الشيخ محمد  فرهود

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على صفوة خلقه ، وخيرة رسله صلى الله على محمد وآل محمد وسلم ، وبعد :

فأعزي المسلمين بعلمائهم الذين ما فتئ الإنسان يعزي بأحدهم حتى يفجع بالآخر ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

اللهم إن عبدك محمد بن عبد الله فرهود في ذمتك ، وحَبْل جوارك ، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد ، اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم .

اللهم آمين .


[مقدمة]



 
 

  

 

عيدٌ بأية حال عدتُ يا عيد / بما مضى أم "لفقدٍ" فيك تجديد

 

 

أما الأحبة فالبيداء دونهم / "فالموعد الخلد لا قَيْدٌ ولا بِيْدُ" 


في صحيح البخاري 1/ 32 عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» .

وسأحدثكم عن فقيد العلم -رحمه الله- ، وسأعرض لكم مجلسا يتيما حضرته له ، وذكر فيه خلاصات من عمره ، عل قلبا يعيها فيستنير بما فيها ، ويترحم على قائلها.

قال عنه تلميذه الشيخ فيصل بن علي السويطي في كتابه تسهيل العروض والقافية ص5 : "هو فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عبد الله فرهود الحلبي ، ولد في حزيران 1933م" .

قلتُ: زرتُه قبل غيبوبته بنصف شهر ، وقبل وفاته بشهر ونصف تقريبا في منزله بحائل -بتنسيق من فضيلة الشيخ فيصل ، فهو الذي دلَّنا عليه ، وعرفنا به، وغالب ما في ترجمته أفدته منه - مع أساتذة من الجامعة الإسلامية مغرب يوم الجمعة 12/8/1434هـ ، والأساتذة الشيوخ هم : د. إبراهيم السهلي، وعبد القيوم بن محمد السحيباني ، ود. يوسف المحمدي .

وهم الذين كانوا يسألونه مع الشيخ فيصل، وآخرهم أكثرهم سؤالا بحكم تتلمذه على الشيخ ، وإليكم نبذة من ذلك المجلس :


[طرف من سيرته وصفته]

خرج الشيخ من سوريا أيام أحداث حماة قبل ثلاثين سنة تقريبا ، بعد أن كان مخيرا بين خيارين إما السجن أو القتل ، واتهمه النظام بأنه طلب من أولاده مقاتلة النظام ، فنزح إلى حائل وظلَّ بها إلى أن لقي الله فيها صبيحة عيد الفطر 1434 هـ، عن ثمانين عام تقريبا .

الشيخ تعلوه مهابة الطاعة ، ونور القرآن والعلم ، وسيما الصلاح والتقوى، هكذا أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا ، كريم جواد ، طيب الخلق، متواضع فطرة لا تكلفا ، كان رئيس قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين ، وكان يدرس الرحبية ، واستعانوا به في عدة دورات في تدريس الآجرومية .


 
 

 


[شيوخه]

تفقه على أسعد عبجي ، وكان مفتي الشافعية ، وبلغ سن الثمانين كشيخنا .

وأخذ شيخنا الفرائض والتجويد على الشيخ محمد نجيب خياطة ، وكان علما من أعلام التجويد ، وبارزا يشار إليه بالبنان بالتجويد وبالفرائض ، وكان مبرزا جدا، ودرس عليه الرحبية بالكامل ، والبرهانية درس القليل منها عليه .

ودرس على الشيخ محمد راغب الطباخ عدة مواد ، والشيخ الطباخ محدث حلب ، ومما درس عليه العروض ، وقد عشق الشيخ الفرهود هذا الفن كما أخبر عن نفسه، ودرسَه في الصف الثاني المتوسط .

وأفاد الشيخ السويطي بأنه أخذ الأدب عن الشيخ عبد الرحمن الباشا .

وكان الشيخ الفرهود -رحمه الله- يقول من شدة تواضعه : أطيب الطيبات أن أحظى بهؤلاء الإخوة الأحباب الأجلاء ، يا ليتني دائما كنت أراكم ، زيارتكم نحبها من زمان .

