الشيخ عبد الرحمن زين العابدين

الجندي المجهول ، الذي درّس أشياخنا علماء النحو:

                     الحلواني، والفاخوري، وقباوة ، والأنطاكي...                    

هو : الشيخ عبد الرحمن زين العابدين؛ العالم اللغوي الصناع.

                                (1321ـ1410هـ 1904ـ1990م)

نسبه ومولده:

هو الشيخ العلامة اللغوي الصناع الموهوب، أبو صلاح الدين، عبد الرحمن بن الشيخ محمد زين العابدين بن أحمد بن عيسى الكردي الأيوبي البالساني (وبالسان منطقة كردية تقع في شمال العراق ) الأنطاكي، ثم الحلبي. ولد في أنطاكية، عام: ( 1904 م، وسجل في سجلات القيد المدني، في عام 1908)، نشأ  في أسرة عُرفت بالعلم والفضل، فوالده عالم كبير.. وجده شيخ محبٌّ للعلم والعلماء.

دراسته:

تلقَّى العلم على والده، ودرس على المشايخ في أنطاكية، وحفظ بعض المتون العلمية، وسلك على يد الشيخ علاء الدين النقشبندي ، رحمه الله، ثم عكف على الكتب، ينهل العلم النافع من معينها الثر الفياض، فبرع في علوم اللغة العربية، من نحو وصرف وأدب،وعلم المنطق والفلك، وكان صنَّاعاً بارعاً، وميكانيكياً عجيباً، وله قصص عجيبة في ذلك.. وكان مولعاً بتراجم العلماء، مُجلاً لهم، . وكان محباً للشعر، حافظاً للكثير منه.. وكان شافعيَّ المذهب، ويوصي بالالتزام بالسنة، ومعرفة العلوم العصرية، والمحاكمة العقلية.

عمله:

هاجر مع أسرته من أنطاكية إلى حلب، واستقروا في مدينة حلب بسورية، بحدود سنة (1357 هـ / الموافق 1938 م )، وفيها ظهرت شهرته ونبوغه، فعمل إماماً في جامع الأحمدية،ومدرساً لعلوم اللغة العربية، في المدرسة الشعبانية، والمدرسة الخسروية، ودار نهضة العلوم الشرعية ( المدرسة الكلتاوية )،التي أسسها العالم الرباني الشيخ المربي محمد النبهان الحلبي رحمه الله تعالى،ودرس فيهااللغة العربية لفترة وجيزة 

وكان يجيد اللغة التركية، ويلم باللغة الكردية والفارسية، بالإضافة إلى تبحُّره في علوم اللغة العربية.. فقد كان يدرس كتب ابن هشام.

صفاته:

كان جميل الصورة، معتدل القامة، إلى الطول أقرب، واسع الصدر،حنطي البشرة، كث اللحية، خافت الصوت، راجح العقل، ثاقب النظر حديده، صادق الفراسة، سخياً جواداً،لا يعرف التكلُّف،زاده الله بسطة في العلم والجسم، عفيف النفس، صدوقاً، متواضعاً،قال عن نفسه: أنا خادم نعال العلماء، وكثيراً ما كان يردد هذا البيت:

       أضاعوني وأي فتى أضاعوا    **     ليوم كريهة وسداد ثغر

 

هواياته ومهاراته:

وكان رحمه الله تعالى، منذ شبابه يحبُّ الرياضة البدنية، والمشي الطويل، وكان صياداً ماهراً سديد الرماية، لا يخطىء الهدف، يَصْطاد الطيور وهي طائرة، والحيوانات وهي راكضة، وله في ذلك قصص كثيرة، ومشهورة، وكان صناعاً ماهراً، يصنع مثاقب وأميالاً وإبراً من الفولاذ و المعادن بيده، وكأنها خارجة من مصنع آلي،وفي خلال الحرب العالمية الثانية، انكسر في معمل شركة الغزل و النسيج بحلب، ترسٌ مسنَّن في أحد الأجهزة، وكان مسنناً، في أسنانه تعرُّجٌ وحركات دقيقة، وتوقف المعمل ولا يمكن جَلْب بديل جديد ولا يمكن لحامه، فَذُكر لهم الشيخ عبد الرحمن،فأتوه بالمسنَّن المكسور، فصنع لهم بديلاً عنه كأنه هو حين كان جديداً، وشغَّلوا به الجهاز، وكان قنوعاً لا يناقش في الأجر، فأعطوه ثمناً له، لو طلب عشَرة أضعافه، لما ترددوا في دفعه. ومن أهم مِيزاته التي امتاز بها البراعة واشتهر بها، أنه كان ساعاتياً، ميكانيكياً، خبيراً بصيراً بالساعات على اختلاف أنواعها وحجومها، وكان إذا استعصى على  الساعاتية في حلب إصلاح ساعة توقفت أو احتاجوا إلى قطعة غيار لها غير موجودة، كانوا يلجؤون إليه، فيقوم بإصلاحها، أو يصنع لهم قطعة الغيار المطلوبة.

