هذا
مقال طويل بتوقيع الكاتب: جابر السوداني، وصلني من صديقين فاضلين في أيام متقاربة،
وقد شفعه أحدهما بقوله: [ما هو تعليقك عليه، ولمن يتداوله؟]
وهذا نص المقال:
ـــــــــــــــــــــ
قُتل
الخليفة عثمان.. بأيدي مسلمين /// ثم قُتل الخليفة علي.. بأيدي مسلمين /// ثم قُتل
الحسين سبط رسول الله، وقطعت رأسه.. بأيدي مسلمين//وقُتل الحسن سبط الرسول مسموماً
مغدوراً بأيدي مسلمين.!
وقُتل
صحابيان من المبشرين بالجنة طلحة و الزبير.. بأيدي مسلمين !! في معركة كان طرفاها
" علي " و " عائشة "أم المؤمنين (موقعة الجمل). وقُتل مسلمون
بأيدي مسلمين في معركة كان طرفاها "علي" و "معاوية" (موقعة
صفين). وقُتل مسلمون بأيدي مسلمين في معركة طرفاها علي وأتباعه (موقعة نهروان)
وقُتل
مسلمون بأيدي مسلمين في معركة طرفاها الحسين و يزيد.
وذُبح
73 من عائلة رسول الله بأيدي مسلمين في معركة إخماد ثورة أهل المدينة على حكم
الأمويين غضباً لمقتل الحسين.
وقُتل
700 من المهاجرين والأنصار بيد 12 ألف من قوات الجيش الأموي المسلم في (معركة
الحرة) التي قاد جيش الأمويين فيها مسلم بن عقبة الذي جاءه صديقه الصحابي معقل بن
سنان الأشجعي ( شهد فتح مكة وروى أحاديثاً وكان فاضلاً تقياً ) فأسمعه كلاماً
غليظاً في يزيد بن معاوية بعدما قتل الحسين... فغضب منه... وقتله.لم يتجرأ أبو لهب
و أبو جهل على ضرب الكعبة بالمنجنيق وهدم أجزاء منها.. لكن فعلها المسلم الحصين بن
نمير قائد جيش عبد الملك بن مروان أثناء حصاره لمكة.
لم
يتجرأ اليهود أو الكفار على الإساءة لمسجد رسول الله يوماً.. لكن فعلها قائد جيش
المسلمين يزيد بن معاوية عندما حوّل المسجد النبوي لثلاث ليال إلى أسطبلٍ تبول فيه
الخيول في خلافة عبد الملك بن مروان قُتل عبد الله بن الزبير إبن أسماء بنت أبي
بكر ذات النطاقين بيد مسلمين.
وفي
خلافة هشام بن عبد الملك : لم يُقتل زيد بن زين العابدين بن الحسين من نسل النبي
فحسب.. بل صلبوه عارياً على باب دمشق.. لأربع سنوات.. ثم أحرقوه.. !معاوية بن يزيد
ثالث خلفاء بني أمية لما حضرته الوفاة وكان صالحاً على عكس أبيه، قالوا له : إعهد
إلى من رأيت من أهل بيتك ؟؟، فقال : والله ماذقت حلاوة خلافتكم فكيف أتقلد وزرها
!!اللهم إني بريء منها متخل عنها. فلما سمعت أُمه زوجة يزيد بن معاوية الذي قتل الحسين
كلماته، قالت ليتني خرقة حيضة ولم أسمع منك هذا الكلام..
تقول
بعض الروايات إن عائلته هم من دسّوا له السم ليموت لرفضه قتال المسلمين، بعد أن
تقلد الخلافة لثلاثة أشهر فقط وكان عمره 22 سنة، ثم صَلّى عليه الوليد بن عتبه بن
أبي سفيان وكانوا قد إختاروه خليفة له لكنه طُعن بعد التكبيرة الثانية.. وسقط
ميتاً قبل اتمام صلاة الجنازة. فقدّموا عثمان بن عتبة بن أبي سفيان ليكون الخليفة،
فقالوا : نبايعك ؟؟ قال : على أن لا أحارب ولا أباشر قتالاً.. فرفضوا.. فسار إلى
مكة وإنضم لعبد الله بن الزبير وقتلوه.نعم قتل الأمويون بعضهم البعض..ثم قُتل أمير
المؤمنين مروان بن الحكم بيد مسلمين- ثم قُتل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيزخامس
الخلفاء الراشدين مسموماً بيد مسلمين.ثم قُتل أمير المؤمنين الوليد بن يزيد.. بيد
مسلمين.
ثم
قُتل أمير المؤمنين إبراهيم بن الوليد.. بيد مسلمين،ثم قُتل آخر الخلفاء الأمويين..
بيد القائد المسلم أبو مسلم الخرساني
قَتلَ
أبو العباس (السفاح) الخليفة العباسي الأول - كلَّ من تبقى من نسل بني أمية من
أولاد الخلفاء، فلم يتبقَ منهم إلاّ من كان رضيعاً أو هرب للأندلس.. ثم أعطى
أوامره لجنوده بنبش قبور بنى أمية في دمشق فنبش قبر معاوية بن أبى سفيان فلم يجدوا
فيه إلاّ خيطاً، ونبش قبر يزيد بن معاوية فوجدوا فيه حطاماً كالرماد، ونبش قبر
عبدالملك فوجده لم يتلف منه إلاّ أرنبة أنفه، فضربه بالسياط.. وصلبه.. وحرقه..
وذراه في الريح.
لولا
جهود وشعبية القائد المسلم أبو مسلم الخرساني الذي دبر وخطط لإنهاء الحكم الأموي،
ما كانت للدولة العباسية أن تقوم قال فيه المأمون : أجلّ ملوك الأرض ثلاثة، وهم
الذين نقلوا الدول و حولوها الإسكندر وأردشير وأبو مسلم الخرساني
لما
مات أبو العباس.. وخلفه أخوه أبو جعفر المنصور.. خاف من شعبية صديقه أبو مسلم
الخرساني أن تُطمَّعه بالملك.. فإستشار أصحابه فأشاروا عليه بقتله. فدبَّر لصديقه
مكيدة.. وقتله.. وعمره 37 عاماً في معركة كان طرفاها أنصار أبو مسلم و جيش
العباسيين ".. قُتل فيها آلاف المسلمين بأيدي مسلمين.
شجرة
الدر قتلت عز الدين أيبك وزوجة أيبك قتلت شجرة الدر رمياً بالقباقيب.
-
بعد وفاة " أرطوغرول " نشب خلاف بين " أخيه " دوندار و "
إبنه " عثمان، إنتهى بأن قتل عثمان " عمه " وإستولى على الحكم،
وهكذا قامت الدولة العثمانية.
-
حفيده " مراد الأول " عندما أصبح سلطاناً.. قتل أيضاً " شقيقيه
" إبراهيم وخليل خوفاً من مطامعهما.
-
ثم عندما كان على فراش الموت في معركة كوسوفو عام 1389 أصدر تعليماته بخنق "
إبنه " يعقوب حتى لا ينافس
"
شقيقه " في خلافته.
-
السلطان محمد الثاني ( الذي فتح إسطنبول ) أصدر فتوى شرعية حلل فيها قتل السلطان
لشقيقه من أجل وحدة الدولة ومصالحها العليا... !!
-
السلطان مراد الثالث قتل أشقاءه الخمسة فور تنصيبه سلطاناً خلفاً لأبيه !.
-
إبنه محمد الثالث لم يكن أقل إجراماً فقتل أشقاءه التسعة عشر فور تسلمه السلطة
ليصبح صاحب الرقم القياسي في هذا المجال.
يضيف
الإعلامي التركي " رحمي تروان " في مقال بعنوان «
ذكريات الملوك »، يقول :
-
لم يكتف محمد الثالث بذلك، فقتل ولده الصغير محمود الذي يبلغ من العمر 16 عاماً،
كي تبقى السلطة لولده البالغ من العمر 14 عاماً، وهو السلطان أحمد، الذي إشتهر
فيما بعد ببنائه جامع السلطان أحمد ( الجامع الأزرق ) في إسطنبول.
-
عندما أرادت "الدولة العثمانية" بسط نفوذها على القاهرة قتلوا خمسين ألف
مصري مسلم !!
-
أرسل " السلطان سليم " طلباً إلى " طومان باي " بالتبعية
للدولة العثمانية مقابل إبقائه حاكماً لمصر.. رفض العرض.. لم يستسلم.. نظم الصفوف..
حفر الخنادق.. شاركه الأهالي في المقاومة.. إنكسرت المقاومة.. فهرب لاجئاً لـ ((
صديقه )) الشيخ حسن بن مرعي.. وشى به صديقه.. فقُتل.. وهكذا أصبحت مصر ولاية
عثمانية !!
-
ثم قَتلَ السلطان سليم بعدها " شقيقيه " لرفضهما أسلوب العنف الذي
إنتهجه في حكمه.
في
كل ما سبق :
القاتلون
كانوا يريدون خلافة إسلامية، والمقتولون كانوا يريدون خلافة إسلامية،
القاتلون
كانوا يرددون.. الله أكبر
والمقتولون..
كانوا يرددون الشهادتين،
مسلسل
قديم.. مرعب، ومخيف، لكننا لم نقرأ ونتدبر من التأريخ.. إلاّ ما أُريد لنا فقط أن
نقرأه ونتدبره..
جابر
السوداني،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأقول في التعقيب على هذا المنشور البائس:
أولا:
هذا
الكلام ينضح بعداوة أهل الإسلام الحق، وهم أهل السنة والجماعة عبر التاريخ، لصالح
الرافضة، على طريقة: "الصيد في الماء العكر" وفي تاريخنا عَكَرٌ أيُّ
عَكَر. لأن الكاتب حطَّ على جميع دول الإسلام عبر التاريخ، الأموية، والعباسية،
والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية.. ولكنه تحاشى ذكر أي شيء من وقائع القتل
الظالم في زمن الدولة البويهية الشيعية، أو العبيدية الشيعية، أو الصفوية الشيعية،
أو دولة ولاية الفقيه الإيرانية الشيعية المعاصرة، التي عمَّ إجرامها وطمّ، في
بلاد العرب والعجم، والحل والحرم.
وهذا
أمر عجيب لافت.
ثم
زال العجب عندما علمت أن الكاتب "جابر السوداني" شيعي عراقي، وعائلة
"السوداني" عائلة شيعية عراقية، منها رئيس الوزراء العراقي الحالي: محمد
شياع السوداني.
ثانيا:
الكاتب
قام بالتلبيس الرخيص والمبتذَل جدا، في إلحاحه على الربط بين وقائع القتل التي
ذكرها، وبين الإسلام، وذلك في قوله المتكرر: قُتل الخليفة بأيدي مسلمين. وقُتل
الصحابة بأيدي مسلمين. وقُتل أهل المدينة بأيدي مسلمين. وما يزال يكرر ذِكر قتلى
الفتن، مقرونا بقوله: بأيدي مسلمين. بأيدي مسلمين.. حتى ليُخيَّل إلى القارئ أن كل
ذلك القتل البشع، ما هو إلا ثمرة مُرة من ثمرات دين الإسلام.
والأمر
- والله - ليس كذلك، بل هو على العكس تماما، فإن وقائع القتل المذكورة هي مظهر من
مظاهر مباينة المسلمين لإسلامهم، والإعراض عن هديه وأحكامه، وثمرةٌ مُرة من ثمرات
المباعدة بين المسلمين وبين الإسلام.
كيف
وقد قال الحق سبحانه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ
عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]
وفي
صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي
فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا.
ولكن
الكاتب جعل القتل الواقع بسبب ضعف الالتزام بشريعة الإسلام، نتاجا للإسلام نفسه.!!
وهو افتراء سافر فاقع، مَثَله في ذلك كمَثَل من يُحمِّل الإسلام جريرة التنسيق
الأمني بين محمود عباس وزمرته، وبين الصهاينة، بدعوى أن أحد طرفي ذلك التنسيق
مسلمون، أو كمَثَل من يُحمِّل الإسلام جريرة مجازر إيران في أهل السنة في كل
الإقليم، بذريعة أن هؤلاء السفاحين المتوحشين يحملون اسم: (الجمهورية
"الإسلامية" الإيرانية).
إن
وقائع القتل الذريع الفظيع الظالم، يجب أن توظف في توبيخ القتلة من المسلمين على
مخالفتهم عن أمر شريعتهم، لا في توبيخ المسلمين على إسلامهم.
ثالثا:
نحن
لا ننكر كثيرا مما ذكره الكاتب من وقائع القتل البشع بسبب الصراع على السلطة في
تاريخ المسلمين، فقد وقع شيء كثير من ذلك، وما يزال يقع، حتى بين الأخ وأخيه، أو
الأب وابنه، أو العم وابن أخيه، فضلا عما يكون من ذلك بين الأباعد..
ولكن
الكاتب لم يكتف ببشاعة ما روي من وقائع القتل الفظيع، فتبرع باختلاق تفاصيل في
الفظاعة ليس لها ذكر في كتب التاريخ والتراجم، كقوله في خبر مقتل زيد بن علي بن
الحسين: [... بل صلبوه عارياً على باب دمشق.. لأربع سنوات.. ثم أحرقوه..] فإني لم
أجد مَن ذكر أنه لما صلب كان عاريا، ولا أن جثته أحرقت بعد الصلب.!
ومن
ذلك الاختلاق قوله في خبر مقتل أبي مسلم الخراساني على يد المنصور العباسي:
[فدبَّر لصديقه مكيدة.. وقتله.. وعمره 37 عاماً في معركة كان طرفاها أنصار أبو
مسلم و جيش العباسيين ".. قُتل فيها آلاف المسلمين بأيدي مسلمين..] فإن
الكاتب في تحمسه للتهويل، كذَّب نفسه دون أن يشعر. فإن قتل أبي مسلم الخراساني
بمكيدة.. المذكور في أول عبارته، ينفي دعواه في آخر العبارة نفسها أنه قُتل في
معركة قُتل فيها آلاف المسلمين..!
فإن
كل ما وقفتُ عليه من روايات المؤرخين لهذا الخبر، مجمِعةٌ على أن أبا مسلم
الخراساني قتل بمكيدة دبَّرها أبو جعفر المنصور، ولم يُقتل فيها أحد غير أبي مسلم.
