الشيخ صالح إبراهيم


أعدها: ضياء الدين البرهاني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
الولادة والنشأة:
ولد الشيخ صالح في بداية ثلاثينيات القرن الماضي في قرية (إيكي آخور) التابعة لمنطقة عفرين شمالي حلب، ويحمل اسم القرية اسماً تركياً ومعناه في اللغة العربية (إصطبلان) وهي قرية معروفة فيها عدد كبير من المثقفين من الإسلامين ومن الشيوعيين، وقادة أحزاب اليسار الكردي، وهذه القرية من أجمل القرى الكردية ويحيط بها عدد من الينابيع المائية تكون مجرىً مائياً أو نهراً صغيراً، وفيها أهم تجمع للبساتين في منطقة عفرين، وتتوزع هذه البساتين مع عدة قرى مجاورة، وفيها كل ما يخطر على البال من الأشجار المثمرة التي تنبت في سورية يغذيها النهر المذكور وتعرف هذه البساتين ب(بيج براق).
وفي هذه القرية الجميلة تعلم الشيخ صالح القراءة والكتابة والقرآن الكريم في كُتّاب والده الشيخ أحمد حنان، وكان يعرف والده بخوجة عشكه، وكان والده يتقن ثلاث لغات: الكردية وهي اللغة الأم، والعربية والتركية العثمانية، ولم يكن في تلك المنطقة في ذلك الوقت من يقرأ أو يكتب إلا القلة النادرة فكان يحضر عنده في كُتّابه أناس من قرى مجاورة، وكان الشيخ أحمد حنان متميزاً في النحو، ويتعمد ألا يتكلم إلا باللغة العربية الفصحى بلكنته الكردية مع ثقلها عليه غير لم يكن يلحن فيها على الإطلاق.
أرسل الشيخ أحمد ولده صالحاً إلى المدرسة الابتدائية الوحيدة في عفرين ودرس فيها خمس سنوات وحاز على الشهادة السيرتفيكا وهي شهادة المرحلة الابتدائية في ظل الاحتلال الفرنسي للبلاد.
 
طلبه للعلم:
بعد حصوله على السرتفيكا دفع به والده إلى الكلية الشرعية الخسروية في حلب وأقام في القسم الداخلي المبيت كونه من الريف ثم التحق به أخوه الأصغر الشيخ نوري، والشيخ صالح اول طالب من جبل الأكراد ينتسب للخسروية في خمسينيات القرن الماضي.
تتلمذ الشيخ في الخسروية على شيوخ كبار مثل الشيخ سعيد الإدلبي والشيخ عبد الرحمن زين العابدين وأخيه أبي الخير والشيخ محمد الملاح وغيرهم من أساطين العلم في المدرسة في تلك المرحلة.
 
انتسابه لكلية الشريعة في جامعة دمشق:
بعد تخرجه من الخسروية انتسب لكلية الشريعة في جامعة دمشق وهو أول طالب يتخرج من كلية الشريعة من أبناء جبل الأكراد وتتلمذ في الجامعة على اساتذتها الكبار كالشيخ السباعي والدريني والزرقا وعدنان زرزور وغيرهم, وقد اهتم الشيخ بنفسه كثيرا وتمكن بعلم الفقه الحنفي والتفسير.
 
عمله في التدريس:
بعد تخرجه من كلية الشريعة درّس الشيخ في ثانويات ريف حلب ثم استقر به المقام في مدينة حمص للتدريس في ثانوياتها وتزوّج امرأة عربية حمصية وكان من حسن الحظ انها كانت أستاذة ومدرسة مختصة بالأدب العربي وأنجب منها ثلاثة أولاد وابنه الأكبر الدكتور عاصم هو طبيب في ألمانيا.
تتلمذ الشيخ أثناء إقامته في حمص على الشيخ المقرئ عبد العزيز عيون السود رحمه الله, وقد منّ الله عز وجل عليه أثناء إقامته في حمص بيسر الحال والمادة ونشط في مجال الدعوة في حمص ولم تنقطع صلته أثناء إقامته في حمص بقريته بل كان يأتي من حمص إلى قريته في جبل الأكراد ويبقى فيها أشهرا يستثمرها في الدعوة والإرشاد سواء في قريته او في القرى المجاورة ويخطب الجمعة في قريته.
 
السفر إلى السعودية:
أوفد الشيخ إلى السعودية وبقي فيها قرابة 15 سنة ودرّس في ثانوياتها التربية الإسلامية, وخلال إقامته في السعودية تأثر الشيخ بالفكر السلفي وكان قد تأثر قبلها بالفكر الإخواني أثناء وجوده في الخسروية وفي جامعة دمشق.
 
العودة من السعودية والاستقرار في القرية:
بعد عودته من السعودية استقر به الحال في قريته وعمل في مجال التجارة وكانت عنده أشجار زيتون من قبل السفر إلى السعودية فصار يعمل في أرضه وأنشأ معصرة زيتون والتي سببت له فيما بعد المكث في سجن حلب المركزي قرابة سنة ونصف نتيجة شكوى ظالمة من شريكه في العمل.
 
لم يتوقف الشيخ عن الدعوة في جبل الأكراد بل ثابر على ما كان عليه من جد ونشاط غير أنه كان يؤخذ عليه أنه كان حاد الطبع, ولا يقبل أنصاف الحلول ويقدم على إنكار المنكر بلسانه بدون مقدمات, ومن القصص الطريفة التي يذكرها هو عن نفسه: أنه رأى ذات مرة أثناء خروجه من المسجد فتاة كردية من بنات القرية قد ظهر شيء من شعرها فنهرها بلسانه الحاد: من أنت؟! وابنة من تكونين؟! ولماذا لم يهتم أهلك بتربيتك؟! فردت عليه الفتاة: وأنت ألا تستحي وأنت شيخ فلم تنظر إلا لشعري!! ولهذا الطبع كان ينفر منه الناس مع أنه كان من أهل الاستقامة والتقوى.
 
وفاته:
قبل وفاته بفترة وجيزة توفيت زوجته الحمصية فتزوج امرأة كردية ولم يعش معها طويلا حتى توفاه الله عز وجل في عام 2008م ودفن في قريته إيكي آخور عليه من الله الرحمة.
 
 
تم الفراغ من إعدادها في يوم الثلاثاء 6 شوال 1434هـ