الشيخ محمد طاهر الأتاسي - رئيس رابطة علماء سورية
طاهر بن خالد الأتاسي

مفتي حمص ورئيس رابطة علماء سورية

اختصرها وحررها : مجد مكي

العلامة الجليل القاضي المفتي الشيخ طاهر بن خالد الأتاسي الحمصي الحنفي.

ولادته، نشأته، وطلبه للعلم وشيوخه:

ولد ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 1276 للهجرة (1860م)

توليه للقضاء ولفتوى الديار الحمصية وتخرج العلماء على يديه:

وصار بعد تحصيله للعلم مرجعاًُ في الفتوى،وعرفت الدولة العثمانية مقدار فطنته، فنصَّبته قاضياً في مدن عديدة، فتولى المنصب في حوران عام 1306 للهجرة (1890م)، ثم في نابلس، فالكرك، ثم دنزلي وأدنة من بلاد الروم، ثم في القدس الشريف، إلى أن نال منصب القضاء في البصرة. ومنصب القضاء الشرعي في مدينة القدس يُعتبر من أعلى رتب القضاء في السلطنة العثمانية إذ يأتي في الدرجة الخامسة بعد قضاء العسكر الروملي والأناضولي وقضاء الحرمين الشريفين،ولا يتولى قضاء القدس إلا أكثر علماء الدولة تبحُّراً في العلوم الشرعية، ويعتبر من فئة "المولى الكبير". 

ثم رسم للعلامة الأتاسي بالفتوى في بلده الأول حمص، وجاءه منشور المشيخة الإسلامية عام 1333 هـ ( 1914م)، فعاد إليها، وشرع بإفادة قاطنيها،. وظلَّ رحمه الله مفتي حمص إلى أن وافته المنية، فكانت مدة إفتائه قرابة ربع قرن

وأقبل عليه طلاب العلم، يدرسون العلوم الشرعية والآداب العربية، ويأخذون عنه الفقه واللغة والحديث، فتخرجوا في حلقاته علماء أفذاذ، فمن الذين استجازوه وسمعوا من فوائده الشيخ: محمد العربي العزُّوزي الإدريسي الحسني، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية، ومنهم الشيخ الدكتور: مصطفى السباعي الحسني

ومن الذين درسوا على العلامة طاهر الأتاسي فضيلة الشيخ زاهد بن عبد الساتر الأتاسي، مدير المدرسة الإسلامية الوقفية، والذي لازمه فأجازه بسنده عن أجداده

ومنهم فضيلة الشيخ وصفي المسدي، إمام وخطيب ومدرس جامع القاسمي بحمص، والذي أدرك المترجم في آخر حياته فقرأ عليه كتاب "جمع الجوامع"، وكتاب الحكم العطائيَّة، وكتاب "التوضيح والتلويح" في أصول الفقه، ولازم المسدّي شيخه الأتاسي كذلك، وأضحى مُبيِّضاً لفتاويه.

ومنهم محمد علي العطر، والشيخ محمود بن بدري السباعي، ومنهم الشيخ حسن شمس الدين الذي قرأ على الأتاسي كتاب "جمع الجوامع" في أصول الفقه الشافعي

وكان للشيخ طاهر درس في جامع سيدنا الصحابي الجليل خالد بن الوليد بعد صلاة الجمعة، وهو درس ورثه عن آبائه وأجداده، رحمهم الله

خوضه للسياسة وعمله لرفعة بلاده:

عندما أراد الفرنسيون أن يُجزِّؤوا البلاد، ويفرقوا شمل العباد، انبرى لهم ابن المترجم السيد فيضي الأتاسي، واقترح إقامة استفتاء عام، فما وجد المستعمرون بداً من إقامة اتحاد، فصدر قرار بإقامة حكومة وحدة بين دويلة دمشق وحلب وبلاد العلويين في 29 حزيران من عام 1922، وانتخب خمسة مندوبين عن كل دويلة ليشغلوا خمسة عشر مقعداً، فكان الأتاسي ممثِّل مدينة حمص ، وكان معه فارس الخوري، ومحمد علي العابد، وعطا الأيوبي مُمثِّلين لمدينة دمشق، وراشد البرازي مندوباً عن حماة

وفي 10 كانون الأول 1922م قامت دولة الاتحاد، وبدأ المجلس اجتماعاته، وكان بمثابة المجلس النيابي المؤقت. 

