الصَّيْفُ فُرْصَتُكَ الذَّهَبِيَّة

إنه الصَّيف! ذلك الموسم الذي يُريح البعضَ ويُزعج آخرين. أما الشباب والطلاب فإنه بالنسبة لهم: أ. فراغ قاتل مُملّ ب. أو فسحة للعمل لتغطية نفقات الشتاء والدراسة ج. والقليل هم الذين يجمعون بين حقهم في تأمين مصالحهم الشخصية وبين واجباتهم تجاه مصالح الأمَّة. لماذا؟ ربما لأنه يَستخفُّ بطاقاته وبما يمكن أن يقدمه وينجزه. 

ونحن في هذه العُجالة لن نطيل في بيان خطورة الفراغ غير المستثمَر الذي قال الشاعر فيه: 

إنَّ الفراغَ والشبابَ والجِدَهْ =مَفْسَدةٌ للمَرْء أَيُّ مَفْسَدَهْ![

الجِدَة: الغِنى] 

كما أننا لن نستَطْرِد في الكلام على أهمية الشباب - سواء المرحلة العمرية أو الشريحة الاجتماعية - التي قيل فيها: (الطفولة صحةٌ بلا عقلٍ ولا قوةٍ، والشيخوخةُ عقلٌ بلا صحةٍ ولا قوةٍ، والشبابُ صحةٌ وعقلٌ وقوةٌ!) حيث تجتمع فيه مقوِّمات فعّالة قد يقصِّر كثير من الناس في اكتشافها فضلاً عن استغلالِها وتنميتِها؛ كما أخبر بذلك سيدنا محمد r فقال: "نِعمتان مَغْبونٌ فيهما كثير من الناس: 1. الصِّحة 2. والفَراغ". رواه البخاري. 

وهذه بعض الأفكار والاقتراحات نماذج عملية واقعية نقدمها لكل شاب: 

1. أَفِد المجتمع بحسب اختصاصك: 

فقد تكون طالباً في السنوات الأخيرة في الطِّب، أو في التربية وعلم النفس أو الاجتماع، أو الإعلام أو الإدارة أو الكومبيوتر...، أو في مهنة وحرفةٍ ما، فلماذا لا تقوم بالتنسيق مع إمام المسجد أو رئيس مركز إسلامي؟ بتنظيم محاضرات أو لقاءات توجيهية في التوعية الصحية، والغذائية، والوقائية، والإسعافات الأولية، والمهارات التربوية والإدارية والفنية (مِن رسم وأشغال يدوية وديكور...) أو اللغات والترجمة... علماً بأن الاستفادة من الطاقات هي من هَدْي النبي r؛ فقد أَمر الصحابيَّ الشابَّ حافظَ القرآن زيدَ بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود "السُّريانية" ليتولّى ترجمة وكتابة المراسلات بين النبي r وبينهم، فأتقن زيدٌ السُّريانية في 15 يوماً!! وتعلَّم العِبرية أيضاً! 

2. اعمَلْ على تنمية ثقافتك الإسلامية: 

فـ "طلب العِلم فريضة على كل مسلم" - كما في الحديث النبوي - وهذه نتيجةٌ تلقائية للانتماء لهذا الدين والاعتزاز به، وشَرْطٌ ضروري للقيام بواجبِ تبليغِ الإسلام والتعريفِ به ومناقشةِ وعَرْضِ الشبهات الموجهة إليه، وفاقدُ الشيء لا يُعطيه! خاصة في بعض المناهج ومِن كثير من المحاضرين في الجامعات حيث ليس للإسلام "مَنْدوب" غيرُك. فيمكنك أن تستفيد من مهارة القراءة التي اكتسبتها في دروسك الجامعية فتَضَعَ لنفسك بَرنامَجاً منوَّعاً بِـ: انتقاء خطيب الجمعة، وحضور الدروس والمحاضرات، ومطالعة الكتب السهلة القيِّمة - وما أكثرَها وما أرخصَ ثمنَها -، وسماع الأشرطة وأقراص CD الهادفة، والمشاركة في دورات سريعة... وبذلك تكون وارثاً لِهَدْي النبوة، وداعياً إلى الإسلام بَدَلَ أن تَخْجَل أمام الشبهات التي تُعرض في القاعات دون أن تملك إجابة عنها. 

