الشيخ مصطفى مزراب

1320 ـ 1389 هـ

1902 ـ 1969 م

الشيخ مصطفى بن السيد بكري بن السيد عبد الرحمن مزراب، وينتهي نسبه إلى السيدة فاطمة رضي الله عنها(1).

عالم عامل، وداعية مخلص، أحد أعلام المدرسة الشعبانية ومن أبرز مدرسيها

ولد الشيخ المترجم له في مدينة حلب، وفي حي من أحيائها العريقة وهو حي (الفرايين تحتاني)، ونشأ في أسرة محبة للعلم والعلماء، وتلقى تعليمه الأولي في أحد كتاتيب الحي، ثمّ لازم شيخه الشيخ عباس محلول الزنار شيخ الطريقة (الرفاعية)، وأخذ عنه مبادئ العلوم الشرعية والعربية، كما أخذ عنه الطريقة الرفاعية، وبقي ملازماً له إلى أن انتقل الشيخ إلى رحمة الله، سنة: 1920 م، فأنتقل إلى الشيخ محمد الأورفلي، وسلك على يديه، وأخذ عنه.

وعندما جاوز الشيخ المترجم له العشرين من عمره، أراد أن يستزيد من العلوم الشرعية، فانتسب إلى المدرسة (الخسروية)، وفيها انصرف إلى طلب العلم بشكل منهجي مستفيدا من شيوخها الكبار، الذين تتلمذ عليهم، وأخذ عنهم مختلف العلوم الشرعية والعربية والكونية.

فأخذ الحديث النبوي الشريف والسيرة العطرة وتاريخ الإسلام، على شيخه محدث حلب ومؤرخها الشيخ محمد راغب الطباخ، ودرس الفقه الشافعي على شيخه الشيخ محمد سعيد الإدلبي، والشيخ عمر المارتيني، حيث قرأ عليه كتاب: (الإقناع في شرح متن أبي شجاع)، وأخذ علوم اللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها، على شيخه الشيخ أحمد الكردي، وأخذ علم الفرائض على شيخه الشيخ عبد الله المعطي، وعلم المنطق والتوحيد على شيخه الشيخ فيض الله الكردي(2)، هذا بالإضافة إلى ما حصله المترجم له من العلوم الكونية كالحساب والجغرافية والعلوم الطبيعية وغيرها.

وكان الشيخ المترجم أثناء طلبه للعلم مثال طالب العلم المجد المثابر على سهر الليالي في المطالعة وتحضير الدروس، غير ملتفت إلى متع الحياة ولذائذ الدنيا، يحدثنا صديقه وزميله في طلب العلم شيخنا الشيخ أحمد قلاش: (عندما كنّا طلاباً في المدرسة (الخسروية) وكنا نقيم في غرفة في المدرسة (العثمانية)، ومعنا رفيقنا الشيخ بكري رجب، وكنا نشترط لمن يسبق لإيقاظ رفاقه شرطاً فكان - رحمه الله - هو من يسبق بإيقاظنا، فقد كان لا ينام من الليل إلا قليلاً، أمّا طعامه فقد كان بسيطاً وقليلاً مقتصراً على الكعك والماء).(3)

وفي عام 1348هـ ـ 1929م، تخرج الشيخ في المدرسة (الخسروية) حائزاً على درجة عالية.(4)

وما أن أتم الشيخ المترجم تحصيله العلمي، حتى انصرف إلى نشر العلم والدعوة إلى الله، من خلال دروسه ومجالسه العلمية وعمله في إمامة الناس وخطبة الجمعة في عدد من مساجد حلب، فقد تولى الإمامة في مسجد (الطوينه) في حي (قارلق) للأوقات الجهرية، وفي جامع (بانقوسا) للأوقات السرية، كما كان خطيباً في جامع (الخير) في منطقة (سويقة حاتم)، ودروسه المستمرة في جامع (بانقوسا) وجامع (قارلق) وجامع (سد اللوز)، وغيرها من مساجد المدينة وجوامعها.

أما عمله المميز في مجال نشر العلم والدعوة إلى الله، فقد كان اشتراكه مع عدد من إخوانه العلماء وعلى رأسهم العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين، في العمل على ترميم المدرسة (الشعبانية) وإصلاحها، ونقل الطلاب إليها، ووضع المناهج المفيدة لهم، وإعادة التدريس فيها بمساعدة بعض إخوانه من العلماء وطلبة العلم(5)، وكان للشيخ المترجم له فضل التدريس فيها والإشراف على طلابها، ولهذا فقد كثر طلابه والآخذون عنه في المدرسة (الشعبانية)، ومن طلابه النابهين نذكر الشيخ محمد عوامة، والشيخ زهير ناصر، والشيخ عبد المجيد مُعاذ، والشيخ عبد العزيز بوشي والشيخ المرحوم عبد المجيد قطان - رحمه الله - والشيخ محمد الفحل، والشيخ بكري حياني، بالإضافة لأبنائه الشيخ محمد عادل والشيخ عبد الحميد، والشيخ حسن، الذين تابعوا طريق والدهم في نشر العلم والدعوة إلى الله، وغيرهم كثير.