ولما شكلت لجان المجلس الأربع (المالية، الحقوقية، الملكية وفيها التجارة، والنافعة وفيها الزراعة) للنظر في الشؤون المطروحة على المجلس عُيِّن طاهر أفندي الأتاسي في اللجنة الحقوقية. واستمرَّ الوضع كذلك حتى أزال الفرنسيون الاتحاد في غرة كانون الثاني عام 1923م

رئاسته مؤتمر علماء الشام الأول:

في 11 رجب عام 1357 الموافق (6 إيلول 1938م)، اجتمع في دمشق الشام حشد من كبار علماء الشام والعراق بلغ عددهم مائة وخمسة، أمُّوا الفيحاء من القدس ونابلس والنجف وبيروت وصيدا وطرطوس واللاذقية وحمص وحماة وحلب وأنطاكية وإدلب والباب ومنبج ووادي العجم والقنيطرة ودير عطية والنبك، وعقدوا المؤتمر الأول للعلماء، وتباحثوا أوضاع العالم الإسلامي أياماً ثلاثة بلياليها، ختمت بإصدار المؤتمر بياناً كان مفاد مقرراته:

مقررات المؤتمر:

توضيح واجب العلماء في تبرئة الإسلام مما يصمه به المستعمرون، وكشف النقاب عن دواعي التفرقة التي يبثُّها المستعمر في البلاد باسم حماية الأقليات.

والمطالبة بنشر العلم الشريف، وإنشاء المدارس الشرعية، وتأسيس معهد عال شرعي ضمن الجامعة السورية لتخريج القضاة الشرعيين والمفتين سداداً للحاجة الملحَّة لهم، وملء الشواغر العلمية بمستحقِّيها.

وإحياء التراث التَّشريعي الإسلامي، والاهتمام باللغة العربية في المدارس، وإرسال بعثات أساتذة اللغة العربية إلى مصر للتخصُّص بدلاً من إرسالهم إلى أوروبا، وجَعْل اللغة العربية لغة دواوين الحكومة الرسمية والتأكد من سلامة المعاملات من الأخطاء اللغوية.

وزيادة الدروس الدينية في المدارس، وجَعْل المواد الدينية خاضعة لقوانين النجاح والرسوب، وتعيين مدرسين شرعيين من أجل تدريس الديانة الإسلامية، والمحافظة على الشعائر الدينية في المدارس.

والدفاع عن الأوقاف الإسلامية الذرية،وإعطاء النظر في أمورها إلى علماء الدين.

والاحتجاج على غصب الخط الحجازي لما فيه من عدوان على المؤسسات الوقفية المقدَّسة.

وإصلاح المحاكم الشرعية، وإناطة القضاء بالعلماء الشرعيين لا المدنيين، والمحافظة على الآداب والأخلاق العامَّة السليمة، وإنزال العقاب بالمخلِّين بها، ومراقبة الأشرطة السنيمائية.

والتضامن مع فلسطين والاحتجاج الشديد على ما يجري فيها من الاعتداء على كرامة رجال الدينين الإسلامي والمسيحي، والاحتجاج على تعطيل المجلس الإسلامي الأعلى، وعلى الاستيلاء على الأوقاف الذرية.

وتأييد قرار كبار علماء الأزهر الشريف برفض مشروع التقسيم، وتأييد فتوى علماء العراق من أهل السنة والشيعة باعتبار جهاد فلسطين جهاداً مشروعاً، وجمع الإعانات لمنكوبي أهلها، وإرسال تحية إكبار إلى شعب فلسطين الباسل وإلى زعمائه.

والاحتجاج على ما كان يجري في لواء الاسكندرون من تشتيت للمسلمين، واتنهاك لحُرمات العلماء.

وتأليف جمعيات للعلماء في المدن خلال ثلاثة أشهر من انفضاض المؤتمر، واعتبار تلك الجمعيات لجاناً فرعية تنفيذية للجنة التنفيذية المركزية للمؤتمر والمؤلَّفة من جمعية علماء دمشق، وتكرير عقد المؤتمر كُلَّما ألحَّت الضرورة.

وتكليف جمعيات علماء المدن بالإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الآداب الإسلامية وحمايتها في المدن والقرى.

