الشيخ محمد نافع شامي رحمه الله -3-



- زواجــــــــــه :
كان لوالده رحمه الله صديق اسمه ياسين نعمة بقي يتردد على مضافته ويرعاه بنصائحه ويلمس فيه صدق المودّة والغيرة . كان يحثُّ والدي على الزواج وينتقي له وهو يرفض لسببين :
  الأول : فقره المادي آنـذاكَ .
  الثاني : ارتباطه بعائلة كبيرة لا يسمح لنفسه بالتخلّي عنها ، لعجز كل فرد فيها على إعالة نفسه، ولأن ما ورثه عن والده لا يقوم بكفايتهم .  
وكان لهذا الصديق - ياسين نعمة - ابنةٌ فتيّة لا تزال في المدرسة الابتدائية وهي الوحيدة التي أبقاها الله له بعد أن اختار إلى جواره جميع أبنائه الذين يبلغ عددهم ثمانية فلم يعش الواحد منهم أكثر من بضع سنوات حتى يتوفاه الله .
وكان يتمتع بالصبر وقوة الإيمان - رحمه الله - دفعته محبّته لوالدي أن يزوِّجه من ابنته الوحيدة ،ّ بمهر رمزي ، وكان زواجه منها فاتحة خير ويسر ويمن وبركة وكان ذلك في سنة 1939 فرزق منها عشرة أولاد .
ستة من الذكور وهم :
- عبد الكريم الأكبر سناً من الذكور ، مواليده : 1943 ، إجازة رياضيات ، مدرسٌ لمادة الرياضيات . 
- محمد فاتح مواليد : 1948 اصطفاه الله إلى جواره وهو في الصفّ الحادي عشر . 
- محمد لؤي مواليـد : 1951 مهندس مدنـي . 
- محمد وائل مواليـد : 1955 طبيب بيطـري . 
- محمد حسان مواليد : 1956 مهندس زراعي . 
- محمد براء مواليـد : 1961 مهندس مدنـي .
وكما بينت فقد اختار الله من الذكور إلى جواره أوسط أولاده ، محمد فاتح بعد أن بلغ السابعة عشر من العمر، وارتقى للصف الحادي عشر ، وكان مثالاً في التقى والصلاح والعفاف والعبادة وكان متفوقاً في دروسه مرهف الحس بشكل عجيب ، نادراً في ذوقه وذكائه وفطنته ، وكان مضرب المثل في أخلاقه وتربيته ، وكأن الله شاء أن يكون كذلك ليعظم مصابه به ، نسأل الله له الرحمة والرضوان وفراديس الجنان .
  وأربع من الإناث هنَّ : 
- ثريا من مواليد : 1941 وهي الابنة البكر درست أهلية التعليم الابتدائي ، وعملت معلمة ، 
  توفّاها الله بعد والدها ،عام : 1992 عليها من الله الرحمة والرضوان .
- هـدى مواليـد : 1946 دار معلمات ، معلمة متقاعدة .
- بشـرى مواليد : 1953 صف خاص ، معلمة متقاعدة .
- ايمـان مواليد : 1964 إجازة علوم طبيعية ، تعمل مدرّسة .
  - عمله المعاشي في الحياة :
كان مقتصراً على العناية بثروة الزيتون التي خلّـفها له والده - رحمه الله - مضافاً إليه إعطاء دروس خاصة ، لعدد من الموظفين في اللغة العربية وعلوم الآلات ، من نحو وصرف مقابل أجر معلوم وأما العلوم الدينية فكانت مجاناً ، وبقي كذلك إلى سنة 1941 .
في هذه السنـة فكَّـر بافتتاح مدرسـة خاصّـة باسـم صديقٍ له اسمه عبـد القادر الشيخ فتوح – المعروفين اليوم بآل جحا - وهذا كان يشتغل في حقل التعليم فتركه لأسباب لا أعلمها وبقي بدون عمل وهو أستاذ قدير محترم ، فاوضه والدي أنْ يقوم وإيّاه بفتح مدرسة يتدرجان بها حتى تصبح كلية بين بحرٍ من أشجار الزيتون ، يجلب لها أساتذة متخصصين بشتـَّى العلوم ، على نمط الجامعة التي درس بها ، فتـُقصدُ من جهاتٍ مختلفة ، ومن شتـَّى أرجاء المعمورة ، وتغني شبابنا عن ارتياد الكلية الأمريكية .. 
 وكان من أولى الأسباب التي دعته إلى التفكير بهذه المدرسة أنه أحصى الموجودين من أبناء إدلب في الكلية الأمريكية في حلب إذْ ذاك ، فكان عددهم (55) تلميذاً وتساءل عن كلفة التلميذ فيها فعلم أنه يكلف سنوياً ألفيْ ليرة سورية بين رسوم مدرسيّة ومصاريف أخرى فرأى أن مبلغ (110) آلاف ليرة يقوم بمدرسة كاملة تعلّم مئات الطلاب . 
