العظيم أحمد ديدات.. تعيش انْتَ! (1)

العظيم أحمد ديدات.. تعيش انْتَ! (1/2)

د. عبد السلام البسيوني

كتبتها منفعلًا بإهمال الإعلام له رحمه الله تعالى، ثم أكملتها، بلغة أهدأ.

 

يا عين يا ليل.. قُتلت الأخت في الله ذكرى التونسية - فاكرينها - فضجت وسائل الإعلام الله يحفظها، بالتصريحات الباكية، التي تسيل أسًى ولوعة، تبكى شبابها المغدور به، وتندب حظ الفن العربي البتل والمشفِي ) اللي ما شبعش منها ومن إبداعْها، وتؤكد أن الحضارة العربية الشماء - بفقدانها - خسرت خسارة غير عادية!

ولأنها كانت قمة سامقة، وأنموذجًا لا يتكرر للإبداع المتعري) الوقور (تطوع أحد المحسنين الكبار قوي قوي، اللي بيطلعوا في مجلة فوربس بتاعة الْيتان البلاعة، فأرسل طائرة خاصة، تحت تصرف أهلها وحبايبها، حتَّى تشيع إلى جنات الْخلد.. يا ذكرى!

ويا ليل يا عين.. عانى الفنان الأسمر حبة وجع، فقامت الدنيا - ولسه واقفة - فسال الحبر الأسود أنهارًا، يتتبع حالته يومًا بيوم، وساعة بساعة - حتَّى آخر لحظات الدفن – وكانت العناية به دقيقة، والمتابعة من أعلى المستويات الرسمية والفنية والإعلامية: دا زاد/ دا انحسر/ دا حرك راسه/ دا طلب شوربة/ دا خلص نص الفيلم/ دا لسه ما خلصوش/ دا خلصه كله/ دا دخل التواليت/ دا ابتسم/ دا....، وبعد أن أفضى إلى ربه تعالى - أسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة - بدأت التحليلات، والولولات، والمناحات تترحم على الفن الجميل، وما خسرته الأجيال من إبداع وعطاء، كان جديرًا أن يرفع الأمة نحو آفاق المجد والعلاء، والإقلاع الْضاري الذي لا يقفه شيء!

 

ويا عين يا عين يا ليل.. أذكر أنه لما مات العندليب - رحمه الله - خرجت جنازته الضخمة التي لا مكان فيها لقدم، والحناجر المشيعة تكاد تنشق من البكاء، والبنات المفجوعات يمزقن شعورهن، ويقطعن ثيابهن، ويصرخن: سيبوه.. موديينه فين.. يا حبيبي يا اسمر؟ ونالت إحداهن الشهادة (شهادة الوفاة) بأن قتلت نفسها حزنًا واكتئابًا، على مذهب فضيلة الشيخ نزار أنه: قد مات شهيدًا من مات فداءً للمحبوب.

ويا ليل يا عين اشتكيت.. واحد فنان كبيييييير قوي قبل هذين وبعد العندليب، ما كان يجرؤ أحد أن يمس طرفه بكلمه، لأياديه البيض على الفن الجميل، فلما مات اهتزت الدنيا لموته، وخرج نعشه إلى الجامع الرسمي للصلاة عليه، في جنازة رسمية مهيبة - ولعله كان ملفوفًا بالعلم الوطني - ولأن المرحوم البيه الكبيييييير قوي كان مقطوع الصلة هو وعائلته الكريمة بكل شيء رجعي وظلامي وتاريخاني، اكتشف أحد الصحفيين الحشَريين البايخين أنهم وضعوه في النعش الله يكرمكم ب .....، وبكامل ثيابه الأنيقة، دون أن يغسل أو يكفن كالمسلمين، فصمم أخونا الصحفي على أن يغسلوه ويكفنوه، وتم ذلك فعلًا ، ثم سارت الجنازة الرسمية المهيبة تشيعه إلى جنة الخلد اللهم آمين..

