العشرة الكاملة.. في قوة الشخصية! (3)

القرّاء الكرام..

تعالوا نعدّد معاً عشرة جوانب اجتماعية، لسلوكيات واختيارات فردية، تقف فيها قوة الشخصية سوراً مانعاً من التطرّف، فتضبط الميل نحو الإفراط، وتحدّ من الرغبة في التفريط!

بين التواضع والتذلل، تقف قوة الشخصية..

بين الثقة والغرور

بين الجرأة والوقاحة

بين الفردية والجماعية

بين الطاعة والعصيان

بين النصيحة والفضيحة

بين التوكل والتواكل

بين الاحتياط وسوء الظن

بين الشهرة والاختفاء

بين الاختلاف والخلاف.. تقف قوة الشخصية..

نعم، إن قوة الشخصية هي الوسط الذي يبحث عنه كل الناس، هي الواحة التي تسعهم بفيئها، وتستوعبهم بوضوحها، فتعطيهم بثقة، وتأخذ منهم بحق، وتطالبهم بحزم واحترام، وتمنحهم بحب واهتمام..

لكنّ النماذج التي تطالعنا صباح مساء، وترفع لواء الشخصية القوية، وتسلط أكثرية وسائل الإعلام عليها الضوء، على اعتبار أنها الطراز الفريد لنساء القرن السعيد، ليست في الوسط، بالتأكيد، وقولاً واحداً..

 

فلا يمكن لامرأة تشنّ حروبها على الدين والأخلاق، والحقوق الأسرية، والنظم والمؤسسات الاجتماعية، والفطرة الإنسانية، والأنوثة الطبيعية (التي تعتبرها ضعفاً وعيباً ومسوّغاً لإيقاع الظلم عليها!)، أن تكون بحال من الأحوال ذلك المثال الأعلى لكل باحثة عن "قوة الشخصية"!

 

والرجل (الطبيعي) معذور وقتها أن يحذر من تلك الشريكة المخيفة، التي لن تعترف له بحق، ولن تقوم له بواجب! ومن ذا الذي يجرؤ أن يشارك حياته مع مارد جموح، كلما حكّ مصباحه، خرج عليه بجبروته، تالياً على المستدعي لائحة الممنوعات، قبل أن يمنّ عليه ببعض العطايا المشروطة؟!

 

وإذا عدنا بالزمن إلى يوم خطبت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فهل خاف ذلك الشاب الصادق المستقيم، القوي الأمين، من امرأة ظهرت قوة شخصيتها بالدرجة الأولى في مبادرتها ، والإعلان عن رغبتها بالارتباط به، بطريقة لم تخدش بها أنوثتها وكرامتها؟!

 

هل تردد عليه الصلاة والسلام في أمر امرأة كانت تشع بين أهل مكة حسباً ونسباً، ووجاهة وشرفاً، ومالاً ونفوذاً، وهي الأكبر منه سناّ، وقد سبق لها زيجات وإنجاب؟!

لم لم يخف؟ لم لم يتردد؟

لأنه كان يعرف صلى الله عليه وسلم ماذا يعني أن تتزوج من امرأة حقيقية!

إنها الحالة التي نريدها أن تتكرر في رجالنا ونسائنا:

فسيّد الرجال لا يتزوج إلا من سيدة النساء، ومن لم يكن كَسيّدِهم، فله أن يخاف من سيدتهنّ!

 

إن السيرة النبوية حفظت لنا تلك الأحداث الإنسانية النبيلة، وغيرها الكثير، وذهبت بنا مذاهب الرجولة والأنوثة الحقيقية، ولم تبقِ لنا حجة في اتباع صور مشوهة، يسعى العالم اليوم لتعميمها، وفرضها لتكون الوضع المقبول لدى أشباه الرجال وأشباه النساء!

وحتى لا تضيع منا واسطة العقد في موضوعنا، أختم المقالة بخمس صفات أساسية للمرأة ذات الشخصية القوية، لأكمل في الجزء الرابع الأخير الصفات الخمس المتبقية، ونكون بذلك قد أتممنا عشرة كاملة (وهي المقصودة من عنوان السلسلة):

إنها امرأة تتحمل المسؤولية، وتأخذ كل دور من أدوارها على محمل الجدّ والاجتهاد..

إمرأة تستند إلى مرجعية ربانية رسالية شاملة، وتمتلك "مسطرة قيم"، تقيس بها نفسها، ومن حولها، وما حولها، وتتعرف من خلالها على الخير والشر، والصواب والخطأ..

* هي التي عقدت مع ربها رابطة حب وخضوع، فأتقنت عباداتها، ورضيت بمقسومها، وسلّمت في المكتوب لها، وأحسنت الظن، فأحسنت العمل..

* إنها المرأة التي تملك التصوّر الطموح، وتعدّ له التصرّف المسموح، والنجاح عندها أن تنتقل من واقع معاش إلى عيش متوقع بخطة علمية عملية، تُقيّم بالمساعي لا بالأماني، وتستمر بالنضال لا بالانتظار..

* وهي التي تستطيع التحكم بمشاعرها، وتملك القدرة على المسامحة والعفو، وتعلم أن القوة ليست بالانتقام، بل بالترفع والاحترام، ولا ترد بالمثل الأدنى، لأنها تعامل الله تعالى في خلقه، ولا تحاكم الخلق عند ربهم..

إنها خمس خصال ضرورية، لنتعرف على الشخصية القوية: تحمّل المسؤولية، والاستناد إلى مرجعية، الطاعة لله بصنوف العبادات، الطموح والعمل، السماحة في الخُلق، والرفق والاحتساب مع الخَلق.

فهل وجدتم من بين هذه الصفات ما يُخيف؟!

وكيف تتوقعون أن يكون شكل بيوتنا ومؤسساتنا ومجتمعنا، إن حظينا بهذا المستوى الراقي من "الجنس اللطيف"؟

نكمل عدة الصفات -بإذن الله- في المقال القادم، فتفضلوا بمتابعة السلسلة، لنختم المسألة، ونأخذ الخلاصة، وننتقل بحماس وأمل، إلى ميدان العمل..


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين