الشيخ نجيب أحمد سالم

الشيخ نجيب أحمد سالم رحمه الله ( 1917 - 1973م )

 

من طرائف حياة الوالد الشيخ نجيب أحمد سالم رحمه الله ( 1917 - 1973م )

1 . كان بيته قبل وجود بنك في أريحا مقر أمانات كبار السن والعجائز الذين لا يأمنون على ما لديهم من مدخرات بسيطة ، فيلجأون إلى الوالد رحمه الله الذي كان يخفي أماناتهم في زوايا البيت وأطرافه وجدرانه ويسجل على كل منها اسم صاحبها أو صاحبتها ، إلى أن يأتي أصحابها لأخذها .!

2 . كان لا يتوانى عن الالتفات لمن يسأله عن حكم شرعي في أي شأن من شؤون حياة الناس التجارية أو الأسرية أو التعبدية رجلا كان أم امرأة . ويهتم به ، وكان هذا مرهقا جدا . لأن الناس كانت تأتيه من أريحا وقراها ونواحيها نهارا وليلا وفي كل الأحيان ... فكان لا يرد أحدا ، سواء كان رحمه الله مريضا أو نائما أو على طعام أو في راحة . ولا أنسى أنه قام ذات يوم ثلاث مرات عن الطعام دون تبرم أو ضجر لإجابة سائل بعده سائل بعده سائل ، حتى عافت نفسه الطعام ولم يشبع بعد... !

3 . كان يوم الجمعة يتفرغ صباحا لإعداد الخطبة ، فكانت الوالدة تمنعنا من إزعاجه بكل الوسائل ، حتى تضطرنا للخروج من البيت ونحن صبية عابثون . وكان ينفعل أثناء الخطبة ويرفع صوته ويحمر وجهه على غير عادته وينادي بقوة : اتقوا الله يا قوم . اتقوا الله في أنفسكم . في أولادكم . في نسائكم . وكان بعد خطبة الجمعة يصحبنا لزيارة أمه ( جدتي) وعمه الذي رباه يتيما .

4 . كان رحمه الله يتردد صباحا إلى بعض الأراضي الزراعية التي كانت بيده وهي ملك لزوجته وبناته ، لأنه لم يملد دارا ولا أرضا في حياته ‘ فيصلح شأنها ويجني محصولها من التين والزيتون وغير ذلك . وفي مرة من المرات ذهب إلى إحدى الأراضي فوجد نساء غريبات يلتقطن بعض الثمار فأعرض عنهن وخرج من الأرض حتى غادرنها اختيارا ، بل وعرضت به إحداهن فقالت وهي لا تعرفه : هذا جاء ليسرق من هذه الأرض .! فلم يرد عليها حياء وتعففا .

5 . كان رحمه الله شديد التأثر والحنو على الفقراء والمحتاجين ، وكانت الوالدة رحمه الله خير معين له ، فلم يكن يشتري شيئا أو تطبخ له الوالدة طعاما إلا ويبعث بشيء منه إلى عدد من جيرانه المحتاجين ، وكان هذا ديدنه الدائم المستمر ، وكنا نحن الصغار نتبرم أحيان بذلك لجوعنا وتعبنا . وكانت له صلات لأقاربه الفقراء ومشاركة في عموم المشاريع الخيرية . رغم أنه كان يعيش من راتبه المحدود .

6 . لم يكن رحمه الله يأخذ أجرا على فتوى أو مشكلة أو وساطة رغم أنه أمضى عمره في ذلك ... لكنه في آخر حياته وبعد افتتاح محكمة في أريحا ، عمد القضاة إلى اللجوء إليه في تقسيم المواريث المعقدة أو التحكيم في الخلافات الزوجية أو الاستفادة من خبرته في بعض الاشكالات الاجتماعية ، وكانوا يفرضون له أجرا مجزيا ، فكان رحمه الله يتعفف عنه ويحوله لصندوق جميعة النهضة الإسلامية الخيرية التي أعطته دفتر إيصالات تحصيل يسجل فيه ما يقرر له من أجور ، ويعتبرها تبرعا منه ومساعدة للمحتاجين .

7 . كان متعلقا في حياته رحمه الله بشيخين اثنين هما العارف بالله الشيخ محمد النبهان والشيخ العلامة محمد أبو الخير زين العابدين . وقد توفي الشيخ محمد زين العابدين قبله بستة أشهر فلم يضحك بعد وفاته أبدا حزنا عليه ، ثم توفي هو قبل شيخنا النبهان بستة أشهر ، فحضره في نزعه وقال له : سبقتنا يا شيخ نجيب سبقتنا يا شيخ نجيب ... 

8 . دخل المدرسة الخسروفية ( الشرعية ) بحلب صغيرا وتوسم فيه شيخ الشيخ راغب الطباخ خيرا ، وسماه محمد نجيب ، واعتنى به ، وكان الأول على دفعته حتى تخرج . ولزم المدرسة بعد تخرجه سنتين يدرس فيها الفقه الحنفي على الشيخ مصطفى الزرقا ، مع أن الوالد كان شافعيا . وكان الشيخ مصطفى قريبا في سنه منه . وكان كل شيوخ حلب يحبونه ، حتى أسكنه مفتيها الشيخ أحمد الكردي في غرفته بالإسماعيلية ، وكان توقيع مشايخه كلهم كالعادة على شهادته العلمية التي فقدناها في أحداث الثمانينات ، وكانت عليها صورته بالعمامة البيضاء وهو شاب جميل . 

رحم الله الوالد وشيوخه ، وتقبلهم في الصالحين .