فآلاف
القتلى التي ذكرها الكاتب، إضافة من كيسه لا وجود لها في الواقع ولا في شيء من
مرويات المؤرخين.
وقد
توسع الحافظ الذهبي رحمه الله، في ترجمته لأبي مسلم الخراساني، في كتابه
"سِيَر أعلام النبلاء" في نقل الروايات في تفاصيل مقتل أبي مسلم، فذكر
ما يربو على سبع روايات، منها عمن سَمَّى، ومنها عمّن لم يُسَمِّ..
وليس
في شيء منها أنه قُتل في معركة بين جيشين، ولا أنه قُتِل في تلك المعركة المزعومة
آلاف المسلمين بأيدي مسلمين.
وإنما
كل الروايات مُجْمِعة على أن الرجل قتل غدرا بمكيدة، ولم يقتل في تلك المكيدة أحد
غيره البتة.
ومن
ذلك الكذب المفترى في مقال الكاتب قوله: [لم يتجرأ اليهود أو الكفار على الإساءة
لمسجد رسول الله يوماً.. لكن فعلها قائد جيش المسلمين يزيد بن معاوية عندما حوّل
المسجد النبوي لثلاث ليال إلى أسطبلٍ تبول فيه الخيول]
وهو
اختلاق لا رصيد له من نقل ولا عقل، فأما من حيث العقل، فإن أبواب المسجد النبوي في
ذلك الوقت لم تكن من السعة بحيث تتسع لدخول الخيل ولا الخيَّالة.
وأما
من حيث النقل، فإني لم أر شيئا من ذلك في أخبار (وقعة الحَرة) على كثرة الفظائع
التي رُويت فيها.
وعليه
فإن الكاتب غير نزيه ولا أمين على ما يدعيه من تلك الوقائع التاريخية المستبشعة
التي شحن بها مقاله، ولم يَعْزُ شيئا منها إلى مصدر.!
رابعا:
ثم
يجب التنبيه إلى أنه حتى ما كان مرويا عند المؤرخين المسلمين من أخبار الفتن التي
تتالت بعد مقتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، لا تفيد قطعا ولا يقينا في كل
التفاصيل المروية في وقائع القتل التي ذكرها الكاتب عن تلك الحقبة، وينبغي لمن وقف
عليها أن لا يملأ منها يده، حتى ولو كانت في تاريخ ابن كثير، أو تاريخ ابن جرير.
فليس
كل ما ذكره الرواة الذين نقل عنهم المصنفون في التاريخ صحيحا، خصوصا من كان من
الرواة صاحب انتماء سياسي أو فكري، فإنه متهم بتضخيم الخبر، وتهويله بالتفاصيل،
وتوجيهه إلى ما يخدُم بدعته أو انتماءه. تماما كما نتهم هذا الكاتب بالانتقائية
والتهويل فيما ذكره من حوادث القتل في تاريخ المسلمين، خدمة لانتمائه الطائفي.
ومعلوم
أن أشهر الأخباريين الذين روى عنهم المؤرخون المسلمون أخبار الفتنة التي وقعت بين
الصحابة، وما تلاها من مقتل الحسين رضي الله عنه، وما تلا ذلك من أخبار الدولتين؛
الأموية والعباسية.. هو أبو مِخنَف، لوط
بن يحيى بن سعيد الازدي ت 157هـ، الذي كانت له تصانيف كثيرة في وقائع تاريخ عصره
وما كان قبله.
ومن
تصانيفه: "الجمل" و "صفين" و "مقتل علي" و
"مقتل عثمان" و "مقتل الحسين" وغيرها. وعنه روى الطبري في
تاريخه أخبار تلك الفتن، ومِن بعده الحافظ ابن كثير في تاريخه أيضا..
وأبو
مِخنَف هذا شيعي من حيث الانتماء، تالف من حيث الرواية. قال عنه الحافظ الذهبي في
(ميزان الاعتدال): لوط بن يحيى، أبو مِخنَف، أخباري تالف، لا يوثق به، تركه أبو
حاتم وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال مَرة: ليس بشيء.
وقال ابن عدي: شيعي محترق، صاحب أخبارهم. اهـ
سيقول
قائل: كيف يروي ابن جرير وابن كثير، في تاريخَيهما اللذَين هما من أشهر كتب
التاريخ عند المسلمين، كيف يرويان عن ذلك الشيعي الضعيف المتروك التالف المحترق؟!!
والجواب:
أن عند ابن مِخنَف هذا من أخبار الوقائع ما ليس عند غيره، فإنه صاحب عناية
بالأخبار، وله تصانيف في ذلك كما أسلفنا، وليس عند ابن جرير ولا ابن كثير ولا عند
غيرهما ممن اعتمد على كُتُب أبي مِخْنَف، نقلٌ يُكذِّب نقله، فنقلوا ما وجدوا في
تلك التصانيف، مع التنبيه إلى أنه شيعي ضعيف الرواية، وأن العهدة عليه فيما يروي.
