الشيخ عطية محمد سالم - العالم المفسر الواعظ

 

عطية محمد سالم

المفسر الفقيه المدرس في المسجد النبوي

إذا دخلت المسجد النبوي المطهر من باب الرحمة ـ بعد صلاة المغرب ـ ستجد على يسارك في أول التوسعة السعودية حلقةً نورانية يتصدرها شيخ مهيب الطلعة، منور الشيبة، جميل الصوت، حسن الأداء، واضح العبارة، تحيط به أعداد كبيرة من طلاب العلم من مختلف المستويات...

وستجد نفسك منساقاً للجلوس مع هذا الجمع المبارك، فتشعر بالسكينة تتنزل عليك، والرحمة تغشاك، والملائكة تحفك، وتعود من ذلك الدرس بالفائدة والخير العميم والنفع الكبير.

إنه مجلس العلامة الشيخ: عطية سالم. الذي فُجع المسلمون بوفاته يوم الاثنين 6/ ربيع الثاني عن عمر يناهز الرابعة والسبعين عاماً، قضاها في العلم والتأليف والتدريس والإرشاد.

ووفاءً لهذا العالم الجليل، وتذكيراً للأجيال بما قدمه من آثار علمية وعملية، أسوق هذه الكلمة الموجزة في التعريف به:

هو العلامة المفسِّر المحدث الفقيه الواعظ الشيخ عطية محمد سالم، ولد سنة 1346هـ بمديرية الشرقية بمصر، وابتدأ دراسته بكتاتيب القرية، وانتقل بعدها إلى المدرسة الأولية، وكانت مدة الدرساة بها خمس سنوات، ثم قدم إلى المدينة المنورة في الثامنة عشرة من عمره عام 1364هـ، وبدأ دراسته في المسجد النبوي الشريف على عدد من علماء المدينة المنورة، ومنهم:

الشيخ عبد الرحمن الإفريقي، والشيخ محمد التركي، والشيخ محمد علي الحركان، والشيخ عمار الجزائري، رحمهم الله جميعاً .

كما حضر بعض دروس شيخه العلامة: محمد الأمين الشنقيطي في التفسير أول قدومه إلى المدينة المنورة.

ولما فتحت المعاهد العلمية، والكليات الشرعية عام1370هـ ، انتقل إلى الرياض، فدرس الثانوية الثانية، ثم المعهد العالي، ثم في كليتي اللغة العربية والشرعية، وتخرج منهما معاً، وكانت الدراسة آنذاك في أعلى المستويات إذ استقدم للمعاهد والكليات، كبار علماء الأزهر بالإضافة إلى كبار علماء المملكة، وهناك توطدت صلته بفضيلة الشيخ: عبد الرزاق عفيفي.

وأما أكثر شيوخه تأثيراً به، وأوثقهم صلة واستفادةً وبراً ووفاءً، فهو العلامة الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي، فقد لازمه في الحضر والسفر لمدة عشرين سنة، واستمرت تلك الصلة من يوم قدوم شيخه سنة 1371هـ إلى آخر حياته 1393هـ رحمهما الله تعالى. وامتنَّ الله عليه بصحبة شيخه الأمين في الرياض والمدينة، وفي رحلات الحج أربع سنوات متتالية، وفي الرحلة إلى إفريقية، حيث زار بصحبته عشرة أقطار بدء "بالسودان، وانتهاء" بموريتانيا، واستمرت تلك الرحلة ثلاثة أشهر، وكانت علاقته بشيخه علاقة ولد مع والد، وكان شيخه يحيطه بالعناية والرعاية.

أعماله ووظائفه:

كُلِّف بالتدريس قبل التخرج، فدرس في معهد الإحساء العلمي لمدة أربع سنوات، وبعد التخرج انتقل للتدريس في معهد الرياض، ثم انتقل للتدريس في الجامعة الإسلامية عند افتتاحها عام 1381هـ باستدعاء من مفتي المملكة الشيخ: محمد بن إبراهيم، وكان في جملة المشاركين مع الشيخ عبد الرزاق عفيفي، ومناع القطان، ومحمد العبودي، في وضع البرامج ورسم المناهج، برئاسة فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن باز، وأسندت إليه شؤون التعليم فدرَّس الفقه والأصول.

ثم انتقل بعد ذلك إلى القضاء بتكليف من مفتي المملكة أيضاً، وابتدأ تعيينه بمرتبة قاض، ولم ينقطع أثناء عمله في القضاء عن التدريس في المسجد النبوي، وتدرج في مراتب القضاء حتى وصل إلى مرتبة " قاضي تمييز" حيث أُحيل للتقاعد في 1/7/ 1414هـ.