3. ساهِم في تشكيل الرأي العام وتصحيحه: 

فالمساهمة في ذلك من مسؤوليتك، ويمكنك الوصول إلى ذلك عبر متابعة نشرات الأخبار وقراءة الصحف والتحليلات، حتى تصل بعد فترة إلى الرد على ما يشوّه الإسلام أو يضرّ المجتمع في جوانبه كافة. وإياك أن تكون من الطلاب الذين يقتصرون على الدراسة والترفيه دون أن يعرفوا ما يجري حولهم بدعوى أنهم يؤجلون ذلك إلى ما بعد التخرج! فإن الثقافة والمهارات مكاسب تَراكمية، وكما قال الحكيمُ ابنُ عطاء الله السكندري: (مَنْ كانت بدايته مُحْرِقة: كانت نهايته مُشْرِقة). 

4. مارِس الرياضة: 

مثل كرة القدم وكرة السلة والركض ورفع الأثقال والسباحة (بعيداً عن الأجواء الموبوءة بالفسق والتعرّي، فيمكنك اختيار الوقت المناسب، والمكان المناسب كالنوادي الإسلامية)، للمحافظة على الصحة والبعد عن السُّمنة. 

5. التحقْ بالدورات القرآنية الصيفية: 

فيمكنك المشاركة فيها بحسب ميولِك وإمكاناتِك والحاجةِ إليك؛ بتولّي الإدارة، أو النظَارة، أو الإشراف التربوي، أو التدريس، أو التدريب الرياضي والترفيه، أو توزيع الإعلانات، أو جَمْع التبرعات وتأمين الجوائز والمحفِّزات... فإنْ لم تتمكن من ذلك فلا أقلَّ من التأييد ولو بالكلمة الطيبة والبَسمة؛ كما قال r: "لا تَحْقِرنَّ مِنَ المعروف شيئاً، ولو أن تَلْقى أخاك بوجهٍ طَلِق" رواه مسلم. وقال الشاعر: 

لا تَحْـقـِرَنّ صَغـيـرةً =إنَّ الجِبـالَ مِنَ الحَصـا 

6. ارتبِطْ بالمسجد: 

فهو خير بقاع الأرض، وفي حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله منهم: "شابٌّ نَشأ في عبادة الله عز وجل، ورجلٌ قلبه معلَّق بالمساجد". وبذلك تَكسب أجرَ صلاة الجماعة، والصحبةَ الصالحة، والتزود بالإيمان والروحانية و... 

وختاماً: 

إليك قصةً تعكس مشهداً للشباب في عصر النبوة على لسان أحد فِتيان المسلمين أنس بن مالك رضي الله عنه - كما في مسند الإمام أحمد - قال رضي الله عنه: "كان شبابٌ من الأنصار؛ سبعين رجلاً يقال لهم القُرّاء [يعني العلماء]؛ كانوا يكونون في المسجد، فإذا أمْسَوا انتحَوا ناحيةً من المدينة فيتدارسون ويصلُّون... حتى إذا كانوا في وَجه الصبح استعذَبوا من الماء واحتَطَبوا من الحَطَب، فجاؤوا به فأسندُوه إلى حُجْرة رسول الله r فبعثهم النبي r جميعاً" بعثهم مع قبيلة رِعل وذَكْوان ليعلموهم القرآن وأحكام الإسلام! 

وفي هذا الحديث فوائد رائعة؛ منها أن: ‚المسجدَ كان مركز اجتماع الشباب ‚حلقةً واحدة من حلقاتهم كانت تضم 70 شابّاً ‚شبابَ الصحابة كان يومُهم بين: أ. مُدارَسة العلم ب. والعبادة والصلاة ج. وكَسْب المَعاش بممارسة المِهن د. وتولّي مسؤولية الحاجات الحياتية ‚كان رسول الله r يُعِدَّ شباباً في دورات في المسجد لإرسالهم بَعَثات علمية إصلاحية ‚إحدى البعثات شُكِّلت من 70 شاباً عالماً، فكَمْ كان عدد الشباب العلماء في المسجد النبوي؟! ‚جهوزيةَ شباب الصحابة كانت عالية للالتزام بما يُوْكَل إليهم من مهمات التعليم والإصلاح الاجتماعي... 

فهل يليق بشباب المسلمين اليوم أن يقتلهم الفراغُ؛ أو يقتلوا هم الفراغَ على الطرقات وفي المعاكسات، والسهرات على برامج محرمة مفسدة في التلفاز أو الإنترنت ثم النوم إلى الظهر، وأن يكونوا بلا قضية أو هدف؟! تذكَّرْ أن أمتك تحت الاحتلال والحروب، وأن أعداءك يكيدون ويعملون بالليل والنهار، واللهُ سائِلُك فبماذا تجيب؟!

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها 9/4/2019

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين