الشيخ عبد الرحمن أحمد الملا حفظه الله ورعاه

نعما رجالٌ عرفتهم (33)

الشيخ عبد الرحمن أحمد الملا حفظه الله ورعاه

 

عَلَمٌ من أعلام الأحساء ،قامةٌ عالية بعلمه  وتواضعه وأصله وأصالته  ،وهامةٌ باسقة تحمل الخير والبر كنخيل هَجَر، وشامةٌ على جبين الأحساء فضلاً ومحتداً ،  عِلْمَاً وأدباً ، لطفاً وتواضعاً ، وهو نسابةٌ خبيرٌ بالأنساب ،ومن أكثرهم معرفةً بالرجال وخير من يسرد القصص والتراجم عن الرجال ، ويالجمال سرده للقصص والوقائع التي عاصرها وعَلِمَها ،يحكي التاريخ كأنك  تراه ، ويسرد القصص والأحداث كأنك تعيشها ، عَلَمٌ  وهامة ،وقامةٌ وشامة وعلمٌ وأدب، ورفعةٌ وتواضع ..أجل

هو الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن الشيخ عبد اللطيف المفتي ابن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عمر بن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمد المفتي بن الشيخ علي بن حسين الواعظ الحريثي الطَّائي القحطاني ويعرفون ببيت الواعظ.

ولد بالكوت في الأحساء 1355هجرية ونشأ في بيت علمٍ وشرف ، وأصالةٍ وفضل فوالده الشيخ أحمد الفقيه الحنفي والمؤرخ النَّسابة،وجده لأبيه القاضي والمفتي الشيخ عبد اللطيف وجده لأمه العلامة الشيخ أبوبكر الملا رحمه الله،وقد درس القرآن الكريم على يد الشيخ علي اليماني في مدرسة آل أبي بكرالملا المجاورة لمسجدهم ودرس الفقه الحنفي وبقية العلوم على يد والده الذي لازمه مذ كان في الخامسة من عمره  حتى نهاية حياة والده وهو العالم الفقيه ، الوجيه العَلَم، والمؤرخ النَّسَّابة والذي كان أحد أعلام الأحساء النجباء ، والعلماء الأصلاء ،والوجهاء الفضلاء رحمه الله وتقبله في عليين فنهل من علومه، ،ونال من فنونه ، واكتسب مناقبه ، وتخلق بخلقه، وتحلَّى بأدبه وكساه والده حُللاً من الجمال والبهاء ،والعلم والفضل، والخبرة والمعرفة ، والفقه والأدب عدا الفترة التي قضاها في الكويت وقد اشتغل لفترة محدودة كاتباً في المحكمة الشرعية بالأحساء ،ثم انتقل إلى الكويت 1385 ليعمل فيها إماماً لمدة خمسة عشر عاماً وكان دائم الوصال لهَجَر خلالها ثم رجع ولازم والده بقية عمره.

يتميز الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الملا  بصفات حميدة ، ومناقب جليلة ، ورثها عن والده العَلَمُ الفَضل منها التواضع والكرم، والعلم بالتاريخ والأنساب ، والفقه والمعرفة له من الأبناء عبد الرؤوف وعبد المنعم ومجلسه مفتوح بين العشائين ليلاً من كل خميس ولايزال على ذلك  الوصال مع الجميع كل أسبوع لطفاً وتواضعاً ،وودَّاً وكرامة ليفد إليه المحبون والزائرون من كلِّ حَدَبٍ وصوب ،من داخل المنطقة وخارجها ، من ربوع المملكة العزيزة شرقها وغربها ،نجدها وحجازها وكذلك من الخليج العربي للاستفادة من علمه وأدبه وقصصه ومآثره ،ومعرفته بالتاريخ والأنساب  وهكذا يكون الوصال مع أهل الفضل والعلم والتَّأسي بهكذا رجال خلُقاً وفضلا ، أصالةً ونبلاً ، وتاج ذلك كله ذكره وشوقه  وحبه للحبيب المصطفى خير خلق الله صلى الله عليه وسلم متعه الله بالصحة والعافية ، وزاده من فضله ، ورفع قدره في الدارين . والشيخ عبد الرحمن كما قال عنه أحد أقرب المقربين إليه وهو الشيخ الجليل عبد الله الفلاح حفظه الله أنه عالمٌ جليل وهو العابد الوجيه، وهو النسابة المؤرخ ،تراجم رجالات الأحساء والخليج عنده ، يملك ذاكرةً ماسية ، وحافظةً ذهبية ، حفظها الله له ،ذاع صيته في جزيرة العرب  شرقها وغربها خليجها وهجرهاحتى صار وجهة الناس في هَجَر ،ولايزور الأحساء عالمٌ ولاوجيه إلا أمَّه وقدم إليه ، كريم النَّفس ، هادئ الطَّبع ، لايحمل غِلَّاً على أحد ، يؤمُّ مجلسه جميع النَّاس صغاراً وكباراً على نهج والده الشيخ أحمد شامة الأحساء علماً وفضلاً رحمه الله تعالى، محبوباً لدى النَّاس ،ولايزور الأحساء أحدٌ من كبار القوم ووجهائهم إلا زاره ، وكذلك الذين كانوا يزورون والده  من قبل حتى أن  أحد الوجهاء الفضلاء الذين كانوا يزورون والده سليمان بلغنيم  رحمه الله أتاه  بعدما أُقعد فزاره وهو في سيارته لايستطيع النُّزول ... فخرج له الشيخ عبد الرحمن وعانقه وهو في سيارته فقال له الزائر لو استطعت لنزلت ولكن قمنا بالواجب والشيخ في مجلسه البهجة والأنس ،والفائدة واللطف،  وحديثه عذبٌ جميل إذا أورد قصةً تعيش معه فيها وكأنك تراها يصور الحدث كأنَّك فيه دقيق الوصف ،متابع السرد ، حاضر الذِّهن والبديهة مع ذكر التواريخ وأحواله من حر أوقر مع اليوم وأجزائه ليلاً أونهاراً بالحج أوبالأعيادوالسنة

ومما سمعته منه أكثرمن مرة قصة التاجر من هَجَرالذي افتقر قبل ويدعى رشيد الجحاحفة رحمه الله  مفادها أنَّ رؤيا رآها هذا الرجل عدة مراتٍ في المنام مفادها اذهب إلى الشام فإن رزقك هناك وتكررت الرؤيا عدة مرات فعزم الرجل على السفر وذهب إلى مكان في المبرز قرب السياسب كان البعض يذهبون من هناك إلى الزبير ومنها إلى الشام من أجل التجارة المهم ذهب إلى هناك و أقنع جماعة من التجار للذهاب معهم من الأحساء إلى الزبير ومنها إلى الشام وكان ذلك فلما وصل إلى الشام ذهب القوم إلى تجارتهم وذهب هو إلى المسجد الأموي وبعدما صلى فيه خرج منه لذهب الى خباز قريب منه بعدما أخرجه الجوع فرآه  الخباز وعلم أنه غريب من شكله ومظهره وأعطاه خبزة ياكلها وجرى بينهم حديث ملاطفة  وحصل بينهما ود المهم أن عزمه الخباز واستضافه في بيته الخباز ووضع له أصناف أطايب الطعام لياكل ضيفه منها ومن ثم سأله ما الذي جاء بك إلى هنا ؟!وهنا أفصح له الأحسائي أن رؤيا رآها جاءت به إلى هنا وقصها عليه ومن أجل ذلك أتيت إلى الشام هنا ضحك الخباز واستلقى على ظهره من فرط شدة ضحكه وكأنه رأى صاحبه ثم قال له الخباز أن رزقك ليس هنا وإنما في بيتك تحت فرن التنور في المطبخ فقال له كيف ؟! قال له أنت رأيت وأنا رأيت وقد جاء بك إلي لأعلمك عن مكانه ، فودع الضيف الخباز وقفل عائداً وذهب إلى أصحابه من قدم معهم ثم اشترى له دابةً تعينه على سفر العودة وعاد إلى الأحساء ولما وصل تعجب منه أهله بقدومه خالي اليدين كما أتى !!ثم ذهب إلى مكان التنور في المطبخ وحفر تحته وإذا بخزينة وكنز تحته  ما شاء الله قيمة ثمينة تعود إلى حقب زمنية بعيدة وكان البيت قد اشتري من قبل من عدة أجداد فسال أهل الفقه بذلك !؟وهل المال هو حلال له ؟؟