ومعلوم
أنه يُتساهل في نقل الأخبار، ما لا يُتساهل في الأحكام.
وقد
نبَّه الحافظ ابن كثير رحمه الله، إلى هذا العذر بجِلاء في تاريخه، حتى لا يأخذ
القارئ في تاريخه، كل ما ورد من أخبار الفتن مأخذ اليقين.. فقال بعد أن أورد
الأخبار المؤلمة في واقعة مقتل الحسين رضي الله عنه في كربلاء ما نصه:
[وللشيعة
والرافضة في صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة، وفيما ذكرنا كفاية، وفي بعض
ما أوردناه نظر، ولولا أن ابن جرير وغيره من الحفاظ والائمة ذكروه ما سقته،
وأكثرُه من رواية أبي مِخْنَف لوط بن يحيى، وقد كان شيعيا، وهو ضعيف الحديث عند
الائمة، ولكنه أخباري حافظ، عنده من هذه الاشياء ما ليس عند غيره، ولهذا يترامى
عليه كثير من المصنفين في هذا الشأن ممن بعده والله أعلم]. اهـ. انظر البداية
والنهاية لابن كثير (8/ 220)
وفي
موضع آخر، أعاد الحافظ ابن كثير اتهام الأخباري أبي مِخْنَف فيما يرويه من أخبار
تلك الفتن، وذلك في خبر مقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص، وابنه حفص، على يد المختار
بن أبي عبيد الثقفي، الذي أظهر الولاء لآل علي، وتوعَّد بقتل قتَلة الحسين رضي
الله عنه، وكان عمر بن سعد قائدَ الجيش الذي قتل الحسين رضي الله عنه.
قال
ابن كثير في خبر ذلك: [ثم بعث المختار برأسيهما إلى محمد بن الحنفية، وكتب إليه
كتابا في ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد بن علي، من المختار بن أبي عبيد،
سلام عليك أيها المهدي، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإن
الله بعثني نقمة على أعدائكم، فهم بين قتيل وأسير وطريد وشريد، فالحمد لله الذي
قتل قاتِلَكم، ونصر مؤازركم، وقد بعثتُ إليك برأس عمر بن سعد وابنه، وقد قتلنا ممن
اشترك في دم الحسين وأهل بيته كلَّ من قدرنا عليه، ولن يُعجز اللهَ من بقي، ولست
بمنحجم عنهم حتى يبلغني أنه لم يبق على وجه الارض منهم أحد، فاكتب إلي أيها المهدي
برأيك أتبعه وأكون عليه، والسلام عليك أيها المهدي ورحمة الله وبركاته.]
ثم
عقَّب ابن كثير على ذلك الخبر، مكرِّرا اتهام أبي مِخنَفٍ فيما يرويه من ذلك،
فقال: [ولم يذكر ابن جرير أن محمد بن الحنفية رد جوابه، مع أن ابن جرير قد تقصى
هذا الفصل وأطال شرحه، ويظهر من غبون كلامه قوة وجْده به وغرامه، ولهذا توسع في
إيراده بروايات أبي مِخنف لوط بن يحيى، وهو متهم فيما يرويه، ولا سيما في باب
التشيع، وهذا المقام للشيعة فيه غرام وأي غرام، إذ فيه الاخذ بثأر الحسين وأهله
مِن قَتَلَتِهم، والانتقامُ منهم.] اهـ انظر البداية والنهاية لابن كثير (8/ 302)
هذا،
وقد أبرأ الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله، ذمته أيضا من روايته أخبارا في تاريخه
قد يستنكرها القارئ أو السامع، معتذرا بأن العهدة في ذلك على الراوي، لا على
المصنف الناقل.. فقال رحمه الله تعالى في خاتمة مقدمة تاريخه: "تاريخ الأمم
والملوك":
[وليعلم
الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه، مما شرطت أني راسمه
فيه، إنما هو على ما رَويتُ من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا
مسندها إلى رواتها فيه، دون ما أُدركَ بحجج العقول واستُنبِط بفكر النفوس، إلا
اليسير القليل منه، إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين وما هو كائن من أنباء
الحادثين، غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم إلا بإخبار المخبِرين ونقل
الناقلين، دون الاستخراج بالعقول والاستنباط بفكر النفوس. فما يكن في كتابي هذا من
خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم
يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة.. فليعلم أنه لم يؤتَ في ذلك من
قِبَلنا، وإنما أُتِيَ من قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنما أدَّينا ذلك على
نحو ما أُدِّي إلينا] اهـ تاريخ الأمم والملوك للطبري (1/ 13)
خامسا:
وقلْ
مثل ذلك في الأخبار التي ذكرها الكاتب عن خلفاء بني عثمان، وادعاء قتلهم الإخوة
والأولاد.. وهو محض افتراء، تابع المستغرِبون فيه المستشرقين، وما هو إلا تعبير عن
غيظ قلوب هؤلاء وهؤلاء من الخلافة العثمانية التي كان لها شرف فتح القسطنطينية،
التي كانت أحد أهم معاقل النصرانية، على يد الخليفة العثماني محمد الفاتح، رحمه
الله. والتي كان لها شرف إدخال الإسلام إلى بلاد واسعة في القارة الأوربية، على
جثث جنود الممالك الأوربية الذين أجلبوا بخيلهم ورجلهم للحيلولة دون تلك الفتوح
العثمانية. ولكنهم انهزموا خزايا مقهورين.
