الشيخ ملا يوسف يعقوب رحمه الله تعالى

الشيخ ملا يوسف يعقوب رحمه الله تعالى

(1946 – 2020م)

معاذ يعقوب

 

الشيخ ملا يوسف ابن الحاج الصالح سليمان يعقوب، ووالدته الحاجة الفاضلة ربيعة ابنة الملا رمضان الحسيني، ولد ربيع عام 1946م بقرية ديروناآغي (دير غصن) بمحافظة الحسكة التي انتقل إليها جده يعقوب من منطقة مدياد بولاية ماردين في تركيا.

بدأ بطلب العلم على يد الشيخ محمد نوري الديرشوي بين سنوات 1955- 1958 ودرس علم التجويد على يد الملا محمد التتني ، ودرس على الملا محمد أمين ابن الشيخ عبد الهادي العمري الفاروقي. وعلى العلامة الملا عبد الله ابن الملا رشيد في قرية معشوق، ثم فيما بعد على الشيخ علوان ابن الشيخ إبراهيم حقي، وفي عام 1965 م تعين إماماً وخطيباً.

بزيارة للشيخ محمد زكي حقي تعلق به الشيخ– وقد كان الشيخ صاحب فراسة- وأصرَّ عليه التفرغ للمدرسة والتكية في قرية (حلوة) للتدريس والإشراف، ورغم اعتذاره الشديد مراراً اضطره إلحاح الشيخ إلى الامتثال فانتقل إلى قرية حلوة عام 1967م، وعُين خطيبا ومدرسا ومفتيا ومحكّما لحل المنازعات والخصومات لأكثر من عشرين بالتكية التي كانت مرجع ابناء المنطقة من عرب وكرد في أمورهم الشرعية الذين كان يؤثرون حل خلافاتهم حسب الشريعة بعيداً عن المحاكم الرسمية مهما كبر الخلاف الذي كان يُحل خلال ساعات أو أيام قليلة، وتخلل ذلك في بعض الفترات التدريس بالمدارس الرسمية: الإعدادية والثانوية العامة والشرعية.

بعد وفاة الشيخ علوان تنقل مدرساً وإماماً وخطيباً في مدارس ومساجد منطقة الجزيرة السورية، ومناطق ريف حلب بين الكرد الشافعية، وقد طلب إليه الكثير من علماء حلب الاستقرار في حلب لندرة وجود علماء من الشافعية فيها، لكنه في النهاية استقر في حي الأكراد (ركن الدين) بمدينة دمشق حوالي عام 2004، وبقي يدرِّس في جامع ركن الدين منكورس المعروف بجامع الركنية الذي تولى إمامتها أيضاً، وكذلك في جامع أبي النور بحلقات علم تخصصية، وفي معهد الشيخ حسن الشاذلي.

بعد قيام الثورة بسوريا آثر البقاء بدمشق، لكن بعد استهداف الدكتور البوطي واستهداف صهر الملا يوسف الشيخ سيد حسن، عرضت عليه هيئات الأوقاف في دمشق التدريس في الجامع الذي يختاره بدمشق، فاضطر للهجرة إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق حيث تعرف إليه علماء أربيل ودهوك فكان مستشاراً أمينا لهم، ومرجعاً يحيلون إليه المسائل الشرعية والفتاوى أو مسائل النزاع والخلاف بين اللاجئين السوريين هناك من كرد وعرب.

اشترك في بعثة الحج الإرشادية السورية عام 1416 هـ، كما ترأس بعثة حج اللاجئين السوريين في كردستان العراق سنة 1440، وكانت آخر حجة له بعد أكثر من 15 حجة.

توفي صبيحة الحادي والعشرين من رمضان عام 1441 بعد أن عاد من المشفى بسبب وعكة بسيطة متأسفا على فوات أوارده ذلك اليوم، ووضع يده تحت خده الايمن مستلقيا للنوم كما كانت عادته وسلم الروح، وكان حظر الخروج بسبب الكورونا في أوجه، فكان خروج عدد محدود مع جنازته متماشياً مع أمنيته بالفرار من الشهرة كما كان طيلة حياته.

الإجازات العلمية: حصل الشيخ على اجازات بالعلوم الشرعية من كل من الشيخ علوان حقي، والشيخ محمد نوري الديرشوي، والشيخ محمد أمين الفاروقي العمري، والشيخ الملا عبد الله ملا رشيد.

خلافة الطريقة: خليفة الشيخ ملا محمد حيدر بالطريقة النقشبندية عن الشيخ أحمد الحسيني (المفتي) عن الشيخ أحمد الخزنوي، وخفليفة الشيخ محمد أمين الفاروقي العمري بالطريقة الشاذلية عن الشيخ عبدالقادر عيسى، وخليفة  الشيخ عبد الوهاب بوعافية الحسني التلمساني الجزائري بالطريقة الشاذلية عن الشيخ عبد الرحمن الشاغوري.

