الشيخ محمد علي حماد

1947م – 2016م

ترتفع رايات الحزن دامعة أنهاراً كلما مات عالم ديني، أهل القلوب يدركون أن سعادة البلاد بعلمائها الربانيين الذين ينشرون النور المحمدي في روابي القلوب وسهول العقول، فتعم البركة، وتنتشر المحبة، وترتفع الأرواح تسأل رب الأرض والسماء.

سعادة كل مدينة بعدد علمائها الربانيين، الذين ابتعدوا عن الدنيا وزخرفها وبريقها، ومشوا في طريق زراعة الآخرة.

علماء الدين العاملين العابدين المخلصين، هم الأنوار المضيئة لأفراد الأمة، فهم يمسحون القلوب الحزينة بآيات القرآن وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ما أشد وقع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على النفس، وهو يصور الخسارة المؤلمة. في فقد علماء الخير، وأثرهم في المجتمع، وتطاول علماء السوء، الذين يخدرون الأرواح، ويسبحون في الرمال.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلّوا).

الأخ الشيخ محمد علي حماد رحمه الله، كان عالماً عابداً مخلصاً، قضى عمره في طلب العلم متعلماً ومعلماً، سعادته في عبادة ربه، والتدبر في آيات الله، وإدراك عمق الأحكام الشرعية في متابعة كتب الفقه والاستزادة من العلوم القرآنية.

عوامل كثيرة أثّرت في قلبه وفكره وسلوكه، حتى غدا شيخاً عالماً عابداً، يجد سعادته في عبادة ربه وتبليغ الناس رسالة ربه في المدارس والمساجد.

الشيخ محمد علي حماد – رحمه الله – ابن العالم فاضل وشيخ جليل عبد الله حماد- رحمه الله - كان مدرسة علم وأدب وحكمة وخوف من الله (1888 -1970م)، التُقى والصلاح يبرزان في محياه وفي سلوكه وفي كلامه وفي معاملاته، نهض بكثير من الأعمال الدينية، كان مدرساً في عدد من المساجد، وإماماً في جامع باب الأحمر، ومدرساً في الثانوية الشرعية، وارتقى شيخنا – رحمه الله– المنبر يوم الجمعة لسنوات طويلة.

وقد دفع بأولاده إلى الثانوية الشرعية بحلب لتلقي العلم الشرعي وليكونوا دعاة إلى الله، وليرشدوا الناس إلى نبع دينهم، ثلاثة من أبنائه أصبحوا في ديار الحق (عبد الرحيم – عبد اللطيف – محمد علي) رحمهم الله، وأطال الله بعمر الأخ الكبير الدكتور عبد الغني حماد حفظه الله، الذي درّس مادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب، وقام بتدريس الشريعة الإسلامية في جامعة الكويت.

نشأ شيخنا محمد علي – رحمه الله – وترعرع في حي البياضة بحلب، وفي كنف والده، هذا الحي تظله الملائكة الكرام لكثرة العلماء والمشايخ الذين يسكنون فيه، أرواح العلماء تتصاعد في سمائه، فنسائم الهواء عطر يسعد النفوس، ويجلب السعادة للعباد الأخيار، هذا الحي له أثر في سلوك الشيخ ونضوج علمه ومعرفته.

لا يمكن ذكر العلماء والمشايخ الذين سكنوا حي البياضة لكثرتهم، أذكر أسماء منهم، وكل من سكن في حي البياضة من العلماء والمشايخ علم وهداية وسراج علم وهدى، من العلماء (الشيخ عبد الفتاح أبو غدة – الشيخ عبد الله سراج الدين – الشيخ عبد القادر عيسى – الشيخ أحمد الكروي مفتي حلب – الشيخ محمد الحكيم مفتى حلب) رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، وممن سكن حي البياضة طالب العلم الشرعي سليمان الحلبي (1777 – 1800م) الذي تتلمذ في جامع الشعبانية وذهب إلى مصر لمتابعة دراسته الشرعية في الأزهر وقام بقتل القائد الفرنسي كليبر، وأثبت للتاريخ أن رجل الدين يغار على دينه وأوطان المسلمين وأنه فارس البطولة.

من العوامل التي أثّرت في شيخنا محمد علي – رحمه الله - بدأ دراسته الإعدادية أو المتوسطة في الثانوية الشرعية – المدرسة الخسروية – أزهر بلاد الشام، ونام الشهادة الثانوية عام 1967م، ست سنوات، قضاها في هذه المدرسة التي قام بالتدريس بها كثير من علماء حلب الأفاضل رحمهم الله الذين نشروا العلم والعمل والإخلاص والتقى، وقد قام والدي الشيخ محمد زين العابدين الجذبة – رحمه الله - في التدريس في هذه الثانوية لمدة أربع وعشرون سنة (1964 – 1988م) وتلقى الشيخ محمد علي العلم منه، والمدرسة الخسروية بناها الوالي العثماني خسرو باشا 1544م، وهي أول مدرسة وجامع وتكية تم بناؤها بحلب زمن الدولة العثمانية.

بعد حصول الشيخ على الشهادة الثانوية الشرعية، تابع دراسته في كلية الشريعة بجامعة دمشق.

قام بتدريس التربية الإسلامية في مدارس اللاذقية وحلب، كان رجل دعوة وعلم استفاد منه طلابه من علمه ونشر سماحة الإسلام وعلوم الشرعية في تصحيح مسالك الناس وإبعادهم عن طرق الشر والفساد.

وقد التزم بالعمل في دائرة الإفتاء بحلب في عهد المفتي الشيخ محمد بلال – رحمه الله - مما زاد في اطلاعه على الأمور الفقهية وتوضيح المسائل الفقهية التي يحتاجها الناس في معاملاتهم.

وقد انتقل عمله من وزارة التربية إلى وزارة الأوقاف فعمل في التدريس الديني في المساجد،  وقام بالتدريس في الثانوية الشرعية.

كان الفقيد محباً للعلم الشرعي، لم يتوقف عن المطالعة والبحث في المسائل الفقهية كان يجتمع مع أخوة له من العلماء الذين كانوا زملاء له في الثانوية الشرعية في جامع الأنوار بحلب مساء الثلاثاء، كان إمام الجامع وخطيبه الأخ الشيخ العالم عبد الله مسعود من المشاركين في الجلسة العلمية.

أمضى الفقيد حياته في دروب العلم، يزرع العلم في المساجد، ويسعى للخير في مجالسه وقد استفاد طلابه ومريدوه من علمه وأدبه وأخلاقه.

قضى سنوات في المملكة العربية السعودية بعداً عن النكبات التي تعيشها البلاد، لكنها رجع إلى بلده، وكله ألم وحسرة على المحن التي تمر فيها مدينته حلب. وكان لديه بعض الأمراض المزمنة.. وجاء أمر الله.. واسترد الله أمانته وانتقل الفقيد إلى الدار الآخرة في اليوم التاسع من رمضان 1437هـ / 14 حزيران 2016م. إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم آنس وحدته بالقرآن، وأنزله منزلاً مباركاً.

اللهم اجعل بلاد الشام ساحة للعلماء العاملين المخلصين، واجعل علماءهم ألسنة حق وهداية، وارحم موتاهم، واجعل بلاد الشام أرض أمن وأمان. إنك على ما تشاء قدير.