الشيخ محمد أديب القسام

خطيب مفوه، من أبرز الدعاة في سورية وبلاد الشام، كانت حلقاته في بيوت الله امتدادا لحلقات السلف العلمية والتربوية، أصبحت مدرسة علم وتربية وسلوك، من أبرز مآثره انكبابه الزائد على العلم، وجلده الدائب على التدريس والتعليم، استطاع أن يربي في بلده جيلا من الشباب المثقف على أساس الإسلام، وفقههم في الدين، وغرس في نفوسهم مبادئ الأخلاق، وبث فيهم روح العمل الدؤوب، وقادهم بصدق إلى طريق الدعوة الإسلامية.

كرس جهده وعلمه، ونذر نفسه وحياته في خدمة الإسلام والمسلمين، فمن خلال دروسه ومحاضراته وخطبه، التي شكلت موسوعة فكرية في الشريعة الإسلامية، تناول الداعية مجمل القضايا التي تهم الفرد والمجتمع وبيان محاسن الإسلام ومكارم الأخلاق بأسلوب قوي فريد ومحبب للقلوب والنفوس، يميزه حسن الإلقاء ومرونة تغلف أحاديثه التوجيهية والوعظية والإرشادية

إنه الشيخ محمد أديب القسام الذي ولد في مدينة حيفا عام 1930 من أسرة سورية هاجرت إلى فلسطين بعد الانتداب الفرنسي على سوريا، نشأ الشيخ في بيت علم ودين، فوالده الشيخ فخر الدين القسام وعمه هو المجاهد الكبير الشيخ الشهيد عز الدين القسام ملهم المقاومة الفلسطينية ومفجر وقائد أول ثورة مسلحة في تاريخ فلسطين.

تلقى الشيخ الداعية القسام دراسته الأولى في مدينة حيفا، ثم التحق بالأزهر وهو في سن الرابعة عشرة من عمره، تحمل في سبيل العلم شظف العيش وبؤس الحياة، ولاسيما بعد أن انقطعت عنه المعونة المادية من قبل المدرسة التي أوفدته لدراسة العلم الشرعي في الأزهر الشريف على أعقاب النكبة التي أصابت مسقط رأسه (حيفا) في غمرة الأحداث في فلسطين عام 1948، لكن الشيخ استقبل ذلك بمصابرة نفس، وعزيمة وإصرار حتى حصل على شهادة الإجازة العالمية للتدريس وعاد إلى مدينة جبلة السورية ليمارس مهنة التدريس، ويعين مدرسا للتربية الإسلامية في الثانويات العامة ويقوم بها خير قيام، بالإضافة إلى قيامه بالتدريس والخطابة طيلة حياته في مسجدي السلطان إبراهيم بن ادهم وأبي بكر الصديق، وقد بلغ مجموع ما طالعه العالم الراحل ودرسه تسعين مجلدا في مختلف العلوم الشرعية والعربية، والتلاوة وتجويدها، الفقه ومذاهبه، القرآن وعلومه، والتفسير وأصوله، الحديث ومصطلحاته … مركزا في كل ما يقرره وما يشرحه على التربية الفاضلة، والإعداد الروحي، والتكوين العلمي، والتطبيق السلوكي العملي، حتى تمكن أن ينشئ جيلا من الرجال الدعاة لهم في الدعوة إلى الله اثر، وفي الالتزام الإسلامي قدوة.

ساهم العالم الراحل في نشر الدين الإسلامي وحل الكثير من القضايا الدينية والاجتماعية والتاريخية والفكرية إلى جانب حرصه على إيضاح مبادئ العقيدة الإسلامية وسماحتها من خلال دروسه وخطبه وحلقاته العلمية، وذلك بأسلوب واضح مرن يستوعبها كافة أفراد المجتمع على مختلف ثقافاتهم.

توفي الشيخ القسام في مكة المكرمة في 28 جمادى الأولى عام 1404 هجرية حين زيارته لبيت الله الحرام، فدفن في مقبرة (المعلا) بجوار المسجد الحرام.