وشجّع الأخ عبد القادر وبدأ العمل في أول صيف عام 1941 كتجربة ، وأقام احتفالاً للدعاية لها ضمَّ عدداً كبيراً من أهل إدلب ، وجعل الاحتفال في الدار التي اتخذناها مدرسة فأقبل عليها الطلاب بأجور زهيدة جداً ، وقضى بفتح خمسة صفوف هي صفوف المرحلة الابتدائية في الصيف فقط ، على أن تقتصر أثناء الدراسة الشتوية على صفين فقط ، حيث لم يُرِدْ أن يقتطع من المدارس طلاباً ، بل يتدرج بالمبتدئين وبتلاميذ الكتاتيب الذين أقبلوا على مدرستنا . 
غير أن الأستاذ المذكور عبد القادر جحا كان غير متفائل بنجاح هذه المدرسة فتشبث بالوظيفة ، وانسحب من العمل في المدرسة التي أزمع والدي فتحها ، وكان وقع انسحابه مؤلماً في نفس والدي لأنه كان يقصد استحصال الترخيص باسمه ، لأنه كان يعتقد استحالة الحصول عليه باسمه لأنه كان من أشدِّ أعداء المستعمر الافرنسي والمناوئين له ، وليس من المعقول أن يتمّ منحه ترخيصاً بمدرسة خاصة ، في وقت كانت مراقبة المستعمر للتعليم شديدة ، وكان من أهدافه تطبيق دائرة التعليم الرسمي ، بُغية تجهيل الشعب ، فكيف بالتعليم الحرّ .... ولا أبالغ إذا قلت إن المعلم في المدارس الرسمية في ذلك الحين ، لا يجرؤ أن يذكر كلمة وطن ، ويخشى إذا فعل أن يُتهم بالعداء للمستعمر ، وهو مهدد بالتسريح لأقل اشتباه في سلوكه .
كـل صعــب يهــون إذا وجـــدت العنايـــة الإلهيــــة .
 صعب على والدي التراجع عن فتح المدرسة ، لأن ذلك معناه وهن الإرادة ، وهوان الشخصية ، وكان من آثار حُزنه العميق أن صمَّم على المُضي في تنفيذ مخططه مستعيناً بالله وحده فتقدم بعريضة إلى وزارة المعارف ، ولم يمش وراءها خطوة واحدة ولكنه رافقها بالدعاء والضراعة إلى الله ، فلم يَمضِ على رفعها إلى سُدَّة رئاسة الجمهورية ثلاثة أشهر حتى عاد الجواب بالترخيص بموجب مرسوم جمهوريٍ ، بافتتاح مدرسةٍ سمّاها - مدرسة الفتح - تفاؤلاً بما سيكون وراءها من فتوحات في الدين والعلم والأخلاق . 
وكان ذلك كأنه حلم من الأحلام ، فرح والدي فرحاً عظيماً ، وكان ذلك في مطلع عام 1942 حيث قام بفتح خمسة صفوف هي صفوف المرحلة الابتدائية يتدرج بالمبتدئين وبتلاميذ الكتاتيب الذين أقبلوا على المدرسة ، وبدأ عمله بجدٍ واخلاص كما بدأَتِ المقاومة والمناهضة لهذه المدرسة بإشاعة الأكاذيب عنها وأنها لا تفترق عن كتَّاب لا قيمة لشهادتها ، ولا تعترف عليها الحكومة وغير ذلك من الافتراءات .
 وسار فيها سيراً مطابقاً لبرامج المدارس الرسمية ، مع العناية الفائقة بالناحتين العلمية والصحية ، مصحوباً بالتوجيه الخُلقي المستقيم ، واصطبر على الدعايات المناهضة حتى تكاملت صفوفها إلى خمسة هي كلّ صفوف المرحلة الابتدائيـة آنذاك ، وقـدَّم أول فـوج إلى فحـص الشهادة المسمى ( سيرتيفيكا ) فكانت نسبة النجاح 100% وأُلِقم المُغرضون المخاصمون حجراً ، وأُسْقِطَ في أيديهم ، حيث قُبل جميع الناجحين في أول صفوف المرحلة التجهيزية ، وسارت المدرسة بسُمعة طيّبة ونالت الإعجاب لدى الشعب والحكومة وظلّت معروفة بتفوقها ، حسنة السُمعة واضحة الجهود بالنسبة لسائر المدارس في البلد رُغم كثرتها ووفْرتها ومجانيتها ، وقد كانت ميزة هذه المدرسة في المدارس الإعدادية والثانوية تفَوّق طلابها المحسوسِ من قبل الأساتذة ، فإذا شاهدوا تلميذاً نبيهاً قالوا له أنت من تلاميذ مدرسة الشيخ نافع ، حتى طغى اسم صاحبها على اسمها ، فأصبحت تعرف بمدرسة الشيخ نافع بدلاً من مدرسة الفتح ولا زالت تُعرف كذلك ، ولا زالت بِعون الله أيضاً الرائدة بين أقرانها ، ولله الحمد والمنّة . 

للاطلاع على الحلقة الثانية الرجاء اضغط هنا