الشيخ محمد نافع شامي رحمه الله -4-

 



 
- العمل الاجتماعـي


  لما ترك والدي العمل في بيروت وعاد إلى إدلب ، كان الوضع الاجتماعي جامداً، وكان فيها بضع مشايخ هم تلامذة العلامة الشيخ طاهر منلا الكيالي شيخ الطريقة الرفاعية ونقيب الأشراف في إدلب .
  وكان في درجتة ثلاثة من العلماء هم الشيخ عبد الرزاق جبيرو وهو عالم وشاعر ، وبرهان الدين عياشي وكان مفتياً ، والشيخ عبد الفتاح جحا وكان صوفياً على الطريقة القادرية ، وقد توفي الاثنان الأولان في عام 1931 وفي نهاية العام نفسه توفي الشيخ عبد الفتاح جحا ، وكانت وفاته يوم جمعة ، وشُيّع جثمانه قبل الصلاة وصادف أن بُحَّ صوت خطيب جامع الأقرعي الشيخ شريف مرتيني ، فراح يبحث عن شخص يَخطب مكانه ونظراً لضيق الوقت وعدم وجود من يستطيع أن يخطب ارتجالاً من المشايخ دُلّ على والدي ، فرجاه أن ينوب عنه ، فاعتذر كونه غير معمَّم ، حيث كانت العادة ، ألا يرتقي المنبر ، من ليس على رأسه عمامة ، فقال : لا مانع أن تخطب بدون عمامه فقبل والدي النيابة .
  وما أن بلغ الخبر إلى الشيخ طاهر نقيب الأشراف ، حتى نادى والدي ، والمشايخُ من حوله فطلب منه أن يتعمم تمشياً مع العادة المألوفة ، فامتثل إرضاءً للشيخ و رغبة منه في استمرار زيِّ المشيخة القديم في آبائه ، وخطب الجمعة مكان الشيخ المذكور ، وكانت هذه الخطبة من أسباب شهرته في بلده الذي جهله أهله بسبب غيابه عنهم مدة شبابه الأولى .
 وانطلق من بعدها لإلقاء الدروس والخُطب فأكسبه ذلك شعبية عظيمة ، تعب من ورائها كثيراً في المداخلات الاجتماعية ، وإصلاح ذات البيْن في الأوساط الاجتماعية ، خصوصاً في القرى ، التي كانت في نزاعٍ كبير وخصومات عريضة ، وكان المستعمر يُغذي فيها داء التفرّق والعداوة بين أبناء القرية الواحدة ، وقلّما تجدُ قرية خالية من التعصب الحزبي أو العائلي ، وأكثر القرى كانت تعيش في عداء مستحكم بين عائلة وأخرى ، ولا يمضي يوم أو أسبوع ، إلا وتنشبُ فيها معارك دامية بسبب تعيين مختار ، أو كلمة انطلقت من أحد الأطراف في القرية ، أو بسبب انتخاب نائب دون آخر . 

النـــادي الأدبــــي الرياضــــي:
لما عاد لبلده إدلب كان فيها نادٍ مفتوح مرخّص يدعى ( النادي الأدبي الرياضي ) تعرّف على بعض شبابه وفهم الوضع الذي كان عليه وهو وضع سيئ لا يسرُّ أحداً أبداً ، اذ كان هذا النادي قائماً على عدد محصور قليل من شباب إدلب لا يتجاوز العشرة ، والناس يخشون التردد إليه للأسباب التالية :
1- اشتهار هذا النادي بالمُجافاة للدّين حيث كانوا يلعبون فيه ببعض المنكرات التي يُلعب بها في المقاهي ، وعزوف كثيرٌ من روَّاده عن الصلاة .
2- نُقمة مشايخ البلد على أولئك الشباب وتشويه سمعتهم واتخاذهم من سوء السمعة حجّة لعدم مؤازرتهم في كل حركة يريدون القيام بها ضد المستعمر .
3- كان غضب الاستخبارات الفرنسية منصباً على هؤلاء الشباب ، والناس يكرهون القرب ممن تغضب عليه الحكومة ، والحكومة المحلية تُجاري حكومة الاستخبارات ولا تجرؤُ أبداً على معاكستها .  