ووضع نظام للعلماء يعرف بموجبه العلماء، ويبيِّن واجباتهم، وتعيين شعار خاص بهم يُظهرهم على غيرهم من غير العلماء.

وتأليف لجنة علمية عليا لتطبيق النظام، وترتيب المسؤوليات المحتَّمة على العلماء، والعمل على توثيق الصلات بين علماء الأقطار وسائر الجمعيات الإسلامية.

وتأييد اقتراح العلامة عبدالكريم الزنجاني من علماء إخواننا الشيعة في العراق بوجوب جمع كلمة المسلمين من مختلف المذاهب الإسلامية بالدعوة إلى عقد مؤتمر عالمي لعلماء المسلمين لتحقيق هذه الفكرة السامية، وغيره من المقررات المفيدة. 

ووجَّه المؤتمر كلمة إلى رجال السياسة، يطلب منهم التحلِّي بالوطنيَّة والجهاد في سبيل حرية الوطن، والعمل على صيانة حقوق كافة الأديان كما أمر الشرع الإسلامي الحنيف، وعدم الرضوخ للمستعمر ودعاياته، والعمل على كشف المؤامرات التي تحاك على الإسلام باسم الأقليات.

ووجَّه المؤتمر كلمة إلى علماء المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية، يدعوهم إلى عقد مؤتمر عالميٍّ عام يكون صخرة في بناء حصن الإسلام، وإلى عقد المؤتمرات المحلية أسوة بمؤتمر علماء الشام للنضال ضد العدوان على الإسلام والمسلمين، وتحقيق المبادئ الإسلامية التي إنما هي في خدمة الإنسانية.

هذه هي أهم مقررات ذلك المؤتمر، وكم نحن اليوم نفتقر إلى مثل هذه المؤتمرات النافعة والاجتماعات الفعَّالة التي يجتمع فيها العلماء للنهضة بالأمة ، والوقوف أمام أعدائها المتربصين بها.

أعضاء مؤتمر العلماء من مدينة حمص:

كان من أعضاء مؤتمر العلماء الذين نزلوا دمشق ليمثلوا مدينة حمص،واحداً وعشرين من أكبر علماء حمص هم الشيخ طاهر الأتاسي، والشيخ توفيق الأتاسي، والشيخ عاطف الأتاسي، والشيخ طيب الأتاسي، والشيخ عبدالقادر الخجا، والشيخ طاهر الرئيس، والشيخ مؤيد شمسي باشا، والشيخ مصطفى حسني السباعي، والشيخ عبدالعزيز عيون السود، والشيخ حسن شمس الدين، والشيخ عبدالفتاح المسدي، والشيخ رضا الجمالي، والشيخ أبو السعود عبدالسلام، والشيخ بدوي السباعي، والشيخ حسن الرفاعي، والشيخ صلاح الدين السباعي، والشيخ عبدالجليل مراد، والشيخ عبدالله الزهري، والشيخ محمد علي عيون السود، والشيخ محمد نديم الرفاعي، والشيخ محمد نور العثمان. 

أعضاء مؤتمر العلماء من كبار علماء بلاد الشام:

ومن كبار علماء بلاد الشام الذين كانوا أعضاء في ذلك المؤتمر: الشيخ إبراهيم الغلاييني، والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ محمد سعيد الحمزاوي نقيب الأشراف، والشيخ محمد صالح الفرفور، والشيخ عبدالقادر المبارك، والشيخ محمد بهجة البيطار، والشيخ محمد الحامد، والشيخ عبدالرحيم الخطيب، والشيخ معروف الدواليبي، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ هاشم الخطيب، والشيخ أبو الخير الميداني، والشيخ أحمد الدقر، والشيخ أمين الكيلاني، والشيخ محمد محاسن الأزهري، والشيخ صلاح الدين الأزهري، والشيخ عارف الدوجي، والشيخ عبدالرؤوف الاسطواني، والشيخ عبدالقادر السرميني، والشيخ جميل الشطي، والشيخ حسن الشطي، والشيخ حسن حبنكة الميداني، والشيخ محمد سعيد النعساني مفتي حماة، والشيخ سليم الطيبي، والشيخ محمد الداعوق، والشيخ محمد سليم الحلواني، والشيخ محمد أحمد دهمان، والشيخ سعيد الجابي، والشيخ عبدالرحمن سلام، والشيخ عبدالكريم الزنجاني، والشيخ علي الدقر، والشيخ عيد الحلبي، والشيخ كامل القصاب، والشيخ محمد الكامل القصار، والشيخ محمود الشقفة، والشيخ محمود العطار، والشيخ مختار العلايلي، والشيخ مكي الكتاني، والشيخ ناصر الكتاني، والشيخ ياسين القطب، وغيرهم من أكابر العلماء، رحمهم الله رحمة واسعة.