فما
زالوا يكيدون ويمكرون ويأتمرون عبر القرون، على تقويض الدولة العثمانية.. فلما تم لهم ذلك أردفوه بحملة من التشويه
للتاريخ العثماني، تُنَفِّر منه الأجيال بعد الأجيال، وتُبَغِّض العثمانيين إلى
المخدوعين بذلك التشويه، وما أكثرهم!.
ومن
ذلك التشويه زعمهم أن سلاطين الدولة العثمانية قد سنُّوا قانونا يُسوِّغ لهم قتل
إخوانهم ليَسْلَم الحكم لأولادهم، أو قتْلَ بعض أولادهم ليسلم الحكم لصاحب ولاية
العهد.
وقد
وقفتُ على بحث نفيس يفند دعوى اتهام السلاطين العثمانيين بهذا القتل، بذريعة
استتباب الحكم.. للباحث المؤرخ المعاصر الدكتور علي الصلابي، بعنوان:
[ممالك النار.. أكذوبة قتل السلطان محمد الفاتح
لأخيه الرضيع]
كتبه
ردا على مسلسل اسمه: (ممالك النار) فيه الكثير من الافتراء والتحامل على التاريخ
العثماني، وادعاء أن السلطان محمد الفاتح قتل أخاه الرضيع حتى لا ينافسه على سلطانه،
في حين أنه لم يبلغ من العمر ستة أشهر! وذلك بموجب قانون افتراه المستشرقون، لا
وجود له في القوانين العثمانية، سماه المفترون: قانون "الدفن" أو قانون:
"قتل الإخوة"، حيث ادعوا أن المادة جاءت كما يلي: "إذا يسَر الله
السَلطنة لأي واحد من أولادي، ولأجل تأمين استمرارية نظام العالم، فإن قتل الإخوة
مناسب حتى إن أكثر العلماء أجازوه فليعمل به".
ثم
نقل الدكتور علي الصلابي عن الباحث التركي : "علي همت بركي" أن قانون
"الدفن" زائف وملفق وأن أدلة المخدوعين بهذه الفرية، هي وثيقة موجودة في
المكتبة الملكية في فيينا تحت رقم 554 A.F، يزعمون أنها منسوخة عن الوثيقة الأصلية للقوانين العثمانية،
فتُرجمت هذه الوثيقة المزعومة عن اللغة العثمانية، وفي الترجمة، سَمي البند
المتعلق بتمرد أو عصيان أحد أفراد الأسرة الحاكمة، بقانون "قتل الإخوة"،
ومن هنا بدأت المزايدات والأكاذيب على التاريخ العثماني.
فهذه
نسخة مزيفة، وترجمتها مزيفة وقد اشتملت الترجمة على مجموعة من المغالطات والأكاذيب
حول هذا القانون:
أولها:
تسمية القانون: "قتل الإخوة" ولا وجود لهذا المصطلح في القوانين الأصلية
العثمانية.
ثانيها:
أنه تم تغيير مفهوم القانون ومعناه، فبدلاً من أن يُقصد به قتلُ الخارجين على
الدولة من أفراد الأسرة الحاكمة، أصبح يُقصد به قتل الإخوة ولو كانوا صغاراً.
ثالثها:
نسبة القانون العثماني الذي فيه هذه الترجمة المحرفة، للسلطان محمد الفاتح. وهذا
غير صحيح تاريخيا؛ لأن قانون قتل الخارجين على الدولة من أفراد الأسرة الحاكمة،
إنما سُنَّ عقب توسع الدولة العثمانية في الشام ومصر، بعد قضائها على دولة
المماليك، بقيادة السلطان سليم الأول العثماني، وهو حفيد السلطان محمد الفاتح. فقد
وضع السلطان سليم القوانين التي اقتضاها تطور الدولة واتساعها، ومن بين تلك
القوانين ما يتعلق بقتل الخارجين على الدولة بالسلاح.
وقد
كانت تلك القوانين التي وضعها السلطان سليم الأول، خاضعة لأحكام الشريعة
الإسلامية، كما خضع تطوير القوانين في عهد ابنه السلطان سليمان القانوني، لأحكام
الشريعة الإسلامية، ذات المرجعية العليا في الدولة العثمانية.