4- استكان شباب النادي أخيراً إلى واقع الحال فحرصوا على بقاء النادي مفتوحاً كدار تجمعهم للتسلية ، ويدفعون أجرتها من جيوبهم ، وهم في الحقيقة شبابٌ مهذبون طيبون ، حُبست الاستفادة منهم عن شعبهم بالأمور المذكورة . 
ولما مضى على على إقامة والدي في إدلب ، زمنٌ وتعرّف فيها على معظم أبناء البلد ، وتبادل مع شباب النادي الرغبة في العمل الذي يحرّك أمتنا للخير ، ويقوّي نفوسهم بالمبادئ الطيبة ليقوَوْا على مجابهة الشر ....... بقيَ ينتظر الفرصة المواتية للانطلاق .
 وكانت الدروس والخطب الجمعية التي قام بها ، مبعثَ الثقة حيث صحّحت كثيراً من المفاهيم الاجتماعية الفاسدة ، وأصبح شخصاً محبوباً من جميع الفئات بما فيهم المشايخ ، وركَّز في نفوسهم فكرة الإكثار من فتح النوادي والجمعيات تحقيقاً لقول الله تعالى : 
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)
 وأوضح لهم المراد من قول الله في شأن موسى عليه الصلاة والسلام وقومه المستضعفين من فرعون وملته :
( وأوحينا إلى موسى وأخيه هارون أن تبوأا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلةً )
 وأكثرَ من البحث في هذا الموضوع الحسّاس ، حتى شعر بيقظةٍ محمودةٍ جعلت المجتمع في ادلب توّاقاً إلى الفكرة المذكورة .  
واتفق الشيخ مع شباب النادي بما فيهم شباب النصارى ، على تغيير اسم النادي ، إلى نادي الشبيبة الإسلامية؛ ليتسنى إدخال المشايخ في أعضائه ، ثم توجّه مع شخص موظف مؤمن لا يتهيب الباطل ، اسمه محمد على حاجو من دمشق ، كان يشغل وظيفة مأمور الزراعة ، إلى الأستاذ الكبير المشهور الشيخ طاهر منلا الكيالي ، والذي كان المشايخ يسيرون بإشارته وتحت لوائه ، فقابله والشاب المذكور محمد على حاجو ، واستنهضا همّته ليكون رئيس النادي ولو رئيس شرف وكانا معه في صراحة محرجة له ، فما كان منه إلا أن استجاب لدعوتهما وبعد أن أتمّا المعاملة الرسمية لقلب اسم النادي عاد الشيخ الكبير فاعتذر عن قبول المهمة التي أسندت إليه - سامحه الله - نتيجة ملاحظات أبداها له بعض أقاربه .
 فقبلنا اعتذاره مرغمين - والكلام الآن للشيخ نافع - ورجوناه أن يسمح لابنه الشيخ حسن حيث كان غير موظف كأخيه الشيخ سامي ، الذي كان قاضياً شرعياً ، فاعتذر هذا بدوره نزولاً عند رغبة أبيه التي تَمُتُّ إلى المداراة بصلة ، فرجونا والده الشيخ الكبير الكريم أن يكلف أحد تلاميذه من المشايخ وكلهم فارغون من الوظائف لترؤس النادي ، فتهيّبوا من القبول نزولاً عند رغبة شيخهم التي أحسّوا بها ، من رفضه ورفض ابنه لرئاسة النادي ، إذ تهيّبوا نزع العلاقة مع المستشار الفرنسي و رئيس الاستخبارات ( شوفيار) إذ ذاك ، اللذان كانا يتظاهران باحترامهما الشديد للشيخ الكبير طاهر منلا الكيالي ، ويزوره رئيس الاستخبارات شوفيار متواضعاً له متظاهراً بتلبية مطاليبة البسيطة .