وكان قد ثقل سمعه ، فطلب منا رفع الصوت عند السؤال لذلك ، وأنشد :

إن الثمانين وبلغتَها / قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

فأثار بعضهم سؤالا في :"بلغتَها" أهي بالنصب أم الرفع ؟

فأفاد الشيخ السويطي بأنها بالنصب؛ لأنه ألقاها أمام الملك ، فكان يدعو له ببلوغها .


[فوائد في طرق التعلم] :

وسئل عن أسباب بلوغ العلم : فأنشد بعد أن أوصى بالقراءة والمطالعة ، والفهم لما يقرأ والتلقي :

أخي لن تنال العلم إلا بستة /  سأنبيك عن تأويلها ببيان

ذكاءِ وحرصٍ واجتهادٍ وبلغةٍ /وصحبة أستاذ وطول زمان

قال : ذكاءٍ أو ذكاءٌ ، وذكاء ٍ أفضل ؛ لأنها بدل .

وتنسب للشافعي .

والبلغة : أن توجد المادة الكافية لتشتري الكتب ، و[تجد الوقت لتتفرغ  لذلك].

ثم شدد على الاجتهاد والحرص على المطالعة والتلقي عن أهل العلم وقال : هذا يفيد كثيرا ، ويحتاج الأمر لفترة زمنية ، لا يأتي بيوم أو يومين أو وثبة أو وثبتين لابد من طول ، فحينئذ يستشعر الطالب العلم .

وكان  يقول : العلم غزير ، وهذه الغزارة تتطلب الجهد الجهيد ، مجرد كونه عالما دون اتصال بأهل العلم [أي: مشكل]، ولابد من المطالعة الدائبة .

المطالعة تحتاج لدأب ، ثم التواصل مع أهل العلم = عندها يلد العلم ولادة طيبة .

أما اقتصار الإنسان على نفسه فلا يكفي ، فلابد أن يتصل مع أهل العلم ، وأن يتناظر معهم وأن يتناقش ، ليعطي الثمرات الناضجة .

 وسئل عن التمذهب ؟ فقال : لا شك أن التمذهب ضروري للمبتدئ ، في بلادنا الحنفية والشافعي ، وهنا الحنابلة ، لكن يحتاج للدعم بالأدلة . وإذا كان القول في مذهبه فيه ضعف ، يدعه ، ويأخذ بالأرجح بعد رجوعه لأهل العلم] .

وأوصى الأساتذة بالمحاضرات ، وقال : تحتاج لتحضير وإتقان لما سيدرسه المدرس قبل أن يلقيها على الطلاب .


[سؤال عن كتاب]

وسئل عن كتاب مصطفى الغلاييني :"جامع الدروس العربية" ؟

فقال: لبناني الأصل، درس العلوم الشرعية والعربية ، وبرع في العربية ، وله الكتاب الذي ألفه وهو موفق في تأليفه ويمكن أن يستفاد من كتابه (جامع الدروس العربية) فهو غزير الفائدة ، وفيه غنى .

وجرت الموازنة بينه وبين كتاب عباس حسن النحو الوافي ، المطبوع في 4 مجلدات؟

فقال الشيخ فيصل : " للأمانة، كتاب النحو الوافي كتاب جامع ، ومن خلال تتبعي لبعض المواضع منه فإنه ينقل ما في التصريح على التوضيح للشيخ خالد بالنص ، وينقل من شرح ابن يعيش الحلبي على مفصل الزمخشري ، فهو جامع، وأما كتاب الشيخ مصطفى فجمع الفوائد الكثيرة وله نفس نحوي ظاهر".


 [سؤالات عن أشخاص] :

وسئل عن الدكتور أحمد الخراط؟ فقال : صوته فيه عذوبة ، وكان يتصل بي ، وافتقدته فأبلغوه سلامي ، درسته في ثانوية الغزالي ، وهي خاصة ، ثم انتقل منها .

وسئل من أعجبك من الشعراء المتأخرين ؟ فقال : المتنبي .

فقيل : من بعد عصر شوقي ؟ قال : أكثر من واحد ، ولكن فيهم أخذ ورد ، وأعرض عن الجواب .