كما كانت له جولات على القرى المحيطة بحلب، كلّ يوم اثنين بصحبة بعض إخوانه من العلماء، وبتوجيه من شيخنا العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين، رحمه الله يجمعون أهل القرية في المسجد، فيعظونهم، ويعلمونهم، أمور دينهم ودنياهم.(6)

كما كانت له رحلات إلى أرض الحجاز لأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، وقد كانت أولى رحلاته على ظهر الجمال، ثمّ قيض الله له الحج بواسطة الباخرة، ثمّ بواسطة السيارة، ثمّ الطائرة.

طيب القلب، كريم النفس، متواضع مع كلّ الناس، ومع إخوانه من العلماء وطلاب العلم والمستفتين خاصة، معرض عن متع الحياة الدنيا وزينتها، منصرف إلى العلم تحصيلاً وبذلاً، محب للسلم والسلام، وكان يحرص على إلقاء السلام على من عرف ومن لا يعرف، لا يسبق إليه إلا نادراً.

ظلّ الشيخ مصطفى على حرصه على نشر العلم، والدعوة إلى الله، إلى أن لقي وجه ربه، بعد صراع شديد مع المرض العضال الذي ألمّ به، وصبر عليه، وذلك يوم الثلاثاء، الواقع في الثامن عشر من شهر ربيع الأول، سنة: تسع وثمانين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافق للثالث من شهر حزيران، عام: تسعة وستين وتسعمئة وألف للميلاد، وحزن عليه أهله وإخوانه من العلماء وطلاب العلم، وشيع بجنازة حافلة إلى مثواه الأخير، في مقبرة (كرز داده) في محلة قاضي عسكر. - رحمه الله -

وقد رثاه عدد من الشعراء نذكر منهم صديقه الشيخ بكري رجب، رحمهما الله بقصيدة جاء فيها:

خطب أجلّ أناخ بالشهباء=رزءٌ أصاب المسلمين ويا له

إنّ المصائب في البرية جمةٌ=نجمٌ هوى علمٌ زوى بدرٌ ثوى

يا مصطفى المزراب في الخيرات=قد كنت ميزاباً لكلّ فضيلة

فعليك رحمة ربنا ورضاه ما=فأفاض عبرتها بكلّ سخاء

رزءٌ يجلّ جوى عن الأرزاء=وأجلّهنّ مصيبة العلماء

ومقرُّه في مكمن الغبراء=يا مَن نعيه أزرى بكلّ بلاء

وقرير عين السمحة الغراء=خطبٌ أجلّ أناخ بالشهباء

ـ المدرسة الشعبانية ـ

المصادر والمراجع

1- ترجمة خطية تفضل بها حفيده الأستاذ مصطفى مزراب.

2- ديوان المدائح النبوية والأشعار الحكمية لشيخنا المرحوم الشيخ بكري رجب.

3- سجلات المدرسة الخسروية (الثانوية الشرعية).

4- مقابلة شفهية مع شيخنا الشيخ محمد زين العابدين جذبة.

5- مقابلة شفهية مع شيخنا المرحوم الشيخ أحمد قلاش.

6- مقابلة شفهية مع نجل المترجم له الأستاذ عبد الحميد مزراب.

7- مقابلة شفهية مع أخينا الأستاذ الشيخ عدنان غشيم.

8- مذكرات المؤلف وذكرياته.

عن مقابلة شفهية مع نجل المترجم الشيخ عبد الحميد . 

(1) انظر ترجمات شيوخه في مكانها في الجزء الأول من الكتاب.

(2) عن ترجمة خطية تفضل بها حفيد المترجم له الأستاذ مصطفى مزراب.

(3) تخرج مع الشيخ في (القافلة الرابعة) كل من وحسب ترتيب نجاحهم: أحمد قلاش، برهان الدين الداغستاني، محمد الناصر، سعيد المسعود، محمد سلقيني، مصطفى مزراب (المترجم له)، محمد خليلو التادفي، مصطفى المارعي، همام النعساني، عبد الرحمن حوت، عبد الله الأسود، محمد نور البلاط، عبد الله سلطان، عمر محو، حسن الحموي، عن (سجلات المدرسة الخسروية).

(4) حدثني أخي الفاضل الشيخ عدنان غشيم ـ حفظه الله ـ أن والده الشيخ محمد الغشيم رأى في منامه الشيخ محمد نجيب سراج يقول له: قل لولدي عبد الله: لقد كنت أعمل في بناء هذه المدرسة منذ كذا وكذا والآن تمت. واستبشر الشيخ عبد الله بهذه الرؤيا، وعمل على الإسراع في افتتاح هذه المدرسة، وكان معظم طلابها من تلاميذ الشيخ عبد الله في جامع (الحموي) والشيخ محمد الغشيم في جامع (مقر الأنبياء)، وتلاميذ بعض إخوانهم من العلماء، أمثال الشيخ مصطفى مزراب، والشيخ عبد الله خير الله والشيخ سامي البصمجي، والشيخ أحمد القلاش، والشيخ محمد المعدل، ثمّ أصبحوا جميعاً مدرسين في هذه المدرسة، (عن مقابلة شفهية مع الشيخ عدنان الغشيم)، وانظرتفصيل ذلك في كتابي (التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر الهجري).

(5) كانت هذه الجولات بتوجيه من شيخنا الشيخ عبد الله سراج، وكان يشاركه فيها صديقه الشيخ بكري رجب، والشيخ أحمد قلاش، والشيخ محمد الغشيم، والشيخ عبد المجيد مزراب وغيرهم، وانظر ترجمة الشيخ عبد الله سراج الدين، ص546. في الجز الأول من هذا الكتاب.