ولما انعقد مؤتمر العلماء اجتمعت كلمة العلماء على انتخاب العلامة طاهر الأتاسي رحمه الله رئيساً للمؤتمر

أدبه وشعره:

اشتهرت بلاغة العلامة الأتاسي ومَلَكَاته الأدبيَّة، وتداول الناس قصائده وتَسَامروا بها في المجالس. 

قال الأستاذأدهم الجندي في كتابه "أعلام الأدب والفن"48:1ـ49:

"كان رحمه الله مُتبحِّراً في العلوم الشرعيَّة والأدبيَّة، وقد فاق المرحوم والده بروعة شعره، فانقادت لبلاغته وبيانه قوافي النظم. ومن شعره قصيدة كان نظمها بعيد مولد النبي الشريف وهي 125 بيتاً ومطلعها:

يميناً بالمُحصّب لن يمينا سقى كف الحياة حياً وحيّا

لعهدي عهديَ الأقوى يمينا ثرىً كم فيه عَفَّرْتُ الجبينا

ومنها:

فيا عُرْبَ الأباطح أين كنتم** ووعدٌ بالرضا منكم فحسبي

أيا نسمات رامة فاحمليها وقولي طارق دفعت إليكم

بكوثر قربهم أرويت حتى بهم أحيا فتقتلني لحاظ

على أني بغير مديح طه أراكم بين أحشائي قطينا

وان مطل الزمانُ به ديونا تحيات وإن ثقلت حنينا

به الحاجات حباً مستكينا شربت العيش بعدهم أجونا

فاشكرهم وهم لي قاتلونَ رأيت الشعر هزلاً أو مجونا

وبعث إلى أبي الهدى الصيادي رحمه الله بقصيدة يمدحه بها، وهو في أوج عظمته ومجده ومطلعها:

ليس إلا عليك المدار أنت للكون بهجة ونضار

وهذه القصيدة يمكن أن يجعل منا الصدر عجزاً والعجز صدراً. وله قصيدة غزلية بليغة في قافيتها ومعانيها وهي من النوع المهمل ومطلعها:

آه والوصل لروَّاع الأسود أحورٌ حلو اللمى مُر الصدود"انتهى.

وقال الأستاذ عبد الإله النبهان في مقالته:" لمحات من أدب أواخر العهد العثماني":

"كان الشيخ حريصاً على قراءة الأدب والشعر حتى في مرحلة الإفتاء، وعندما كان منهمكاً في سهره المتواصل لإتمام "شرح المجلّة" وإخراجها، وكانت تحت يده مكتبة ضخمة غنيَّة، وقد حدّثني السيد سعيد محمد السباعي أن الشيخ محمد نديم الوفائي، زار المفتي فوجده يقرأ مسرحية "مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد شوقي، فظهر عليه الاستغراب والدهشة: المفتي شارح المجلة يقرأ مسرحية شعرية! فقال له المفتي: "ندّوا أقلامكم بالأدب"، فإنه كان يَسْتروح إلى قراءة الأدب بأساليبه الجميلة وعواطفه الجمَّة من كتبه ذات الطابع القانوني الفقهي الجاف. وقفت على مجموعة شعرية خطيّة (كنّاش) فيها عدد من قصائد الشيخ، تدورُ حول مديح بعض الولاة والعلماء إضافة إلى المديح النبوي، وتكثر في قصائده اصطلاحات الفقه وغيره، ويبرز تأثره الكبير بأساليب العصر العثماني، وكأنه لم يتأثر بأساليب مدرسة الإحياء الجزلة العالية، مع العلم أن شعر أمير الشعراء شوقي كان يملأ سمع الزمان آنذاك" ثم أورد نماذج وقطع من قصائده التي سبق ذكرها، ثم قال: "وبين يدي قصيدة أخرى في خمسة وستين بيتاً يمدح فيها أستاذه الشيخ بدر الدين بن الشيخ يوسف المغربي، ويعدّد فيها جملةً من مؤلفات أستاذه، وله غير ذلك من القصائد والمقطعات كالتهنئة بمولود أو تشطير أبيات أو تخميسها، وله في المديح النبوي قصيدة جاءت في 125بيتاً" انتهى. 

