الشيخ محمد ثابت  كيالي مفتي محافظة إدلب

 

نسبه:

هو ابن المرحوم الشيخ حسن منلا كيالي المفتي السابق لمحافظة إدلب، ابن العلامة المحدث الفقيه الأصولي اللغوي الأديب المتكلم النظار المعروف الشيخ محمد طاهر منلا كيالي نقيب الأشراف في إدلب ورئيس علمائها، ابن عبد القادر بن محمد المنلا دفين الشام ت(1270 هـ)، ويصل نسبه إلى السيد إسماعيل الكيال الرفاعي الأول دفين زاوية الترنبة بالقرب من بلدة سراقب ت(573 -685 هـ).

ومن المعروف أن السيد إسماعيل الكيال جاء من واسط في العراق، وأبوه علي مهذِّب الدولة الرفاعي ت(584هـ)، وأمه هي السيدة فاطمة ذات النور بنت الإمام أحمد الرفاعي صاحب الطريقة الأحمدية الرفاعية، وسلسلة النسب لهؤلاء تتصل بالإمام جعفر الصادق دفين البقيع قبة العباس ت(83 -148 هـ)، وهو ابن الإمام محمد الباقر دفين البقيع قبة العباس ت(57 _ 117هـ) ابن الإمام علي زين العابدين ت (33 -94 هـ) ابن الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة دفين كربلاء في العراق عام ت(61 هـ) ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من زوجته فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

نشأته ودراسته:

ولد في مدينة إدلب سنة 1924م، وترعرع في كنف والده الشيخ حسن، وجده الشيخ محمد طاهر في بيت علم وفضيلة وأدب وشرع، فنهلتْ روحه باكراً من هذه الينابيع، ووجد نفسه على مقربة من الدين في كل وقت، فالرجلان: الأب والجد لم يكن الدين عندهما باباً للارتزاق، لكنه كان عماد حياتهما، وفلكاً نورانياً يدوران فيه.. حتى إن أصحاب الحاجات كانوا يطرقون الأبواب في كل وقت، وقد تبقى مصابيح البيت مضاءة طوال الليل ساهرة كالنجوم، والأب أو الجد يستمع لمشكلة من المشكلات أو يعالج بصبر قضية اجتماعية ساخنة محاولاً نزعَ فتيل الخصام، وإحلالَ السلام في القلوب رغم خشونة المتخاصمين وفظاظتهم أحياناً وجهلهم الذي يجعل إقناعهم بالحق والقبول به أمراً صعباً.

عايش الشيخ محمد ثابت هذا المناخ طفلاً ويافعاً، وأدرك أن العامل في شؤون الدين هو شخصية عامة مملوكة للآخرين أكثر مما هي مملوكة لنفسها، فمن كان أنانياً أو مزاجياً أو انطوائياً أو متكبراً لا يصلح أن يكون شيخاً.

إضافة إلى أبيه وجده محمد طاهر نهل أيضاً من جده لأمه الشيخ العلامة محمد الخيزراني، وقد كان حبراً ومتخصصاً في المذهب الحنفي، والخيزراني أتى على ذكره محمد راغب الطباخ في الجزء السابع من كتابه(إعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء).

بدأ المرحوم محمد ثابت حياته العلمية بالاطلاع على مصدرين عظيمين غنيين هما: القرآن الكريم والحديث الشريف، وزاده تعلقاً بهما براعة جده محمد طاهر في شرح الآيات والأحاديث إذ كان يتناول النصوص في ثلاثة أطر: الشرح اللغوي، ثم الإطار التشريعي، ثم الفضاء الروحي بما له من ظلال أثيرية وأبعاد مدهشة تسحر الألباب، فيشعر جلساؤه وكأنه يرتفع بهم في سبع طباق! 

انصرف الشيخ محمد ثابت إلى عالم المطالعة في سن مبكرة إضافة إلى أداء واجباته المدرسية، وقد انتسب في عام 1942م إلى الثانوية الشرعية(الخسروية) بحلب، وتخرج منها سنة 1947م، وكان مديرها يومئذ المرحوم نعمان سخيطة.

في عام 1949م عُيِّن معلماً في اللاذقية، وانتسب إلى كلية الحقوق بدمشق، وحصل منها على الإجازة في سنة 1953م.

نشاطه الديني العلمي والمناصب التي شغلها:

كان الشيخ محمد ثابت في شبابه موفور النشاط طموحاً رغم هدوئه الشديد، وميله إلى قلة الكلام، وكان له نشاط متنوع في مجال الدين والعلم والدنيا، وأنشطته كلها تصب في هدف واحد هو رعاية الفضائل والرقي بالنفوس إلى أفق الحق والخير، وقد رأى المرحوم أن هذا الهدف لا سبيل إليه إلا بالعلم وتنوير العقول، ومن المحطات البارزة في حياته:

* حصل في عام 1953م على ترخيص بافتتاح إعدادية وثانوية للبنات بسوق الصاغة بإدلب، وأصبح في الوقت نفسه مدرساً(بالساعات) في ثانوية المتنبي بإدلب حتى تاريخ 1955م.