وهنا قالوا له أن المال طالما كان لك من عدة أجداد فكان أن بنى مساجد وأوقف لله وكانت له مع البر والخير قصص وقصص هذا ماسمعته من شيخنا الفاضل

 

وهو كذلك عجيبٌ في الأنساب وربط هذا بهذا من جهة الآباء والأمهات  على نهج والده رحمه الله كانت له زيارات للمجالس المفتوحة بجميع الأحساء مدنها وقراها ويعرف رجالها وأنسابهم ليذكرهم بأروع القصص عن آبائهم وأجدادهم ،يذكر لي الشيخ الفاضل عبد الله الفلاح حفظه الله أنه قال له :يابو عبد العزيز بعد العشاء سنذهب لعزاء آل سعدون بالمبرز في مجلسهم فذهبنا بمعيته مع أخي عبد المنعم بن الشيخ عبد الرحمن الفلاح فالعزاء عشر دقائق وأجلسونا ساعتين والشيخ يحدثهم عن آبائهم وأجدادهم ورجالهم وجداتهم ،وكان من الحاضرين الأخ الحبيب  المهندس الفاضل حمد الحليبي حفظه الله فقال له الشيخ اجلس أحدثك عن سوالف أبيك !!...وأخذ يسرد القصص والحكايا،وإذا زار مجلس آل الشيخ مبارك يذكرهم بأجدادهم وشيوخهم  وبعضاً من القصص الطريفة ، عجيبٌ أمر هذا الشيخ وكأنه معجم تراجم للرجال ،وتاريخ مقروء يسكبه في حديثه، وعند جميع المجالس المباركة في الأحساء سيرته كالمسك يعبق بالطيب ،وطريقته متحدثٌ بارع، يسلب الألباب ،ويشد الأبصار بروعة سرده للوقائع، وكثير من كبار السن في القرى يوصون أن يصلي عليهم الشيخ عبد الرحمن الملا ويلقنهم ويطلبونه في رمضان لتثويب وصايا ختمات القرآن لموتاهم، وقد حضر الشيخ عبد الله الفلاح معه مثل ذلك

محبوبٌ عند الجميع الموافق والمخالف لدماثة طبعه ، وحُسن خُلُقه ، وطيب حديثه ، ولطف منطقه ،وطلاقة محيَّاه ،  كل يلهج بحبه، لايخلو مجلسه من ذكر الحبيب المصطفى فيه بحديثٍ أو قصيدة في مدحه صلى الله عليه وسلم أو سرد بعض سيرته صلى الله عليه وسلم ومجلسه دائماً وأبداً مذكراً بالهدي النبوي وسيرة العلماء الأعلام والصالحين ،وحث الشباب على اتباع الهدي النبوي والصالحين من العلماء الفضلاء من أجدادهم ،والحث على الهيئة من لباس المشلح ويأمر به ويحث عليه

وإذا زاره أحدٌ من الخليج من طلاب العلم يوصيهم بالعلم والهدي ويحثهم على حمل العصا خاصةً في الخطبة لاتباع السنة

لم أسمع أحداً ذمَّهُ أوعابه ،ولم يخرج معه أحدٌ إلا وأثنى عليه وألسنة الخلق أقلام الحق وهو أهلٌ للثناء وأهل فضل  يسأل عن العلماء وأحوالهم، ويفرح بتدريسهم وعطائهم ،ويسأل دائماً عن  الفضلاء والمشائخ ،ويطمئن على معرفه ومحبيه ،وأفرح مايفرح به إذا بلغته أن فلاناً من الناس له مجلس ويفتح اسبوعياً أويومياً أو كذا.

لايحب أن يغتاب أحد في مجلسه أو يذكر أحد بسوء عنده تذكرنا سيرته  بالسلف الصالح لأقول في الختام أن الشيخ بقية من الصفوة، وصفوة مكارم ، ومعالم خصال، و منارة أصالة، أطال الله بعمره ومتعه بصحته وقوته وزاده من فضله والحمد لله رب العالمين

د. محمد إياد العكاري

٢/١٢/١٤٤٤

٢٠/٦/٢٠٢٣