الآثار المكتوبة

على مدى أكثر من نصف قرن لو أتيح جمع الفتاوى التي صدرت عنه لثقة الناس في علمه أينما حل، لخرجت في بضع ،مجلدات وهذه وإن كانت هناك نتف منها في بعض المجاميع لكنها ضاعت مع الترحال وللأسف، ما ولشدة انشغاله وشغفه بقضاء أكثر الوقت بالتدريس إضافة الى الفتاوى وحل النزاعات والخصومات حيث لم يكن يخل يوم من مراجع أو اكثر، وكذلك انشغاله باستغلال المناسبات الاجتماعية للدعوة كل هذا جعله يفتر عن التأليف، وإن كان قد بدأ بأكثر من كتاب ومضى فيه دون أن تكمل في نسختها الأخيرة، ومن هذه الاثار التي لم تكتمل: الدرر السنية في بيان اصطلاحات الشافعية -وكان علماً بمصطلحاتهم-، والمسائل اللؤلؤية من طبقات الشافعية وغيرها

أشهر من تلقى العلم على يديه:

اشتهر بين طلاب العلم الذين يتلقون العلم في سوريا، فقصده في الجزيرة والشام الكثير من طلاب الشافعية والعربية التي كان ضليعا بارزاً في قواعدها وصرفها من جنوب شرق آسيا وجمهوريات آسيا الوسطى ومن أكراد تركيا وغيرهم. ومن هؤلاء التلاميذ:

عبد الرحيم نيئ هيم ويدير معهداً شرعيا اليوم في إندونيسيا، وذو الكفل وكان نجل احد الامراء بماليزيا، وعثمان من تايلاند، ويوسف أوزتورك مؤسس أكاديمية باشاك شهير للعلوم الشرعية والعربية باسطنبول، والعشرات من الأئمة والخطباء في الجزيرة ودمشق وتركيا منهم: حسن البيجرماني، وخالد مصطفى، وسيد أحمد ابو صالح، وأحمد عاكوب، وابراهيم الناصر وعبدالله اوزدمير وغيرهم.

من أقواله :

يا ولدي لا تفتِ إذا لم تكن الفتوى حاضرة في ذهنك مئة في المئة ، ثمانون أو تسعون في المئة غير كافية بل مئة في المئة، وإلا فلا يحق لك أن تفتي أو تكون افتريت على الله كذباً.

الناس يتعبون في تأليف المناهج في الأخلاق وفي التربية وفي تقويم المجتمعات وإنما اختصار كل ذلك سهل جدا : أن تكون مسلماً فحسب.

أقوال العلماء فيه

استاذه الشيخ علوان حقي : لقد أنساني ملا يوسف علمي.

الشيخ عبد الرزاق الحلبي: إنه من كبار علماء الأكراد.

د. محمد سعيد رمضان البوطي: ما رأيت تواضع الكثير من أهل العلم إلا ويشوبه شيء من التصنع عدا الملا يوسف، فإن تواضعه عفوي حقيقي.

الشيخ عبد الوهاب بوعافية الحسني الجزائري: اذا أردت أن تنظر إلى رجل من بقية السلف الصالح فانظر إلى شيخنا الشيخ الملا يوسف يعقوب فهو رجل بأمة.

الأستاذ المصنف محمد خير رمضان يوسف: عالم الجزيرة السورية، المقصود بالعلم والفتوى، كان بحرًا في العلم، ضليعًا في فقه الشافعية، مناظرًا ومحاورًا قويًّا، شجاعًا، يصدع بالحق، ولا يسكت عن ظلم. وكانت مجالسه عامرة بالعلم والفوائد وشؤون الدعوة وأحوال المسلمين. صحبته سنوات عندما كان فقيه التكية عند شيخنا علوان حقي رحمه الله. واستضافني أيامًا عصيبة في بيته، وأكرمني، وخفّف عليّ ما كنت أجد من خوف وهلع من بطش الجبابرة والطغاة المتكبرين، وما كانت تقلّني أرض. وقد كانت أحداث حماة في أوجها

د. مصطفى الطيبي الجزائري: الشيخ العلامة شيخ الشافعية بالشام من أبرز علماء الأكراد في عصرنا الحاضر ...

د. مفيد صدر الدين يوكسل الحيدري: كان من كبار علماء الكرد.

الشيخ محمد بسام حجازي: شيخنا العالم العامل، الفقيه الشافعيّ المتقن (الملا يوسف يعقوب) من كبار علماء الشافعية وفقهاء الجزيرة...غير أنه ـ رغم علوِّ كعبِه في العلم والتربية ـ كان يفرُّ من الشُّهرة ويؤثر عدم الظهور...

د. عبدالله الديرشوي : كان مرجعنا جميعا في الفتاوى ... لثقتنا بعلمه وتقواه وكان يشهد له بذلك أساتذنه. ويروي قصة عن تمكنه العلمي فيقول:

كنا أيام دراستنا نسكن في غرف تابعة لمسجد (الحلوية) مقابل مسجد زكريا عليه السلام في حلب، وكانت إحدى تلك الغرف مخصصة لمجموعة من المشايخ منهم الشيخ نجيب المصري (رئيس رابطة علماء حلب)، وكانوا يجتمعون فيها في بعض أيام الأسبوع يقرؤون في كُتب معينة، فزارنا ملا يوسف مرة [وكان في خدمة الجيش التي ذهب إليها بعمر متأخر]، فاستأذن أولئك العلماء ليجالسهم في حلقتهم، فأذنوا له، فأشكلت عليهم عبارة، وبعد أن عجزوا عن تفكيكها وبيانها، قرروا تجاوزوها، فاستأذنهم الملا يوسف في بيانها، فتفاجؤوا ورحبوا -لأنه كان باللبس العسكري- فلما شرحها وبينها، وسّعوا له في المجلس وأكرموه، وكانوا كلما رأوه استضافوه وأكرموه لما لمسوا من تمكنه العلمي.