* في عام 1955م نقل ترخيص الإعدادية إلى ناحية كفر تخاريم، وبقيتْ مفتوحة إلى سنة 1957م.

* استطاع في العام 1957م نقل ترخيص الإعدادية إلى مدينة حلب باسم ثانوية الكواكبي، وموقعها يومئذ أمام مشفى (فريشو) بدار تعود إلى بيت المدرس، واستمر العمل فيها حتى سنة 1959م.

* في عام 1959م انتسب إلى نقابة المحامين بإدلب وأصبح محامياً.

* في عام 1961م اختارته إدارة قضايا الدولة ليكون محامياً مندوباً لها، ومن بعد مستشاراً قانونياً، وأخيراً أصبح مديراً لها حتى سنة 1981م.

* في عام 1981م بالاتفاق بين وزارتي العدل والأوقاف تمَّ ندب المرحوم محمد ثابت إلى دائرة الإفتاء والتدريس الديني بإدلب، وفي عام 1983م صدر قرار من وزارة الأوقاف بأن يكون الندب نقلاً نهائياً، وهكذا أصبح الأستاذ محمد ثابت مفتياً رسمياً لمحافظة إدلب، وظل يشغل هذه المسؤولية الكبيرة حتى توفاه الله تعالى في:24/رمضان/1429 الموافق 24/9/2008م تغمده الله بواسع الرحمة.

* أسهم في تأسيس الثانوية الشرعية في إدلب، وأصبح مديراً لها ومشرفاً عليها لسنوات عديدة.

* إضافة إلى ما تقدم كان المذكور خطيباً في عدد من جوامع إدلب: الأقرعي والحمصي والروضة لمدة خمسة وعشرين عاماً.

ويمكن من خلال المحطات السابقة أن نقف أمام أمرين هامين:

الأول: اهتمام المرحوم بتعليم المرأة تعليماً حقيقياً محاطاً بالفضيلة، يظهر هذا في سعيه لافتتاح إعدادية للبنات في عام 1953م، وكثيرون في ذلك الوقت رفعوا رايات المعارضة ضد ذهاب البنات للمدارس رغم أن الإسلام يدعو إلى تعليمهن كالرجال ليتفقهن في الدين، ويحسنَّ تربية الأجيال عندما يتزوجن ويصبحن أمهات.

الثاني: أسلوبه في الإفتاء وقد جمع فيه بين الشريعة الغراء وبين القانون الوضعي، أعانه على ذلك علمه بالدين من جهة واطلاعه على القوانين المدنية من جهة أخرى، وكان بصبره وبصيرته وأناته قادراً على فك الخيوط المتشابكة والنفاذ إلى الحق من دون ميل أو تسرع أو هوى.

أخلاقه:

تميز هذا الرجل بطبع هادئ كما سبقت الإشارة كأن في صدره جدولاً من الطمأنينة يجري رقراقاً متأنياً، ولم يكن هدوؤه علامةً على السلبية واللامبالاة والبرود، لكنه هدوء الوقور الحكيم. لقد حمل الشيخ الراحل في قلبه خلاصة الفضائل الطيبة من صدق ووفاء وتواضع وتسامح وتقديم للخير وتأخير للشر وكفٍ للأذى مهما كان الأذى صغيراً.

بهذا الخُلق ظل محبوباً، لطيفَ المعشر، طيبَ الحضور، فهو لم يقحم نفسه في عداوة ولا ضغينة، ولم يركب حصانَ المنافسات التي تقع أحياناً بين شيوخ الدين، ولم يملأ فمه بمعسول الكلام كاذباً منافقاً لينال منصباً أعلى أو عطاءً جزيلاً. كانت عيناه تشعان بالبساطة والوداعة، فطوبى للودعاء.

ولما أوهنت الشيخوخة جسده، وتوقف عن الخطابة في المساجد ظل خادماً مخلصاً لدين الله وعباده يقدِّم ما يستطيع تقديمه في اختيار الأكفاء للخطابة إذا سئل الرأيَ فيهم، ويسهم في إعمار المساجد، وقد كانت له يد بيضاء في تشييد جوامع الروضة وأبي ذر والتوحيد في مدينة إدلب، فهو إما رئيس للجنة الإعمار وإما عضو فيها، وهكذا.. كان النبل والخير رفيقيه الأقربين في مسيرة حياته يبتغي بهما وجه الله الذي لقيه متطلعاً إلى رضاه ونوره العظيم الخالد.

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها اليوم