وسأله د. يوسف المحمدي عن عثمان طه ؟

كان زميلي في الدراسة في صف واحد ، أخذ الثانوية وذهب إلى دار المعلمين ، ثم ترك الدراسة ، وكان لديه الرسم والخط ، في الأصل في الجيش ، فخدم العسكرية الإجبارية فاحتفظوا به لاتقانه الرسم وما يتعلق به ، فاحتفظت به أركان الجيش لفترة طويلة ربما خمس سنوات ، ثم بعد ذلك استطاع أن يتخلص من العسكرية وأتى للسعودية، والتقيت به في المدينة مرة واحدة ، وصار لي زمان قطعت عنه ، هو رجل زميل ووفي ، والمشهور من اسمه عثمان حسين ، بس طه جديدة .

وسئل عن حسون -مفتي بشار الحالي- فقال :

"أي حسون؟ اسم على غير مسمى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله !

درَّستُه سنوات ، في الثاني ثانوي وغيرها ، وهُدد من شباب الإسلام بقتله فهرب وأتى إلى المدينة النبوية ، والتقيتُه في المدينة ، وجاء وسلم علي ، وما ذكرت له سبب مجيئي لها .

مكث أياما في المدينة ، ثم أتيح له جو العودة ، فعاد رافع الرأس ، شامخ الأنف ، ثم صار بعد ذلك مفتيا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله" .


[سؤال في العربية]

وسئل : من أول من استعمل أمران أحلاهما مر ؟

فقال : غاب عن ذهني اسمه ، ثم أنشد رائية أبي فراس :

أُسرتُ وما صحبي بِعُزْلٍ لدى الوغى / ولا فَرسي مُهرٌ ولا ربُّه غُمْرُ

ما نسب السطحية والسذاجة لشخصه ، ولا لصحبه ، ولا لفرسه ، بل وقع عليه الأمر وقوعا اضطراريا .

ولكن إذا حُمَّ القضاء على امرئ / فليس له بَرٌ يَقِيْهِ ولا بَحْرُ

سبحان الله ! يتكلم بالكلام الواقعي ، وهو موجع متألم ! يعني أمر قد فوجئ به فوقع عليه .

وقال أصيحابي الفرار أو الردى / فقلتُ هما أمران أحلاهما مُرُّ


[طرفة]

وسئل عن قصة الذمي فكان مما حُكي عنه وأقره:

جاء ذِمِّيٌ إلى شيخ الشيخ الفرهود أو ربما إلى آخر ، فقال : كيف بحر الطويل ؟ فأخبره ، قال : أريد مثاله ، وكان يتبجح بأنه يفهم بالشريعة مع أنه ليس بمسلم ، فأجابه الشيخ :

ألا ليت اللحى كانت حشيشا/ فتعلفَها خيولُ المسلمينا

 

فذهب خجلا في حالة خزي قد آتاه .


[سؤالات عن الشعر]

وسئل عن محبة الشعر ، فشدد -رحمه الله- على ميل النفس لما تطلب ، فقال : "الشيء الذي يكون محببا إليك [أي: تبدع فيه] ، فلا بد من أن تكون شغوفا به = هذا أهم شيء ، والاستفادة من القدماء ضرورة ؛ لأنها تجلي لك المكاسب، ولابد من ذكر الشعراء الذين فيهم مزايا متخصصة ؛ فيستفيد منهم ، عند إذن لا غرو أن يستطيع أن يجلي في هذا المجال" .

وأفاد الشيخ فيصل أن المجلي : السابق في أول الخيل ، واستشهد : "فهو المجلي والوراء إلى وراء".

وقال : "الشعر محبته وثيقة ، وتدخل على القلب ، وكلما ازداد الإنسان من سماع الشعر ، ازداد ذوقه ، وتحلى بالذوق السليم".

وسئل وقد بلغ الثمانين عن الشعر ، فقال:

الآن الشعر لم يعد يعني لي [أي:شيئا] ، فأصبحتُ فاتر الهمة .

[أمنياته  وأوردتها ليعلم الناظر أن الموت يقدم ، ولما تنتهي آمال الإنسان في الحياة]:

1- قيل له : إن قدمت المدينة نجمعك بعثمان طه ، فتمنى ذلك، وقال: مفخرة لي أن أزوركم في المدينة ..

2- قال : اللهم عجل بالفرج للشام ، ولكن لا أدعكم ولو رجعت ، ولا بد أ