تدريسه بالمسجد النبوي:

ابتدأ التدريس في المسجد النبوي الشريف في وقت مبكر، بعد أن تم وضع كرسي بجهاز باسم الجامعة الإسلامية، كان يتناوب عليه كل من فضيلة الشيخ: الأمين، والشيخ: عبد العزيز بن باز، نائب رئيس الجامعة آنذاك.

ولظروف الشيخ محمد الأمين الصحية، وكثرة أعمال الشيخ عبد العزيز كان يقوم بإلقاء الدروس بدلاً عنهما.

ولما تولى التدريس بشكل مباشر، شرح كتاب:"الموطأ" للإمام مالك، وسُجِّل في نحو 700 شريط، ثم شرح الأربعين النووية، وسُجِّل في 70 شريطاً، وفسر سورة الحجرات، وأوائل سورة البقرة، وشرح البيقونية في المصطلح، والورقات في الأصول، والرحبية في الفرائض، وشرح كتاب:" بلوغ المرام في أدلة الأحكام" للحافظ ابن حجر، وسُجِّلت جميع دروسه في أشرطة تتجاوز 1000 شريط... وكان يعقد في شهر رمضان دروساً يومية بعد صلاة العصر في أحكام الصوم، وبعض الغزوات، كما يلقي دروساً يومية في مواسم الحج في أحكام المناسك. وجميع هذه الدروس مسجلة على أشرطة كاسيت بالمكتبة الصوتية في المسجد النبوي الشريف.

كما شارك في وسائل الإعلام، منذ إنشاء إذاعة:" نداء الإسلام"، وفي عدد من البرامج التلفزيونية، وكتب في عدد من الصحف والمجلات، وحضر الكثير من المؤتمرات.

مؤلفاته:

من أبرز مؤلفاته وأهمها:

1ـ " تتمة أضواء البيان" للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، من أول سورة الحشر إلى آخر سورة الناس.

2ـ " ترتيب التمهيد" لابن عبد البر، رتبه على أبواب الفقه بدلاً من الأسانيد في اثني عشر مجلداً.

3ـ "موسوعة الدماء" ، ( وهو كتاب يشتمل على تركيب الدم وعناصره وأحكامه وتعاطيه بالنقل وإخراجه بالحجامة، ودماء النساء، ودماء الأنساك، ودماء الجنايات).

4ـ " عمل أهل المدينة في مؤطأ مالك".

5ـ السؤال والجواب في كتاب الله، وأصله حلقات بالإذاعة، ثم جمعت وطبعت.

6ـ " وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم" وأصله أيضاً حلقات بالإذاعة، وجمعت وطبعت. 

7ـ " في ظلال عرش الرحمن". شرح فيه حديث: سبعة يظلهم الله.

8ـ " آيات الهداية والاستقامة" في جزئين.

9ـ " موقف الأمة من اختلاف الأئمة".

10ـ ومجموعة الرسائل المدينة، وقد تجاوزت أربع عشرة رسالة، منها:

ـ رسالة التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي.

ـ زكاة الحلي.

ـ مع الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان.

ـ مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.

ـ معالم على طريق الهجرة.

ـ الإسراء والمعراج.

ـ سجود التلاوة.

ـ مع المرضى.

ومن كتبه المهيأة لطباعة:" أعيان علماء الحرمين في عصر الصحابة إلى اليوم"، اختار فيه بعض مشاهيرالعلماء ممن كان لهم نشاط تعليمي في كل فترة زمنية في كلٍّ من مكة والمدينة، وتوسّع في تراجم علماء القرنين الثالث والرابع عشر، وكتاب:" موسوعة المسجد النبوي" ويشتمل على الجانب العمراني، والتعبُّدي، والعلمي، إلى غير ذلك من الأعمال العلمية.

ويتميز الشيخ بسعة الأفق، ومراعاة أدب الخلاف، وحسن الظن بالمسلمين، والسعي إلى جمع كلمة العاملين للإسلام، والتعاون معهم في خدمة الدين.

وبوفاته أفل نجم من نجوم المدينة المنورة، وانطوت صفحة تذكر بالعلماء السابقين، ولا يسعنا إلا أن نتمثل بما قاله الإمام البخاري عندما بلغه وفاة شيخه الدارمي:

إن تعش تُفجع بالأحبة كلهم وذهاب نفسِك لا أبا لك أفجع

وقد شهدنا خلال هذه السنة 1420هـ موت كوكبة من أعلام الإسلام، وليس لنا إلا أن نقول: { إنا لله وإنا إليه راجعون} اللهم آجرنا في مصائبنا واخلفنا خيراً منهم.