ثم
يقول الدكتور الصلابي: في عام 1672 م، قام المؤرخ العثماني "حسين
هازفان" في كتابه "تلخيص البيان في تاريخ آل عثمان" بوضع نسخة
القوانين العثمانية، وقال إنه أخذها من الوثيقة الأصلية، وقد خلت هذه النسخة من
المادة التي سميت فيما بعد "قانون قتل الإخوة"، وهذا يدل على أن هذا
القانون تم دسه بعد تحريف النسخة الأصلية وترجمتها للغات أخرى غير العثمانية.
وليس
من المنطق العلمي والرصانة البحثية اعتماد النسخ المترجمة والمحرفة، على حساب
النسخ الأصلية التي تبين حرص القوانين العثمانية على الالتزام المرجعية العليا
المتمثلة في القرآن والسنة النبوية الشريفة وأصول مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان.
رحمه الله.
ثم
إن هذه الصورة المشوهة المزعومة عن قتل الإخوة والأبناء.. تتنافى مع ما ينقله
المؤرخون من وصايا السلاطين العثمانيين.
(وصية السلطان عثمان الأول):
وقد
نقل د الصلابي وصية عثمان الأول، لابنه أورخان، وهو على فراش الموت، وكانت تلك
الوصية ذات دلالات حضارية تأبى هذه الصورة الوحشية القبيحة من القتل، التي افتراها
المستشرقون، فكان مما جاء في وصيته:
–
يا بني إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين.
–
وإذا واجهتك بالحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلاً…
وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة.
–
يا بني إياك أن تفعل أمراً لا يرضي الله عز وجل، وإذا صعب عليك أمر فاسأل علماء الشريعة،
فإنهم سيدلونك على الخير.
–
يا بني ليس في الدنيا أحد لا تخضع رقبته للموت، وقد اقترب أجلي بأمر الله جل جلاله،
أسلمك هذه الدولة، واستودعك المولى عز وجل، اعدل في جميع شؤونك...
(وصية السلطان محمد الفاتح):
وقد
أوصى السلطان محمد الفاتح أيضا، ابنه بايزيد الثاني - وهو على فراش الموت - بوصية
نفيسة، جاء فيها:
–
كن عادلاً صالحاً رحيماً وابسط على الرعية حمايتك دون تمييز واعمل على نشر الدين الإسلامي
فإن هذا واجب الملوك على الأرض.
–
قدم الاهتمام بأمر الدين على كل شيء، ولا تفتر في المواظبة عليه، ولا تستخدم الأشخاص
الذين لا يهتمون بأمر الدين ولا يجتنبون الكبائر، وينغمسون في الفحش، وجانب البدع المفسدة،
وباعد الذين يحرضونك عليها.
–
لا يغرنك المال ولا الجند، وإياك أن تُبعد أهل الشريعة عن بابك، وإياك أن تميل إلى
أي عمل يخالف أحكام الشريعة، فإن الدين غايتنا والهداية منهجنا، وبذلك انتصرنا... الخ..
ولا
ننسى أن من المرجعيات الكبرى للسلطان محمد الفاتح، شيخه، الشيخ آق شمس الدين، وهو
من أصول عربية قرشية، اسمه: محمد بن حمزة. وجدُّه الأعلى: سيدنا أبو بكر الصديق
رضي الله عنه، فهو قرشي تيمي. وكان السلطان محمد الفاتح يجله ويحترمه ويستشعر
الهيبة منه، ويظهر الغبطة لوجود هذا الشيخ في عصره، ولقد عبَّر عن ذلك مرة بقوله:
إن وجود محمد بن حمزة في عصري أحب إليّ من فتح القسطنطينية" لما رأى من
بركاته على دولته وشعبه، وتمكنه من العلم والمعرفة والثقافة، وآرائه السديدة
ونصائحه الصادقة، فقد كان شديد التمسك بقيم العدل وحقوق الناس وحقن دمائهم
وأموالهم وأعراضهم، وكان صاحب نفوذ روحي ظاهر على السلطان، وعلى الجند، وعلى عامة
الناس.
فهل
يُعقل من هذا العالم الرباني أن يجيز قانونا يسمح للسلطان بقتل إخوانه ولو كانوا
رضعاً كما زعم الكذابون؟!!
سادسا:
نحن
لا ننكر وقوع فظائع من العدوان على الدماء في التاريخ الإسلامي، منذ الفتنة الكبرى
بين الصحابة رضي الله عنهم، وما تلاها من الوقائع الدموية التي سبقت ولابست قيام
الدولة الأموية، ثم انهيارها لصالح قيام الدولة العباسية، ثم قيام وانهيار الدول
والممالك التي صاحبت الدولة العباسية، أو التي جاءت بعدها..