صحيح أنه لم تتحدث وسائل الإعلام عن أخذه للدفن ب ..... وبهدومه، لكنها لا تزال تتحدث - بمختلف أطيافها - عن أياديه البيض على الجمال، والفن، والإبداع ع ع ع.. يا ليل ياليل!

ويا عين يا عين اتلهيت.. وعلشان عيون ماما فلانة، وبابا علان، وقفت الصحف العربية التنويرية، والفضائيات والمجلات الفنية، تتحدث عن قضية ابنهما الجدع (أحمد) وضناه، وفلذة كبده، اللي جابه من (علاقة حب بريئة نقية)، حتَّى هددت بعض الجهات بفحص الدي إن إيه بتاع البيبي الننوس، ووقفت الفضائيات التقدمية متعاطفة مع عشيقته، بنت الناس الحلوين النخبة، مطريةً شجاعتها، وتصميمها إن الواد منُّه هو، مش من غيره، مؤكدة معها إن دي علاقة حب ما فيهاش أي حاجة، وما حدِش له كلام معانا.. آه! وكسب الواد وأبوه وأمه - والبيبي الله يحفظه - دعاية تساوي ملايين.. ببلاش.. ولا يزالون نجومًا متلألئة.

وآه وآه وآه.. تعال لأخبار مفكر جاد، أو أكاديمي كبير، أو شاعر مبدع، أو باحث مثابر، أو إنسان نقي غلبان، أو شاب طموح، أو وطني غيور، وأخبرني.. أين أجدها؟

أين أخبار ومتابعات تناسب قامة أحمد زويل مثلًا أو فاروق الباز أو أحمد شفيق أو محمد قطب أو محمد التهامي أو فاروق جويدة أو جمال سلطان أو عبد الوهاب المسيري أو عصام البشير أو عاطف رضوان أو صلاح الصاوي أو البوطي أو سهيلة زين العابدين، أو أحمد الريسوني، أو ألوف غيرهم - لا أستطيع حصرهم - من الكبار في تخصصاتهم وفي عطاءاتهم، وعقولهم، ووطنيتهم، وإنسانيتهم؟

 

صحافتنا التقدمية تهتم بوشم بيكام اللي اكتشف فجأة أن أمه يهودية، وبأخبار الحشاش

مارادونا اللي بقي زي الفيل، وبفستان ناعومي كامبل، وعيون إنجلينا جولي، وبراكب يمارس الجنس مع راكبة في الطيارة، وبفحولة الراجل المصري العنيف اللي جنن مراته، وفرقعة سيد القمئي، وبأخبار فيفي عبده وروبي، والأجوان اللي سجلها خيشة الاحول، وإبداع الرفيق عويس طوِل بالك، وبعدين؟

أنا والله أتقطع حسرة.. وبعدين؟

 

بأي ميزان نزن؟ ولأي هدف نسير؟ ونحو أي هاوية ننزلق؟ ولْساب من نبيع عقولنا؟ الرجل الكبير الشيخ أحمد ديدات مات.. هل سمعتم هذا؟! فكم سنة سنتكلم عنه؟ وكم رسالة أكاديمية ستؤلف فيه؟ وكم بحثًا سيتولى نشر سيرته؟

الرجل الكبير الشيخ أحمد ديدات مات: هل سنرى أفلامًا عن رحلته، أو مسلسلًا عن حياته، أو مقالات متخصصة - ليومين اثنين فقط - تغطي جوانب تميزه؟

أحمد ديدات تعيش انتا.. بعد رحلة دعوية دامت قريبًا من 65 سنة متواصلة، ونحو 10 سنوات قضاها مشلولًا بالكامل في سريره، لا يقدر على تحريك أي شيء من جسمه غير عينيه، ولسانه الأشل الذي يخرج أصواتًا لا كلمات.. وخلال هذه السنين العشر التي أصابه فيها العطب الكامل لم تذكره جريدة، أو مجلة، أو فضائية، أو حفلة تكريم إسلامية، أو حفاوة رسمية!

