الشيخ خليل بدران شهيدا

 

كم في عالم البدايات ما يرشدك الى عوالم النهايات، وكم من انسان لمعت بدايته لتشرق في اخر الزمان نهايته ...

عندما تجد شابا قد نشأ وتربى في طاعة الله ، ثم كبر ليدخل ميدان الحياة فيكون مثالا للامانة والصلاح ، ثم شاخ لتراه يتتبع المساجد فلا يترك صلاة جماعة الا ويحضرها، ولا حلقة علم الا ويحرص عليها، ولا نصيحة الا ويسديها، ويصبر على الأذى ويتحمل المشاق في سبيل الله ورضوانه ، ثم يهرم فيختم له بالشهادة او الصلاة او الصوم او طاعة من طاعات الله ، عندها تتأكد لك الصلة الوثيقة ما بين البداية والنهاية...

وذاك شريط يمكن لك مشاهدته في حياة الشيخ ابي حسام رحمه الله ، ونحن كشباب لا نعرف عن نشأته الا ما حدثنا به هو، ليكون الاباء قدوة لابنائهم فيه...

نشأ في اسرة صالحة وكان يرجع بنسبه الى اسرة بدران الشهيرة بالفضل والعلم في دوما فهو خليل بن محمد بن عبد القادر بن احمد بن عبد الرحيم بن محمد بن بدران 

ويكون العلامة عبد القادر بدران من ابناء عموم والده رحمهم الله جميعا.

حدثنا ابو حسام عن حضوره دروس العلم في دمشق والصلة الاخوية التي كانت تجمعه بتلاميذ الشيخ محمد ناصرالدين الالباني ، ثم الاخوة التي نشأت مع الشيخ عبد القادر الارنؤوط رحمهم الله جميعا.

وكان زميلا وصديقا واخا لاستاذنا الشيخ عبد الله علوش _حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية _ ، ومنذ تأسيس معهد تحفيظ القران بجامع التوحيد بدوما لازم الصديقُ صديقَه، فكان يجلس قرب كرسيه لا يتقدمه في مجلسه احد ، وكان لا يتأخر عن مجلس الدرس المقام بعد صلاة العشاء ويستمر ساعة للدرس وربع ساعة للاجابة عن الاسئلة.

كانت الفترة من سنة ١٩٨٦- ١٩٨٨ هي اغنى الفترات في الدروس ، حيث حضرنا فيها دروس ( كتاب الترغيب والترهيب) للامام المنذري مجلدين من اصل اربعة ، و( كتاب المدخل الى مذهب الامام احمد بن حنبل للشيخ عبد القادر بدران) كاملا ، وكتاب ( الروض المربع شرح زاد المستقنع) في ابواب الطهارة والصلاة وتوقفنا عند الزكاة، وقرأنا ابواب الحج في موسم الحج، وكتاب ( الفوائد) للامام ابن القيم ، وكتاب( لمعة الاعتقاد ) للامام ابن قدامة، وكتب ( التدمرية ) و( الواسطية) و( الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان) للامام ابن تيمية، وهذه الدروس كان يلقيها الشيخ عبد الله اما من كتاب او من كتابة على اللوح وشرح لها ، وكل هذه الدروس حضرها الشيخ ابو حسام ولازمها.

ومن عاش فترة الثمانينات في سوريا يدرك جيدا كم كانت المخاطرة بالقاء مثل هذه الدروس في المساجد يومها ، وكان من وعي الشيخ عبد الله للواقع انّ كتبَ ابن تيمية لم يكن يدرسها في كتاب ، وانما كان ينقلها من نسخته الى اللوح ويدرسها ، وبخاصة كتاب التدمرية ( نسبة الى تدمر وكان اسم تدمر وحده يمثل رعبا حقيقا في قلوب السوريين جميعا) ، وكان خطاط اللوح الاخ الكريم عنان المبيض فك الله أسره وسجنه....

كان الشيخ ابو حسام يمتلك مكتبة بدر في شارع الجامعة العربية قريب سوق الغنم وهي المكتبة الوحيدة لبيع الكتب الاسلامية في دوما ، وكنت في الصف السادس الابتدائي زبونا لديه ، وكان ينصحني في ما يصلح لي قراءته ، ومن نصيحته تعرفت على كتب الشيخ محمد المجذوب رحمه الله، وخاصة قصته ( بطل الى النار) وكتابه ( كلمات من القلب) .

وعندما تم منع الدروس في المسجد بعد حرب الخليج الاولى مباشرة لم ينقطع الشيخ ابو حسام عن الدرس بل اصبحت حلقات العلم في البيوت تنتقل من بيت لبيت ومن منزل لمنزل. 

وقد اعتقل ابو حسام مع مجموعة اخرى لمدة سنة او اقل ولم يغفر له سنه وشيبته لديهم.

في اخر عمره وفي فترة الحصار الزم نفسه بالصوم فكان يصوم صيام نبي الله داوود يصوم يوما ويفطر يوما ، ولم تثنه نصائح اسرته في البعد عن ذلك حفاظا على صحته.

قبيل استشهاده بساعات كان يقرأ في كتاب فوصل لصفة الجنة واهلها ثم خرج لقضاء حوائجه فادركته الشهادة.

رحمك الله يا ابا حسام فقد تركت وراءك ذرية صالحة من خيرة الشباب والاصهار والاحفاد عظم الله اجرهم جميعا فيك ، وتقبلك عنده في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

( استشهد الشيخ خليل بدران امس في دوما جراء القصف الروسي الهمجي عليها)