الشيخ حسين علي - العالم المعمر
توفي في عفرين العالم الصالح المعَمر الشيخ حسين علي في يوم الثلاثاء 20/11/1429 الموافق 18/11/2008 عن عمر يناهز التسعين عاماً وإلى القراء الكرام ترجمة مختصرة له نشرت في موقع حوارات من قلب الحياة :

الشيخ حسين شيخ الطريقة النقشبندية في عفرين منذ عشرات السنين و أحد الشهود على حقبة التاريخ المعاصر في المنطقة . فقد ولد سنة ( 1918 ) في قريته ( كوركان فوقاني ) في أسرةٍ فقيرة الحال، لكن الذي أعطاه هذه الخبرة في الحياة هو اختباره لها منذ صغره فقد توفي والده و لم يتجاوز السنة و زوِّجت والدته وهو لم يبلغ الثامنة فاحتضنه جده الذي توفي دون أن يبلغ العاشرة فانتقلت حضانته إلى عمه الذي ألقى عليه مسؤوليات الحياة و لم يتجاوز الخامسة عشرة .
رغم هذه الطفولة البائسة درس في الكتاب ( الخوجة ) على الشيخ كاظم الأنطاكي ( شيخ من أنطاكية ) العلوم الأساسية المتعارف عليها آنذاك من قراءة و كتابة باللغة التركية القديمة ( الأحرف العربية ) و بعضاً من الفقه الحنفي و شيئاً من التفسير و الحديث و الحظر و الإباحة، زارهم ـ وهو في الكتَّاب ـ الشيخ أحمد لامع تركي من علماء و مشايخ إزميت التركية، و كان مأذوناً بالطريقة النقشبندية من الشيخ شرف الدين الداغستاني فتتلمذ الشيخ حسين على يديه و هو في الثالثة عشرة تقريباً . و في النصف الأول من ثلاثينيات القرن الماضي توفي الشيخ أحمد لامع بعد وصول خليفة شيخه من بورصة إلى دمشق، و هو الشيخ عبد الله الداغستاني فأتم عليه حتى توفي سنة (1973) بدمشق حيث تم تعيينه مع مريد آخر للشيخ عبد الله هو الشيخ ناظم الحقاني من قبرص خليفتين للشيخ الداغستاني .
ظل يسعى منذ أن أينع في منطقة عفرين إلى نشر الخير و الفضيلة و الأدب و الأخلاق ما أمكنه ذلك و مشهود له أنه من أعلام لمصالحات الإجتماعية في عفرين حيث أن قريته و القرى التي حولها لم يكتب
فيها ضبط للشرطة يتعلق بالمنازعات لأكثر من ثلاثين عاماً على التوالي حيث كان بفطنته و خبرته في الحياة و سمته الحسن و كلمته المسموعة و لطفه رجل السلام عن جدارة في هذه المنطقة، يسعى إلى ذلك بماله و نفسه لا تهمه المصاعب و لا يحسب للمشقة حساباً عالي الهمة جداً . على هذه القاعدة بنى شبكة علاقات واسعة جداً في المنطقة مع أغلب الجهات الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الاقتصادية و الشخصيات المهمة لمحاولة التأثير من خلالهم التأثير الإيجابي الذي نذر حياته له .
عاصر الأحداث و التقلبات في المنطقة لأقل من قرنٍ بقليل و كان له رأي في كل ما كان يحدث .
صار خطيباً لجامع صاري أوشاغي المجاورة لأكثر من عشرين سنة حتى بنى في قريته جامعاً كما كان السبب في بناء ما يزيد على ستين بالمائة من جوامع المنطقة، حيث ترأس لجنة أوقاف عفرين من أواخر السبعينات إلى أوائل التسعينات حتى تنازل عنها للشيخ إبراهيم خليل عيسى لأنه وجده أقدر عليها منه .
سكن مدينة عفرين سنة ( 1985 ) متابعاً نشاطه لا يشغله شاغل عن هدفه حتى أقعده المرض سنة (2001) حيث أصيب بنقص في التروية الدماغية توقفت على إثرها أطرافه اليمنى عن الحركة، و هو مع ذلك لا يدع مناسبة دينية مهمة إلا و يحتفل بها في جامع علي بن أبي طالب ( شيخ شواخ ) القريب من داره و يحضرها المئات من المنطقة و خارجها .
كانت بصمته واضحة في محاولة تخليص التصوف الإسلامي و الطريقة النقشبندية خصوصاً من البدع و المنكرات و الانعزالية، حيث حارب هذه الظواهر أشد المحاربة ليعود التصوف إلى الصفاء و النقشبندية إلى نقش القلب بمحبة الله تعالى و العمل على رضاه و ذلك بمقتضى كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
في السبعينات و حتى الثمانينات كان يبلغ عدد مريديه الآلاف في المنطقة وحدها و محبوه أكثر، و لكن التجاذبات السياسية التي ظهرت مؤخراً و كبر سنه و مرضه فيما بعد أثر على هذا العدد رغم أن محبيه لم يتأثروا بكل تلك الظروف فما زالت زاويته التي في داره تستقبل العشرات كل أسبوع .