُ إلى بارِئِها . أمَّا المِليشياتُ الطَّائِفيَّةُ الحاقِدةُ علَى العُرُوبةِ والإسلامِ فَقد رَحَلَتْ بِكُلِّ خِزيٍ وَعارٍ تَجُرُّ خلفَهَا أذيالَ الخَيبَةِ، والجَميعُ عايَنَ نِهَايَتَا فِي اتِّفاقِ الطَّائِفِ 1989م، إلَّا الَّذِينَ تَسَتَّرَ بِعباءَةِ المُقاوَمةِ، والمقَاوَمةُ مِنهم بَراء، وَمَعَهُم الأَنظِمةُ الطَّائِفيَّةُ العَمِيلةُ الخَادِمةُ لِلكِيانِ الصُّهيُونِيّ، فَقَدِ انكَشَفَتْ عَورَتُها، وَظَهَرَتْ عَياناً ، وظهرَ القَابِعُونَ في قَصرِ المُهاجِرِينِ وَأَقبِيةِ المُخَابَراتِ جلِيَّاً أنُّهُم هُمُ المسؤولُونَ أوَّلاً وأخيراً عن اغتِيالاتِ الشُّرفاء والأحرارِ في بِلادِ الشَّامِ، وما المجرمُ ميشيل سماحة إلَّا نُسخَةٌ مِن صَنَائِعِهِم وَأَدواتِهِم القَذِرَةِ، كَما ظَهَرَت خِيانَتُها لِشَعبِها حِينَ أَشهَرَتْ فِي وَجهِهِ البُندُقِيَّةَ والمدفَعَ والطَّائِرةَ والدَّبابَةَ، وكُلَّ صُنُوفِ الأَسلِحةِ بِما فِيها الكِيماوِيّ.

 مُؤلّفَاتُهُ

ترك العلامة صبحي الصالح الكثير من الكُتُبِ والمؤلَّفاتِ فِي مُختلَفِ أَنواعِ العُلُومِ وَالمَعارِفِ، وَأَهمُّها:

_ نثر اللآلي في ترجمة أبي المعالي. ( ترجمة لشيخه عبد الكريم عويضة ودراسةٌ عنه)، طرابلس 1956م.

 _ مباحث في علوم القرآن، مطبعة جامعة دمشق، 1959 م.

_ علوم الحديث ومصطلحاته، مطبعة جامعة دمشق، 1959 م.

_ النُّظمُ الإسلاميَّة، نشأتها وتطورها. دار العلم للملايين، 1965 م.

_ الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية، ترجمة بالاشتراك مع الدكتور فريد جبر، دار العلم للملايين، 1967م.

_ تجربةُ التعريبِ فِي المشرقِ العربيِّ.

_ منهلُ الواردينَ في شرحِ رِياضِ الصَّالحينَ. دار العلم للملايين، بيروت 1970 م.

_ معالمُ الشريعةِ الإسلاميَّةِ، دار العلم للملايين، بيروت 1975 م.

_ المرأةُ في الإسلامِ. مؤسسة الدراسات العربية، معهد الدراسات النسائية في العالم العربي، كلية بيروت الجامعية، 1980م.

_ الإسلام والمجتمع العصري. دار الآداب، بيروت، 1982.

_ مقاييس النقد عند المحدثين.

_ أثر الدراسات التاريخية في علوم القرآن الكريم.

_ الإسلام ومستقبل الحضارة., دار الشورى، بيروت، 1982.

_ الأمة ومدنية السلطة في الإسلام. مخطوط.

_ تحقيق كتاب " نهج البلاغة للإمام علي رضي الله عنه". دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1387 هـ.

_ تحقيق كتاب " أهلُ الذمَّةِ لابن القيم". بيروت، 1391ه ـ

_ شرح الشروط العمرية لابن القيّم. بيروت 1391 هـ.

_ التفكير الاجتهادي في الإسلام. وهو الكتاب الذي نال عليه الجائزة.

- الدارُ الآخرةُ فِي القرآنِ الكريمِ باللغة الفرنسية

 _ الإسلامُ وتحدِّياتُ العصرِ. باللغة الفرنسية.

_ ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية، بالاشترك مع دانيس ماسون.

_ الضمير الديني والتسارع التكنولوجي والحضاري. محاضرة، الرباط، 1974 م.

_ الحرية ومفهومها الإيجابي في الإسلام، محاضرة، الرباط، 1975 م.

_ الوعي الكوني في التصور الإسلامي. محاضرة الرباط، 1983 م.

-  دِراساتٌ فِي فِقهُ اللُّغة العربيَّة: دار العلم للملايين، 1379هـ-1960م، وهو من أكثر الكتب التي تحدَّثتْ بسهولةٍ ويسرٍ وإيضاح عن فقه العربيَّة.