 

لقد تمزق قلبي حين رأيته قبل سنوات على سريره، والشلل يقيد جسمه كله، والدموع تنهمر من عينيه، والأصوات المبهمة تخرج من حنجرته، لا يستطيع معها تعبيرًا، والعجز يغطيه من أعلاه لأسفله، لا يستطيع معه حركة، وهتفت: يا الله؟!

 

أهذا هو ديدات الذي كان يقف – بعد السبعين من عمره - كالرمح المسدد، ثلاث ساعات أو أربعًا، يناقش ويناظر، ويدلل ويحاور، ويسخر ويفحم؟

 

أهذا هو الذي واجه القساوسة المعادون للإسلام: جيمس استيوارت، وبيلي جراهام، وأنيس شروش (الذي لفَّق قرآنا من دماغه كان يوزع في الكويت) وغيرهم!

أهذا هو الذي طلب مواجهة البابا بولس السادس مباشرة في مناظرة مفتوحة، وعلى الهواء، اعتدادًا بما عنده من الحق؟

في لندن، بكلماته البينة، أهذا ديدات الذي هزَّ جوانب قاعة ألبرت Albert Hall وبإجاباته المفحمة، ومناظراته الدامغة، وبالتصفيق الضاج الذي ناله؟

أهذه حنجرته التي كانت تهدر - في تدفقٍ آسرٍ – ناطقة بشواهده من القرآن الكريم، والكتاب المقدس، والأسفار، والمزامير يحفظها عن ظهر قلب!؟

أهذه صلابته التي واجه بها عتاة المنصرين وكبار القساوسة، في قوة، وكبرياء، وثقة، واقتدار، وامتلاك لناصية الحوار؟!

أهذا هو الرجل الذي حاورتُه في الدوحة قبل اثنتي عشرة سنة، وهو يعتب، ويوجه، •

وينتقد، ويناقش، ويستفسر، ويطلب، ويمزح، ويصول، ويجول؟

أهذه هي ابتسامته العريضة التي طالما أضاءت وجهه، والسماحة التي كانت تكسوه،

وشيبه الذي أعطاه المهابة والإشراق؟!

لقد كان رحمه الله نسيج وحده، صنع نفسه بعصامية فذة، دون دراسة نظامية - كما فعل العملاقان العقاد والرافعي رحمهما الله - واختط لنفسه منهجًا دعويا يتفرد به، هو منهج المواجهة والمناظرة، مع التأليف والنشر والتوزيع، بل لقد إلى على نفسه أن ينشر مليون نسخة مجانية من ترجمة عبد الله يوسف علي لمعاني القرآن الكريم، وسيوفي الله عنه نيته إن شاء الله تعالى.

 

صدقوني، إنه رغم معرفتي بأن بعض مشايخي الكرام يتحفظون على منهجه، فإنه مطلوب جدا في هذه الأيام، بعد تغوُّل الفضائيات التنصيرية التي تتفنن في سب الإسلام، وإلقاء الشبهات، وبث المغالطات والافتراءات، واستغلال جهل العامة بالدين، وموجة الكراهية التي تنطلق ضد عقيدتنا وقرآننا.

 

صدقوني إن الأمة في حاجة ماسة له ولأمثاله هذه الأيام، التي لم يعد نشر الإنجيل فيها قاصرًا على نسخ مهربة، بل صار يأتي - بشكل إعلامي مدروس ومتقن - من السموات المفتوحة، والفضائيات الموجهة، التي لا يمكن وضع مراقبين، ولا مخبرين، ولا قوات أمن، لتحول دون دخولها البيوت والعقول.. فمتى نجد مناظراته تبث في قناة إسلامية متخصصة في الدفاع عن الإسلام، بإجادة بديعة، وتقنية رفيعة، وحرفية واثقة، ونية صادقة؟

متى ستقيم دولنا التي تدين بالإسلام قنوات جادة تنصُر هذا الدين، وتقدمه للناس دينًا سمحًا كريمًا نقيا، تحتاجه البشرية خلاصًا لها من التيه والهروب والتدمير والإرهاب والطوارئ وأنهار الدم الثجاج؟! اللهم ارحمه، واقبله عندك في المهديين.. يا كريم.