 ولعلّ ما جرى هو الخير فلم يبق في الميدان كما يقول المثل العامي إلا حديدان ، فتشرفت بهذه الرئاسة ، وأقبلتُ على النادي أطهِّره من الألعاب التي لا يُقرّها الدين وضاعفتُ فيه الألعاب الرياضية المحمودة إلى جانب نهضة دينية عمادها إلقاء دروس اجتماعيةٍ وأخلاقيةٍ كل ليلة ، يحضرها المسلمون والنصارى والقيام بتمثيليات موافقة للدّين ، وإلقاء محاضرات علمية كل أسبوعين مرة يدعى لها رجال الحكومتين المحلية والافرنسية ، وكافة طبقات الشعب إلا أنه ما كان يُلبي هذه الدعوة ، إلا عامة الشعب الذين لا علاقة لهم بالحكومة . 
وتقدم النادي مرة بطلب رخصة لتمثيل رواية دينية فوقف الطلب في دائرة الاستخبارات وكلما روجعت الدائرة بشأنها ، كان الترجمان أميدي سابا الذي كان حاكماً بأمره في قضاء إدلب حيث كان موضع ثقة المستشار ومطلق اليد في التصرف ، بحيث تأله في إدلب وطأطأت له رؤوس أصحاب المصالح من أكابر القوم .
قال للمُراجع لماذا لا يأتي رئيس النادي صاحب طلب الرخصة ، فاعتزمتُ مقابلته ولما دخلتُ على الترجمان المذكور هالنى منظرٌ رأيته ، لقد رأيت الترجمان متصدراً على أريكته واضعاً أحد ساقيه على فخذه الثانية وهو يدخن لفافة تبغٍ عالقة بطرف شدقيه تلوح في وجهه علامات الاحتقار والاستصغار لهذا المُراجع الذي وقف أمام منضدته بذلٍ وصغار .
حين دخلتُ وثب الترجمان لاستقبالي مبدياً لي كل احترام مؤهلاً ومسهلاً ، وفاجأته بقولي أريد مقابلة المستشار وأراد أن يفهم طلبي فقلت الآن تسمعه حين تترجم لي وعنّي عند المستشار، فرجاني الجلوس عنده قليلاً ريثما يخرج من عنده رجل يقابله فجلست وأشعل لي لفافة فلم انته من تدخينها حتى خرج الرجل من عند المستشار فاستقبلني استقبالاً جميلاً وبدأتُ الحديث معه مستغرباً حجز رخصة التمثيل عنده ، فأجابني قائلاً :
أنا الذي رخّصت بفتح هذا النادي لأني أحبّ نشر الفضيلة وأنا حين رخّصت بفتحه أقصد أن يكون أداة تجميع لشباب المدينة ليتعاونوا على الأعمال الطيبة والنافعة للشعب ، ولكنه انقلب إلى وسيلة تآمرٍ علينا ، وأداةً للعمل ضدنا ، وأنا لم أفتحه ليكون نادياً سياسياً ، بل ليكون دار تهذيبٍ وتعارفٍ وتعاونٍ على أعمال الخير ، وهذا هو سبـب إحجامـي عن الترخيـص له بالتمثيلية .  
فأجبته قائلاً بكل جرأة وصراحة: إذا كانت الأكاذيب عندكم حقائق تبنون عليها ، فحريٌّ بدائرتكم أن تسمى استخبارات عن الأكاذيب ، إذ ليس عندكم معرفة بحقائق الأمور ، واستشاط غيظاً من هذه الصراحة ، فسأل عما أقصده ، فقلت : إنّ الشباب الذين يرجون صديقكم سماحة الأستاذ الكبير الكيالي ليرأس ناديهم ينفي ما زعمته من اشتغالهم بالسياسة ، ولما اعتذر عن القبول رجوه أن يسمح لنجله الشيخ حسن بترؤسِ ناديهم ، ولما اعتذر رجوه تكليف أحد طلابه من مشايخ البلد ولما اعتذروا ، قبلتُ هذه المهمة وانطلق معي شباب النادي نحو الفضائل وكان من أهدافنا إلقاء المحاضرات العلمية النافعة والدروس الاجتماعية المفيدة ، وما من محاضرة ألقيت في النادي إلا وتُدعَون إليها ، ولكنكم لم تجرّبوا ولو مرة واحدة أن تشجعوا النادي بالتنازل لحضور هذه المحاضرات ، وتبعاً لنقمتكم على النادي التي لا مبرر لها والتي قامت في نفوسكم على استخباراتكم المغلوطة ، كان رجال الحكومة المحلية أيضاً متخلفين عن حضورها ، ومثلهم أصحاب المصالح والأغراض عندكم كانوا يتخلفون عن حضورها ، التماساً لرضاكم عنهم ، وكان الذين يحضرون هذه المحاضرات من عوام البلد والأميين ، الأمر الذي تضيع معه جهود الأساتذة المثقفين في إعداد محاضراتهم .