مصنفاته وآثاره:

1) إكمال "شرح مجلة الأحكام العدلية" في الفقه الحنفي، والتي بدأها والده خالد الأتاسي، وأكمل المترجم مجلداتها الأخيرة، فجاءت في سبعة أجزاء، وقد طبع هذا المؤلف الضخم مرات في حال حياته وبعد وفاته.

2) "الرد على الأحمدية القاديانية"، طُبع مرة ولم تجدَّد طباعته.

3) "سواطع الحقِّ المبين في الردِّ على مَنْ أنكر أنَّ سيدنا محمد خاتم النبيين"، طُبع في حمص عام 1350 للهجرة (1931م).

4) مجموعة فتاوى.

5) ديوان شعر كبير غير مطبوع.

بالإضافة إلى مصنفات شرعية أخرى لم تُطبع. 

هذا وقد كان الشيخ طاهر الأتاسي خطاطاً، خطَّ بقلمه الشريف القرآن الكريم كاملاً، ومن ذلك نسخة كتبها بخط الإجازة كانت موجودة في مسجد خالد بن الوليد، ثم نقلت إلى متحف دائرة الأوقاف بحمص.

دفاع الأتاسي عن نصارى حمص:

ذكر الوزير فيضي بك الأتاسي، ولد المترجم، موقفاً لوالده في الدفاع عن النصارى في حمص، إذ كان بعض العوام الجهلة يستهزئون بالنصارى ويُذلُّونهم في الشوراع، فإذا ما مرَّ أحدهم برجل من النصارى في الطريق قالوا له: "طورق!"، أي: انزل من على الرصيف فامشي في الطريق وتنحَّى جانباً، سخريةً واستهزاءً، حتى ضاقت الأمور على النصارى، فلما بلغ هذا الخبر مسامع مفتي المدينة، غضب غضباً، لأن هذا ليس من أخلاق المسلمين في شيء، بل هو مناف لتعاليم الدين الإسلامي، ومنفر عن الدعوة إلى الدين الحنيف، فأصدر الأتاسي لتوه فتوى معززة بالأدلة تمنع الناس عن مثل هذا الأعمال، فكان أن اضطر هؤلاء الجهلة إلى الكف عن عملهم، الأمر الذي رفع الحرج عن مسيحيي المدينة.

الأتاسي في مؤلفات الآخرين وعلى ألسنتهم:

قال فيه منير الخوري عيسى أسعد، صاحب "تاريخ حمص"498:2 "والمفتي طاهر الأتاسي عالم كبير، وفقيه مشرِّع، وبحَّاثة مدقِّق، وشاعر مُحلِّق، وكانت مُسْتعصيات المسائل الفقهية تأتيه من كل أنحاء البلاد السورية والعربية فيفتي فيها بإحكام ودقة". 

وذكره العلامة الشريف محمد العربي العزُّوزي الإدريسي الحسني، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية في ثبته "إتحاف ذوي العناية" ص132، فقال: " في سنة 1353 للهجرة (1934م) زرت مدينة حمص، واجتمعت بجل علمائها وفضلائها، فمنهم المفتي الحالي العلامة النوازلي السيد محمد طاهر الأتاسي، بيتهم بيت علم وفضل وجاه، ولعائلته الكريمة السيطرة ونفوذ الكلمة، زرته في بيته وأطلعني على شرح المجلة لوالده المفتي السابق وتكملته له، وكان إذ ذاك مباشراً لطبعهما، أجازني بما له من الإجازة العامة المطلقة عن والده، وعن غيره من فضلاء عصره".

وترجم له العالم الصوفي الشاعر المؤرخ الشيخ عبدالهادي الوفائي في كتابه "التاريخ الحمصي" فكان مما قال: "الشيخ طاهر الأتاسي العالم الفاضل، أتقن جميع العلوم، وفاق على الشعراء بالشعر، فكم له من قصائد رائقة وألفاظ دقيقة وقدودٍ شتّى، ولو كان عنده علم الموسيقا لفاق على الشيخ أمين الجندي، وكان بالشعر يفوق على والده خالد أفندي المفتي".