 

لفتة أميرية نبيلة

أصدقكم القول سادتي: لقد كنت في غاية الإحباط والانكسار؛ بسبب وفاة الشيخ ديدات رحمه الله تعالى، ومعرفتي الأكيدة أننا أمة مخدوعة، ته تم بالهامش وتترك الصُّلب، وتنشغل بالقشرة، وتهمل الجوهر، وتُع نى بالاحتفال على حساب الإنجاز، كتبت ذلك في الراية صبيحة الجمعة، في سخرية مريرة، ومرارة ساخرة. وذكرتها أيضًا في خطبة الجمعة على منبر أبي بكر الصديق.

 

وحين كتبت مقالي الوجيع تساءلت:

الرجل الكبير الشيخ أحمد ديدات مات، هل سمعتم هذا؟! فكم سنة سنتكلم عنه؟ وكم رسالة أكاديمية ستؤلف فيه؟ وكم بحثًا سيتولى نشر سيرته؟

الرجل الكبير الشيخ أحمد ديدات مات: هل سنرى أفلامًا عن رحلته، أو مسلسلًا عن

حياته، أو مقالات متخصصة - ليومين اثنين فقط - تغطي جوانب تميزه؟

أحمد ديدات تعيش انت.. بعد رحلة دعوية دامت قريبًا من 65 سنة متواصلة، ونحو 10 سنوات قضاها مشلولًا بالكامل في سريره، لا يقدر على تحريك أي شيء من جسمه غير عينيه، ولسانه الأشل الذي يخرج أصواتًا لا كلمات.. وخلال هذه السنين العشر التي أصابه فيها العطب الكامل لم تذكره جريدة، أو مجلة، أو فضائية، أو حفلة تكريم إسلامية، أو حفاوة رسمية!

وكان ما زعمته أن أحدًا لن يهتم بوفاته، ولن يفكر في غائب بعيد، يسكن أقصى الأرض/ في جنوب أفريقيا/ في قاع العالم! من سيحس به؟ ومن سيترحم عليه؟!

وحتى لو فعل أحد شيئًا، فغاية الجهد أن يرسل برقية مواساة (عظم الله أجركم)، ودمتم! لكن كان لأمير قطر النبيل رأي آخر، لا يستغرب من مثله: فمهما بعدت ديربان عن

الدوحة، ومهما غاصت جنوب أفريقيا في قاع المعمورة، فلن تكون بعيدة عن أهل المكارم، الذين يقدرون الناس، ويُنزلونهم منازلهم، ولا عجب ف (إنما يعرف الفضلَ من الناس ذووه)!

لم يطل إحساسي بالانكسار إلا لصباح السبت - أقل من أربع وعشرين ساعة – لأرى في الجريدة ما خفف عن نفسي وطأة لوعة موت ديدات الموجع، وحرارة صيف الدوحة الهائل اللاهب، وقهر إحساسي بالنكران والجحد.

 

لقد أبى الرجل النبيل - أجزل الله مثوبته - إلا أن يرسل إلى جنوب أفريقيا - قاع العالم - ابنه، سمو الشيخ جوعان؛ ليواسي أهل فقيد الإسلام، ويحمل إليهم تعازي سمو أمير قطر وأهلها في وفاة الشيخ العظيم، ويتجول بينهم في ود وبساطة، وحسن تقدير، فأزال عن القلوب انكسارها، ورسم بسمة في الوجدان، ودعوة له على اللسان.

 

ووالله إني لأرجو أن تكون هذه اللفتة الأميرية النبيلة في ميزانه يوم القيامة؛ فإنها تحمل في أطوائها توقير الدين، وإجلال العلماء، ومعرفة الفضل لأهل الفضل.. وهذا ا يحبه الله تعالى ويرضاه، ويقبله.

وأزعم واثقاً أن هذا المنهج هو إتمام لمسيرة، وبناءٌ على ما أسسه آباءٌ، عُرفوا بحب العلم والعلماء، واشتهروا بدعمهم وحمايتهم وإكرامهم.