وكان خبيراً ممتازاً في الأسلحة النارية بأنواعها وأحجامها، وكذلك كان ذا خبرة واسعة في سقاية الفولاذ، بمختلف أنواع السقاية ودرجاتها، وكان يقول: إن أقسى أنواع الفولاذ هو ما يسمى بفولاذ الهواء، وكان يصنع من فولاذ الهواء، ( موسىً ) من النوع الذي في نصاله قطع عديدة، كما ذكر ذلك العلامة الفقيه الكبير الشيخ مصطفى الزرقاء، رحمه الله تعالى.

ثناء العلماء عليه:

مؤلفاته:

لم يؤلف الشيخ كتباً، بل ألف رجالاً، وطلاب علم كباراً، ولما سأله أخصُّ تلاميذه الشيخ محمد مجاهد شعبان، قائلاً له: يا سيدي لماذا لم تؤلف كتباً ؟ أجابه الشيخ بقوله: ما ترك الأوائل للأواخر شيئاً، وحسْبُ العالم تلامذتُه.. هكذا كان رأيه، ولو ألف كتباً، لكانت مراجع مهمة.

 

وفاته:

أصيب في أواخر السبعينات من القرن العشرين الميلادي، بمرض الاكتئاب فلزم البيت، وترك التدريس في المدرسة الخسرويَّة ( الثانوية الشرعية بحلب ) وسمن بدنه وترهل من عدم الرياضة والحركة، وقد حاول صديقه الحبيب العلامة الشيخ مصطفى الزرقاء، إقناعه بالعودة للتدريس، فلم يفلح، ثم توفي الشيخ رحمه الله تعالى، مأسوفاً ومحزوناًعليه من الجميع، وكانت وفاته في شهر شباط (فبراير  من عام ( 1990 م ) وشيَّعته مدينة حلب الوفية، وهي حزينة على فراقه؛ لأنه كان فلتة من فلتات الزمان، الذي قلما يجود الزمان بمثله. ودفن في تربة الصَّالحين، ورثاه العلماء والشعراء، رحمه الله تعالى، وجزاه عما قدم للأمة،  خير الجزاء.

لقد عُمِّرَ الشيخ طويلاً، فقد عاش عمراً ناهز السادسة والثمانين، قضاه في سبيل العلم والتعليم، وفي صحبة الكتب العلمية، وخدمة الناس، عاش الشيخ فقيراً في الدنيا، لم يستطع أن يذهب إلى الحج، لعدم وجوبه عليه، لضيق الحال، ولكنه كان غني النفس، غنياً بعلمه ومواهبه، ولو أراد المال، لحصل له الكثير منه؛بسبب صناعاته ومهاراته، ولو كان عند غيرنا  لأقاموا له نصباً تذكارياً، وكتبوا اسمه في سجل الخالدين. وألفوا عنه المجلدات.

مصادر الترجمة:

1ـ هذه المعلومات من:

الأستاذ الفاضل الشيخ محمد مجاهد شعبان، رحمه الله تعالى، وكذلك نجل الشيخ،الأكبر، الأستاذ الشيخ صلاح الدين زين العابدين.

2ـ كتاب: الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام، للإمام القرافي، رحمه الله، تحقيق العلامة الشيخ المحدث عبد الفتاح أبو غدة، رحمه الله، من نبذة عن الشيخ، وضعت في آخر الكتاب المذكور، كتبها صديقه الأثير، العلامة الفقيه الشيخ مصطفى الزرقاء، رحمه الله تعالى.