وأشاد به العلامة الداعية الدكتور مصطفى حسني السباعي وترجم له، فقال في تأبينه في مجلة الفتح في العدد (715) جمادى الآخرة 1359. ـ كما في كتاب "مصطفى السباعي: الداعية المجدد" للدكتور زرزور ـ : "وهو المفتي الوحيد في بلاد الشام الذي يزن الأمور بميزان المصلحة العامة، ويطبقها على المقاصد الشرعيَّة الساميَّة، فإذا تحقَّق في مسألة من المسائل المعروضة عليه مصلحة عامة تعود على العلم أو الدين أو الأمة، التمس لها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، أو أقوال مشاهير العلماء، ضارباً صَفْحاً عمَّا هنالك من نصوص فقهيَّة قد يحول الأخذ بظاهرها دون تحقيق تلك المصلحة المرجوَّة"، ثم قال: "وقلّ أن تجد في المفتين المعاصرين مَنْ له هذه الروح وهذه القوة، وهذا التمكُّن البالغ في فهم دقائق الفقه الإسلامي ومقاصده".

وقال فيه فضيلة الشيخ وصفي المسدي، الذي لازمه صغيراً في آخر حياته ودرس عليه: "كان الشيخ طاهر أفندي في الحقيقة خاتمة العلماء، كان عالماً في جميع فروع العلم، بل وله باع طويل في التصوف والمنطق، وكنت قد فتحت معه درساً في أصول الفقه الحنفي، فقرأ كتاب التوضيح والتلويح، فكنا لا نفهم الدرس لصعوبته فكان رحمه الله يفسِّره لنا".

وقال: "وفي الشعر كان شاعراً مجيداً، كلَّفه ذات مرة الإخوان المسلمون بقصيدة شعرية بمناسبة الهجرة أو المولد، فكتب لهم قصيدة، وصعد إلى المنبر يومها الشيخ مؤيد شمسي باشا (مفتي الحنابلة بحمص) فألقاها، وهي قصيدة لها قيمتها، وكان الشيخ مؤيد يلقيها في المجالس".

وقال: "كان الشيخ طاهر رجل علم بحق، وكانت الكتب حوله دوماً، وكثيراً ما وُجد سارحاً في كتبه ليالي كاملة رحمه الله"، وقال: "وتولَّيت تبييض الفتاوى له، فكانت كل فتوى درساً، وكان عالماً بضبط الأنغام والموسيقى، إذ أنه ذات مرة طلب منه التلاميذ والمشايخ في حمص أن يعقد لهم مجلساً يستمعون فيه إلى قراءة الشيخ محمد رفعت، فعيَّن طاهر أفندي لهم يوماً، وأحضر له ولده فيضي المذياع، وجلسوا يستمعون إلى قراءة الشيخ. والشيخ طاهر يشير بين الحين والآخر إلى القراءة وضبطها، فيقول لهم: هذا رصد، وهذا حجاز، فإذا به أيضاً عالم بضبط الأنغام". 

زوجته وأولاده:

تزوَّج العلامة الأتاسي بابنة عمه السيدة نفيسة بنت أحمد أفندي بن العلامة المفتي محمد سعيد أفندي الأتاسي، وأنجبت له ابنيه السيد فيضي الأتاسي، و إسحاق الذي توفاه الله صغيراً.

وفاته:

انتقل العلامة الشيخ طاهر الأتاسي إلى رحمة الله في يوم الجمعة الحادي عشر من ربيع الأول من شهور عام 1359 الهجري الموافق لشهر نيسان عام 1940م، ودفن في مدافن العائلة في حمص، رحمه الله تعالى رحمة واسعة. 

من موقع آل الآتاسي

الملك فيصل يحل ضيفا على آل الأتاسي عام 1919، إلى أقصى اليمين: السيد محمد طاهر أفندي بن خالد الأتاسي مفتي مدينة حمص، وإلى جانب الملك يقف السيد عمر بك بن يحي الأتاسي قائم مقام مدينة حمص ثم رئيس الحكومة العربية فيها

الصورة مأخودة في منزل السيد محمد أبي النصر أفندي الأتاسي.

نشرت 2013 وأعيد تنسيقهاونشرها 29/9/2019