شكرًا لكم - ألف شكر - وليدم بك هذا المنهج أيها الأمير النبيل، وليحفظ الله أهل البر والأيادي البيض في قطر أجمعين، وليكن هذا إرهاصًا بأن للإسلام والعلم وأهله شأنًا يليق بهم في هذا البلد الطيب..

وهل يُستغرب ألا تفوتكم هذه اللفتة الكريمة؟

 

رحلة ديدات الدعوية (باختصار، من مصادر عديدة)

الشيخ الفارس المقاتل المناظر الحجَّة الصلب الشامخ: أحمد حسين كاظم ديدات (1 يوليو 1918 م – 8 أغسطس 2005م )، داعية وواعظ ومُحاضر ومُناظر إسلامي، اشتُهِر بمناظراته – 1918 وكتاباته في مقارنة الأديان، وعلى وجه الخصوص بين الإسلام والمسيحية.

أسس وترأس المركز الدولي للدعوة الإسلامية في مدينة ديربان في جنوب أفريقيا، ونال جائزة الملك فيصل لجهوده في خدمة الإسلام عام 1986 م!

وُلد رحمه الله تعالى لأبوين مسلمين؛ حسين كاظم ديدات وزوجته فاطمة، وهاجر إلى جنوب أفريقيا في عام 1927 ليلحق بوالده الذي غير اتجاه عمله الزراعي هنالك، وعمل ترزيًّا .

نشأ ديدات على منهج أهل السنة والجماعة منذ نعومة أظافره، فلقد التحق بالدراسة بالمركز الإسلامي في ديربان لتعلم القرآن وعلومه، وأحكام الشريعة الإسلامية. بدأ دراسته في العاشرة من عمره، وفي عام 1934 أكمل المرحلة السادسة الابتدائية، ثم قرر أن يساعد والده فعمل في دكان يبيع الملح، وانتقل للعمل في مصنع للأثاث أمضى به اثني عشر عامًا.

صعد خلالها سلم الوظيفة من سائقٍ إلى بائعٍ ثم إلى مديرٍ للمصنع، وفي أثناء ذلك التحق الشيخ بالكلية الفنية السلطانية، فدرس فيها الرياضيات وإدارة الأعمال، وتزوج وأنجب ولدين، وبنتًا!

لم يتلق تعليمًا دينيا رسميا كاملًا؛ إلا أن سخرية بعض زملائه الذين تأثروا بالبعثات التنصيرية من زواج الرسول من عدة نساء، قد أثارت فيه الغيرة والحماسة؛ ليغير مجرى حياته، إذ عمد إلى اقتناء نسخة من القرآن باللغة الإنجليزية، ونسخة من الإنجيل، ليبدأ بعدها رحلة من التعلم الذاتي، أعانه على ذلك ذاكرته المتميزة، وأسلوب حديثه الشائق، اللذان أكسباه شهرة واسعة عند الجالية المسلمة جنوب أفريقيا! حيث أسس لاحقًا معهد السلام لتخريج الدعاة، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة ديربان!

في بداية الخمسينيات أصدر كتيبه الأول: ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم؟ ثم نشر بعد ذلك أحد أبرز كتيباته: هل الكتاب المقدس كلام الله؟

وفي المحُصلة ألف ديدات أربعة وعشرين كتابًا، وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان، بخلاف المناظرات التي طبع بعضها، وقام بإلقاء مئات المحاضرات في جميع أنحاء العالم.

 

وفي عام 1959م فرغ نفسه للمهمة التي نذر لها حياته فيما بعد، وهي الدعوة إلى الإسلام؛ من خلال إقامة المناظرات، وعقد الندوات والمحاضرات!

 

وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور زار العديد من دول العالم، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال كلارك وجيمي سواجارت وأنيس شروش! ولهذه المجهودات مُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986 بالمشاركة!