ولكننا
نقول: إنَّ هذه الصفحات المظلمات في تاريخ تلك الدول، مغمورة في بحر صفحات مشرقات
ناصعات في غرة الدهر، تمثل عزا وشرفا للأمة والملة، تتمثل في نشأة ونمو وتطور
العلوم والمعارف، وتأصيلها وتدوينها، وما يزال اللاحقون في ذلك عالة على السابقين
المؤسسين والمطورين..
فمن
ذلك خدمة القرآن كتابة وتلاوة ورواية وتفسيرا..
وخدمة
السنة رواية ودراية وتدوينا، ونشأة علم الرجال الذي يعتبر من أفخم وأعظم ما أنتجته
العقلية العلمية الإسلامية في توثيق النص النبوي. وعلم مصطلح الحديث في التمييز
بين الروايات صحة وسقما.
ومن
ذلك نشأة المذاهب الفقهية ومدارسها وأصولها وكتبها المدونة، وتلامذتها وشيوخها
الذين ينتهي نسبهم العلمي إلى أحد الأئمة الأربعة المتبوعين؛ الذين ظهروا على
امتداد القرن الثاني الهجري، إلى أواسط القرن الثالث، وهما قرنان شهدا ازدهار
واندثار الدول الأموية، ثم نشأة وازدهار الدولة العباسية.. وهم:
الإمام
أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، (80 - 150 هـ)
والإمام
مالك بن أنس الاصبحي الحميري، إمام دار الهجرة،
(93 - 179 هـ)
والإمام
محمد بن إدريس الشافعي الهاشمي المطلبي، (150 - 204 هـ)
والإمام
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، (164 - 241 هـ)
وما
يزال الناس عالة في الفقه على أحكام مذاهب هؤلاء الأئمة المتبوعين، المدونة
والمنقحة والمؤصلة والمعللة.
ومن
ذلك نشأة علم الكلام لتحصين عقيدة المسلمين من شبهات الزائغين، والرد على أصحاب
الشبهات بمنطقهم ومصطلحاتهم، على مبدأ: "من فمك أَدينك"
ومن
ذلك نشأة علم النحو الذي يعتبر أول وأهم علوم الآلة لفهم الوحيين، والاستنباط
الرشيد منهما..
ونشأة
علم اللغة والمعاجم،
ونشأة
علم البلاغة بفروعه الثلاثة؛ البيان والمعاني والبديع.
ونشأة
علم العروض والقوافي لضبط أوزان العربية المنظومة.
ونشأة
علم التربية والسلوك الذي يُعنى بالجانب القلبي السلوكي من المسلم، سعيا للتحقق في
مقام الإحسان الذي هو الأعلى والأشرف من مقال الإسلام والإيمان، والذي عرَّفه
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل فقال: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ
تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) أخرجاه في الصحيحين.
إلى
غير ذلك من علوم التاريخ والجغرافيا والأدب..
والتي
لا يزال الناس ينعمون بالانتفاع بها على كر الدهور.
كما
تتمثل الصفحات الناصعات في تاريخنا الإسلامي، بالفتوحات الإسلامية المظفرة، التي
نشرت نور الإسلام في مختلف أرجاء الأرض على اتساعها، حتى لقد كان الخليفة العباسي
الرشيد ينظر إلى السحابة مشَرِّقة أو مُغَرِّبة فيقول: (أمطري حيث شئتِ فسيأتيني
خراجكِ).
وقد
رأيت هذه العبارة منسوبة إلى الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، بل رأيتها منسوبة
إلى أبيه الخليفة عبد الملك بن مروان.
وليس
من الإنصاف أن نتحدث عن تاريخ الخلفاء على أنه فصول من الفتن والغدر وسفك الدماء
بين المسلمين، ونُغفل ما قاموا به من الاندفاع بدعوة الإسلام اندفاع السيل العارم،
في القارات الثلاث، الآسيوية، والأفريقية، والأوربية، وما أنتجه ذلك من أئمة أفذاذ
في القيادة والحرب، لا يقلون شأنا عن نظرائهم الأفذاذ في الإفادة والعلم، أو
الأفذاذ في الإدارة والحكم.
سابعا:
هذه
الوقائع الفظيعة من قتل المسلمين بأيدي المسلمين، التي ألح الكاتب على تصويرها
نتاجا لدين الإسلام أو سُبَّة له، هي ذاتها دليل على الإسلام دين الحق، لما في هذه
الوقائع من تصديق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم بكون بأس المسلمين بينهم،
الثابتة في صحيح مسلم، بسنده عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ، حَتَّى
إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ،
وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا
فَقَالَ: (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي
وَاحِدَةً؛ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ
فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ
فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ
فَمَنَعَنِيهَا).
اللهم
لا تجعل بأس المسلمين بينهم.
اللهم
وما قدَّرته من ذلك فاجعل معه لطفك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
والله أعلم.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول