توفي مساء (يوم الاثنين تاسع عشري ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وألف)، شيخنا المجيز المربي الجليل الشيخ السيد محمد سلمان المظاهري الكاندهلوي، رئيس جامعة مظاهر العلوم بسهارنفور، الهند، وهذا يوم عليها عصيب إذ فقدتْ خلال بضع سنوات أشرف أعلامها البارزين في العصر الحديث: شيخنا محمد يونس الجونفوري، والشيخ محمد طلحة الكاندهلوي، والآن الشيخ سلمان، متسابقين صلاحا وتقى، ومتشابهين علما وفضلا، رحمهم الله جميعا.
تخرج من جامعة مظاهر العلوم ودرس على شيوخها، وأجازه العلامة المحدث محمد زكريا الكاندهلوي إجازة عامة، وزوجه بنته، وأجازه غيره من شيوخه، ودرَّس في الجامعة إلى أن تم تعيينه رئيسا لها، فقام على شؤونها خير قيام، وتطورت في عهده تطورا ملموسا، مواصلة عطاءها ومتابعة خطاها، وكان مساعدا للشيخ محمد طلحة بن الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، يرعى أموره الدينية والتربوية في أيام مرضه، وبعد وفاته استقل بمسؤولية تربية المريدين والزائرين.
تكررت مني زياراته، وآخرها يوم الجمعة 22 ذو الحجة سنة 1440 في وفد من طلابنا من إنكلترا يقودهم الأخ زيد الإسلام، إذ تفضل الأخ الكريم العالم الأديب معاذ أحمد الندوي الكاندهلوي باستضافتنا وتعريفنا بأقسام الجامعة ومرافقها، وهو ابن أخت الشيخ سلمان مدير مظاهر العلوم، وأخذنا إلى زاوية الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، حيث تشرفنا بلقاء الشيخ سلمان محتفًّا بأصحابه ومريديه، والخانقاه كأنه قطعة من دور الصديقين وبيوت الصالحين في بساطته الظاهرة وجماله الباطن، دخلنا عليه، فرحب بنا ترحيبا، وأعرب عن سروره البالغ برؤيتنا، وقال لي: إنه قرأ كتابي عن فكر شيخنا محمد يونس بالأردية كلمة كلمة، وأثنى على الكتاب ثناءا، ولقد فرحت بتقديره للكتاب فرحا كبيرا، فجزاه الله خيرا.
وتحدث إلينا مهتما بنا، تتحدر الكلمات من لسانه ومن بين شفتيه مطيبة بالحب والحنان والشفقة والإكرام، قص علينا من تاريخ مبنى الزاوية وأسدى إلينا نصائح، وكان في وداده من حوله كأنما خلقت أعصابه وجوانجه من المادة الصافية التي يخلق منها القلب الرقيق الوفي، فأنسنا به جميعا أنسًا رفيقا، وأحسسنا ونحن في مجلسه بذلك الأنس يقوى لحظة فلحظة، متمتعة عيوننا بالنظر إلى وجهه المنور الوضيء، ومتنعمة آذاننا بالاستماع إلى حديثه العذب الناصح، وملتذة أهواؤنا بجمال صحبته، وهنيئة قلوبنا بصدقه وصفائه.
وسمعنا المسلسل بالأولية من لفظه، وهو يروي المسلسلات وغيرها عن العلامة المحدث محمد زكريا الكاندهلوي، وأجازنا جميعا إجازة عامة، وقد سبقت لي الإجازة منه غير مرة، وكان شيخًا وسيمًا صالحًا رفيقًا لينا، بينه وبين التشديد والغلو معاداة، وبينه وبين عبوس الوجه وتقطب الجبين مفاوز تنقطع لها أعناق المطي.
يا مظاهر العلوم! لكِ الله مفجوعة بحبيبكِ وأخيكِ، ومرزوءة بوليِّكِ وأبيكِ، حرسكِ وكلأكِ بعينه التي لاتنام، نعزيك في رجالك واحدا تلو الآخر، إن مصائبك أكبر من التعازي، وأجل من كلمات السلوان والرثاء، ولعل الذي يخفف من فاجعتك ونكبتك، بل ويلطِّف من مآسي محبيك وأحزان مُواليكِ أن ثواب الله أكبر وأجل مما حل بأهل الهند في متوفاكِ، ولن يؤمن من لم يؤمن بثوابه ولم يرض بحكمه، وأنتِ الدار التي يدرّس فيها كتاب الله ويشرح فيها سنن نبيه صلى الله عليه وسلم فلتكوني من أحسن الخلق صبرا، وأجملهم عزاءًا، وأحرِ بالصبر على البلاء أن يكون الربح المتمثل في معية الله تعالى ورضاه، فسلام عليك وتحياته، ورحم الله شيخك سلمان ومن سبقه إليه، وأنزلهم فسيح جنانه.
التعليقات
رحمه الله رحمة واسعة وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
يرجى تسجيل الدخول