 

رَأيٌ وَتَعقِيبٌ

أُستَاذَ أَساتِذتِنا العَلَّامةَ الدكتور صبحي الصَّالِح-رَحِمكَ الله- صَحِيحٌ أنَّنِي لم أَتَتَلمذَ لَكَ، وَلكنَّني تِلمِيذُ أَبنائِكَ فَضيلةِ العلاَّمةِ الدكتور فخرالدين قباوة، والأستاذ العلَّامةِ محمود فاخوري...  واللهِ قَرَأْتُ كِتَابَيكَ قِراءَةً مُتَأَنِيةً، وَكَانَا مُقَررَيْنِ علَينا فِي جَامعةِ حلبَ عام 1983م، فِي السَّنةِ الثَّانيةِ مِن قِسمِ اللُّغةِ العَربيَّةِ، وَهُما:

_ مَبَاحِثُ فِي عُلومِ القُرآنِ، مطبعة جامعة دمشق، 1959م.

_ عُلُومُ الحَدِيثِ وَمُصطَلَحاَتُهُ، مطبعة جامعة دمشق، 1959م.

 فَتَأثَّرتُ بأُسلُوبِكَ وعرضِكَ لموادِّ المقَرَرَيْنِ أيَّما تَأَثُّرٍ، وأُعجِبْتُ بِهِما أيَّما إِعجابٍ، ونَهلْتُ مِن مَعِينِها، وما أَزالُ أُزيِّنُ بِهِما- واللهِ- مَكتَبَتِي، ، كما أَفَدْتُ كَثيراً مِن كتابِكَ القّيِّمِ (دِراساتٌ فِي فِقهُ اللُّغة العربيَّة)، وما أَزالُ أُفيدُ مِنهُ، وأدرِّسُ بَعضَ مَباحِثِهِ، وحِينَ بَلَغَنِي نَبَأُ استِشهادِك وكُنْتُ وَقتَها فِي سُجُونِ الظَّالِمِينَ الطَّائِفِيّيِن أَصابَنِي مَرضٌ فَوقَ مَرضِي، خُصُوصاً أنَّهُ كانَ مِن أبنائِكَ أبناءِ طرابلُسَ مَعَنا فِي مِحنَتَنا، يُحِبُّونَك كما نُحِبُّكَ.

 كُنْتَ رَجُلاً بأمَّة، شَهماً صادِقاً، مُحِبَّاً للعربيَّة، ومدافِعاً عنها، فهي أداة فهمِ القرآن، وشعيرةٌ من شعائِرِ الإسلامِ، أحببناك لما كنْتَ تَحمِلُهُ من وعيٍ وإرادةٍ وعقيدةٍ ومبدأ لم تزحزحك الجبالُ الرَّاسيات، فكنتَ مِثالاً يُحتذى في الصَّبرِ والصّدقِ والعملِ المتواصِلِ، لكنَّ يدَ الغَدرِ الآثِمَةَ امتدَّتْ إلَيكَ، فَامتَزَجَ الدَّمُ القَانِئُ بِالِحبرِ الأَزرقِ لِيصنَعَ رَبِيعاً لِأَجيالِ العَربيَّةِ وَالإِسلامِ.

 كَتَبْتُ عَنكَ لُغَويَّاً وأُستَاذاً جامِعِيَّاً ألمعيَّاً، ولكنَّني أَعترِفُ أنِّي لم أُوَفِّكِ حَقَّكَ مِن جَوانِبَ أُخرى، فأنْتَ -أستاذَنا- مُفكِّرٌ إسلامِيٌّ مِن الطِّرازِ الأوَّل، فأنتَ شَهِيدُ أَهلِ السَّنَّةِ، كما أنَّكَ أَمِينُ رَابِطةِ عُلَماءِ لُبنانَ، وَقبلَهَا رِئِيسُ المجلسِ الإسلامِيِّ الأعلَى فِي لبنانَ،  والأمينُ العامُّ لِلجبهةِ الإسلامِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ فِي لُبنانَ، كما كُنْتَ شَوكةً  جارِحةً فِي حُلُوقِ الرَّوافِضِ والطَّائِفِيينَ. 

 لم تَمْتْ أبداً لكنَّك حيٌّ تُرزَقُ، وَصَدَقَ اللهَ  رَبُّنا حِينَ أَخبَرَنا: (ولا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَموَاتاً بلْ أحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ). أَنْتَ حَيٌّ فِي ضَميرِ أَبنَاءِ العربيَّةِ كما أنَّكَ حيٌّ فِي قُلُوبِ الدُّعاةِ إلَى اللهِ، افتَقَدَتْكَ المَنابِرُ، وَالجامِعاتُ وَالمعَاهِدُ، والنَّوادِي، والمجامِعُ، والمساجِدُ وَدُورُ النَّشرِ وأَهلُ العِبادَةِ وَأَهلُ الصَّلاحِ والذِكرِ، وَلَكنَّكَ بَقِيْتَ فِي قُلُوبِهِم وعلَى أَلسِنَتِهِم وَفِي دَفَاتِرِهِم وَمُدَوِّناتِهِ، وَفِي حَركاتِ أَقلامِهِم وسَكَناتِ أَوراقِهِم، ونَبضِ أفكارِهِم، رَحمَكَ اللهُ وتَقبَّلَك أيُّها اللُّغَويُّ الثَّائِرُ.

نشرت 2016 وأعيد تنسيقها ونشرها 30/1/2022