وفي عام 1996 بعد عودة ديدات من أستراليا بعد رحلة دعوية أصيب بمرضه الذي أقعده طريح الفراش طيلة تسع سنوات، وقيل إنه كان قد أصيب جلطة في الشريان القاعدي في شهر أبريل عام 1996 بسبب عدة عوامل؛ على رأسها أنه مريض بالسكري منذ فترة طويلة، وقد أصيب بجلطة في الدماغ، فتعلم أن يتواصل مع من حوله من خلال سلسلة من حركات العين بتخطيط محدد، ويتم تشكيل الجمل والكلمات من خلال التعرف على الحروف المرادة من هذا المخطط، وأمضى آخر تسع سنوات من حياته على السرير في منزله في جنوب إفريقيا، حيث قامت زوجته حواء ديدات بالاعتناء به، ليتوفى لاحقًا صباح يوم الاثنين الثامن من أغسطس 2005 م الموافق الثالث من رجب 1426 ه . وبعده بعام توفيت زوجته حواء ديدات في يوم الإثنين 28 أغسطس عام 2006 عن عمر 85 سنة.

صُنِّف ديدات بأنه داعية وعالم إسلامي كبير ومعروف على الصعيدين العربي والإسلامي.

استقرَّ المقام بأسرة ديدات في مدينة ديربان مهورية جنوب أفريقيا حيث الديانة السائدة هي المسيحية، واللغة الرسمية السائدة هي الإنجليزية، والسياسة الرسمية هي التفرقة العنصرية التي انقشعت مظالمها من الدنيا بأسرها؛ ما عدا هذه الدولة التي يسيطر عليها الأوربيون في جنوب القارة الأفريقية.

 

وهناك التحق بالمدارس الإسلامية، وتلقى التعليم الابتدائي فيها، وفي مرحلة الصبا قرر ترك الدراسة ومساعدة والده، فعمل موظفًا بمؤسسات تجاريَّة، وبدأ بالاحتكاك بأنواع مختلفة من البشر، ومنهم سياح، وغالبًا كانوا غربيين، ومنهم نسبة كبيرة من جنوب أفريقيا نفسها، التي تضم نسبة لا بأس من الأوروبيين البيض، الذين استوطنوها منذ أيام الاستعمار، وأصبحوا مواطنين، وذهابهم إلى ديربان كان مجرد سياحة داخلية، كانوا يشكلون النسبة العظمى من السياح الذين تستقبلهم ديربان سنويًا. ورغم تطبيق البيض في جنوب أفريقيا نظام الفصل العنصري الذي أدانه العالم بأسره ودام حتى منتصف تسعينيات القرن العشرين الميلادي، فإنهم - وكما قال ديدات بإحدى مناظراته – كانوا مسيحيين محافظين، لا يعترفون بتعاليم المذهب الكاثوليكي الذي يعتبرونه معيبًا، وتشوبه بعض التعاليم الدخيلة على المسيحية.

ويعتبر البيض في جنوب أفريقيا بعض طقوس الكاثوليك نوعًا من الشرك، وشبيهة بالطقوس الوثنية، إضافة إلى اختلافهم مع العقيدة الإسلامية بشأن سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، الذي يعتبره القرآن رسولًا من الرسل، وليس الرب.

 

بدأ الشاب ديدات - نتيجة اختلاطه بالناس - بالانفتاح على ثقافات وآراء متنوعة، وصار يستمع إلى ملاحظات غريبة على ثقافته الإسلامية، بعضها كان يصدر عن جهل بالإسلام، وبعضها كان يصدر عن قصد، إلا أن الشاب المسلم المتحمس لم يستطع أن يسكت طويلًا على بعض الأغاليط، مثل زعم أن الإسلام انتشر بالسيف وما شابه من آراء تنتقص من الإسلام، فانتفض للدفاع عن عقيدته؛ فانكب يدرس الإنجيل بتمعن، وخبر تعاليم التوراة، واطلع على التيارات العقائدية في المسيحية خصوصًا، والديانات الأخرى عمومًا، وانطلق يناظر ويحاجج ويناقش، وطاف بلادًا كثيرة؛ مكرسًا ستة عقود من حياته من أجل الدفاع عن القرآن والدعوة للدين الإسلامي.