ولما أحرج بهذا الجواب وكان بين المترددين إلى النادي بعض الشباب الذين يناوئون الإفرنسيين والحكومة سأل عنهم فقال ما بال هؤلاء يترددون إلى النادي؟ أجبته قائلاً : إن النادي يَسُرّه أن يَأوي إليه كل فاجر وفاسق وجاهل وشرس لأن هدفه الإصلاح ، وهؤلاء هم موضعه ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول : ( الفاسق ضالة كل داع إلى الله ) فإذا حُجب هؤلاء عن النادي فأين موضع رسالتنا التعليمية والتوجيهية .
ولما أقيمت عليه الحجّة تغير فوراً وشكرني وبالغ في احترامي ووقّع الرخصة غير أنه رجاني أن أتردد عليه فأجبته إن هذا غير ممكن ومحاظيره كثيرة فودعني وانصرفت مسروراً من موقفي الحازم الذي تمَّ بتوفيق الله ......... انتهى كلام الشيخ نافع .  

تحَــوُل نادي الشبيبة الإسلامية إلى عمـــلٍ سياســي .
كانت نتيجة الدورة الدينية فيه ، يقظةٌ في شباب إدلب لم تُعهد من قبل ، والتفَّ الناس كلهم حول النادي ، وصادف أن برزت في البلاد فكرة تجميع الشعب على ضرورة تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي ، وتكتل لهذه الغاية رجال أشدّاء نظّموا العمل والسعي للغاية المذكورة وعرفوا باسم الكتلة الوطنية وبحسب مشاركة نادي الشبيبة الإسلامية للكتلة الوطنية ، بهذا الهدف انسحب على النادي اسم الكتلة ، وأصبح النادي مكتباً لها ، ثم أنشأوا في البلاد تنظيماً عسكرياً تحت اسم الحرس الحديدي يرتدي لوناً موحداً من اللباس يأتمر بأمر قائد واحد وهو تحت تصرف الكتلة في كل بلد ، وتجري لهم زيارات ومقابلات برحلات منظمة ويقوم على تدريبهم عسكرياً اختصاصيون في كل بلدة وكان ذلك عام : 1936 وهو العام الذي اتفِق فيه على ذهاب وفد يمثل سوريا كلها إلى فرنسة ، برئاسة هاشم الأتاسي وعضوية فارس الخوري ، وسعد الله الجابري ، وغيرهم من رجالات الوطن السوري ، وهناك عملوا معاهدة سموها عروس الصحراء وعادوا يحسّنونها للناس وهي غير قويمة ولا عظيمة ولكنها جهد الضعيف وأجريت انتخابات لوضع دستور أساس ووضع الفرنسيون شغلهم الشاغل لإخراج من يريدون ، وكان المجلس غير مرضٍ واضطر الزعيم هنانو إذ ذاك أن يهدد المجلس في دمشق ، ولما عاد منها ناجحاً في تهديده ، جرى على الطريق من دمشق إلى حلب استقبالات رائعة اجتمعت فيها حشود عظيمة من الناس الذين خفّوا لها ، رغم ممانعة الفرنسين لهذه الاستقبالات بالقوة واستطاع والدي الشيخ أثناءها أن يُخرج الناس إلى تفتناز ، بالتحميس رغم مانعة السلطة حتى اجتمع في تفتناز ( مفرق الطريق بين دمشق وحلب سابقاً )قرابة ألفي شخص من إدلب عدا الوافدين من حلب ومن القرى وأُلهبت مشاعر المتجمعين بخطاب حماسي تخاطفة مندوبو الصحف الحاضرون وقد ضمَّن ختامه قول الله تعالى :( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) .
مورّياً فيه بالزعيم إبراهيم هنانو وسارت معه هذه الحشود العظيمة إلى حلب حيث هاجمتهم قوى الفرنسيين بقنابلها في المقبرة الكائنة أمام منزل هنانو ولم تستطيع تفريقهم حتى دخل الزعيم منزله وأطلّ على الجموع من الشّرفة فخطب فيهم وشكر لهم حماسهم وصلابتهم في مقاومة قوى الشرّ والطغيان وأمرهم بالانصراف . 
ثم بعد ذلك انقسمت الكتلة الوطنية على نفسها لأنها لم تقم على تقوى الله وطاعتة ، وقاسى الشيخ وأهل إدلب من مضض الانقسام والتفرق الشيء الكثير ، وإنا لله وإنا إليه راجعون . 
يقول والدي الشيخ : ورغم الهزّات العنيفة التي أحاطت بنا في إدلب ، بقيتُ محتفظاً بثقة الشعب الأدلبي بشخصي فلم تستطع الكتلة في حلب رغم سيطرتها على الشعب ، أن تُضعف مكانتي في الشعب الإدلبي ، بقرارها الشائن بطردي من الكتلة الوطنية ، ذلك القرار الذي ألجأها إليه ، أشخاص منها كانوا قادة لعناصر الشغب في الشعب وكانت الكتلة تشعر بحاجتها إليهم لتهدد بهم مناوئيها مثل جميل بن إبراهيم باشا قطرآغامى وأضرابه ، وبقيتُ بحمد الله نقيَّ الصفحة طاهر السلوك لم أحدعن الحق الذي يرتضيه الله تعالى 
 ولما استلم رجالات الكتلة الحكم في عهد سعد الله الجابري أحسَّ رجال الكتلة في حلب مثل حسن باشا ، وإبراهيم وناظم القدسي ، ورشدي الكيخيا ، وغيرهم ، أحسوا بخطئهـم معي ومالوا لاسترضائي ولكني رفضت وبقيت بعيداً عنهم ، وظلت إدلب معي ، ولم يؤثرْ قرارهم على شخصيتي ومكانتي الاجتماعية لا من قريب ولا من بعيد حتى انتهى أمر الكتلة ، ....نعم انتهى أمر الكتلة ، وحل محلها من أضفيَ عليهم اسم ( الوطنيين ) وألغي الحرس الوطني وعاد الوضع الاستعماري كما كان . انتهى كلام الشيخ 
وجديرٌ بالذكر هنا – ويحق لي أنا ولده أن أفخر بوالدي - لأني لمست في إدلب إجماعاً على محبّته وتقديره ، بحيث لو رشَّح نفسه للانتخاب ، وأغلق على نفسه الباب ، لما خسر صوتاً واحداً من أصوات الناخبين ، ولكنه لم يفعل أبداً لأنه يعلم أن النيابة لا تفيده ، ولا تفيد شعبه شيئاً ، بل تلحق به الوهن ، وأنَّ بقاءه بدون نيابة يحفظ له تأثيره على نُوّاب بلده ، إضافةً إلى أنّه يُريد أن لا يكون لفئةٍ واحدة في المجتمع ، بل يُريد أن يكون للجميع . 
وهكذا استمر وضع إدلب محفوظاً من التفرّق والضعف والبلبلة ، حتى تخلصت البلاد من نير الاستعمار ، وكان لإدلب دورها الطيّب المحمود في مؤازرة الثوّار ، وكانت موحدةً بحيث تتحرك وفق إرادة الشيخ بأقل إشارة في الإضرابات وغيرها ، وقد تعرَّض مِراراً لشتى المخاطر وللسجن والاعتقال ، ونذكر ذلك في حينه .

للاطلاع على الحلقة الثالثة اضغط هنا